‬الفنان‭ ‬السودانى‭ ‬طارق‭ ‬كمال
‬الفنان‭ ‬السودانى‭ ‬طارق‭ ‬كمال


«الكنابي السودانية» بمعرض طـارق كمال

أخبار الأدب

الإثنين، 04 يناير 2021 - 11:40 م

 

بقلم: منى عبدالكريم

يجيد‭ ‬الفنان‭ ‬السودانى‭ ‬طارق‭ ‬كمال‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬ذاكرته‭ ‬المشحونة‭ ‬بمشاهد‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬وطنه‭ ‬الأم‭ ‬السودان،‭ ‬والتى‭ ‬جمعها‭ ‬فى‭ ‬أسفاره‭ ‬وترحاله،‭ ‬فتأتيه‭ ‬فى‭ ‬شكل‭ ‬تداعيات‭ ‬بصرية‭ ‬ولونية‭ ‬ليعيد‭ ‬تصديرها‭ ‬على‭ ‬مسطحه‭ ‬التشكيلى،‭ ‬يقوده‭ ‬اللون‭ ‬أو‭ ‬الخط‭ ‬على‭ ‬المسطح‭ ‬دون‭ ‬تخطيط‭ ‬مسبق‭ ‬لما‭ ‬ستسفر‭ ‬عنه‭ ‬كل‭ ‬تجربة‭.‬

وما‭ ‬بين‭ ‬الأبيض‭ ‬والأسود‭ ‬والألوان‭ ‬تنوعت‭ ‬الأعمال‭ ‬التى‭ ‬قدمها،‭ ‬حيث‭ ‬يتسيد‭ ‬الخط‭ ‬المشهد‭ ‬فى‭ ‬أعماله‭ ‬بالأبيض‭ ‬والأسود،‭ ‬ذلك‭ ‬الخط‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬ينفلت‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أصابعه‭ ‬ليخلق‭ ‬فى‭ ‬طريقه‭ ‬شخوصا‭ ‬وأماكن‭ ‬ويترك‭ ‬مساحات‭ ‬بيضاء‭ ‬ويملأ‭ ‬أخرى،‭ ‬خالقا‭ ‬فى‭ ‬مساحات‭ ‬صغيرة‭ ‬على‭ ‬الورق‭ ‬أبعادا‭ ‬إضافية،‭ ‬تأخذ‭ ‬المتلقى‭ ‬إلى‭ ‬عمق‭ ‬العمل‭ ‬ليختلط‭ ‬بمفرداته‭ ‬ويكتشف‭ ‬بذاته‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬المرئى‭ ‬المتشابك،‭ ‬أما‭ ‬فى‭ ‬تجربة‭ ‬الألوان‭ ‬فإنها‭ ‬حين‭ ‬يضعها‭ ‬الفنان‭ ‬على‭ ‬مسطحه‭ ‬التشكيلى‭ ‬تحتله‭ ‬بالكامل‭ ‬متخذة‭ ‬شكل‭ ‬كتل‭ ‬لونية‭ ‬متداخلة‭ ‬ومتراكمة‭ ‬تشكل‭ ‬أبنيه‭ ‬ومدن،‭ ‬لتتساءل‭ ‬كيف‭ ‬بإمكانه‭ ‬أن‭ ‬يحكى‭ ‬حكاية‭ ‬الأمكنة‭ ‬بما‭ ‬تحتمله‭ ‬من‭ ‬مساكن‭ ‬وحكايات،‭ ‬وكأنك‭ ‬تراقب‭ ‬حياة‭ ‬المدينة‭ ‬بأضوائها‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬نقطة‭ ‬وتتبع‭ ‬حركة‭ ‬السيارات‭ ‬وأضواء‭ ‬الشوارع‭ ‬والبيوت،‭ ‬بتقنية‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬تلك‭  ‬التى‭ ‬يوظفها‭ ‬فى‭ ‬طبيعته‭ ‬الصامتة‭ ‬فتتسلق‭ ‬وروده‭ ‬جدار‭ ‬المسطح‭ ‬وكأنها‭ ‬تنبت‭ ‬أمامك‭.

‬ويجيد‭ ‬كمال‭ ‬خلق‭ ‬أبعاد‭ ‬ومسافات،‭ ‬يتحرك‭ ‬بين‭ ‬القريب‭ ‬والبعيد،‭ ‬يتبع‭ ‬يده‭ ‬لتخلق‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭. ‬ فهو‭ ‬يترك‭ ‬نفسه‭ ‬للتداعى‭ ‬اللونى،‭ ‬حيث‭ ‬تبدأ‭ ‬سمات‭ ‬المكان‭ ‬فى‭ ‬الظهور‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬ألوانه،‭ ‬بل‭ ‬يظهر‭ ‬تأثير‭ ‬الحركة‭ ‬كذلك،‭ ‬ليؤكد‭ ‬الفنان:‭ ‬العمل‭ ‬وليد‭ ‬اللحظة‭ ‬التى‭ ‬أعمل‭ ‬فيها‭.‬

وقد‭ ‬اختار‭ ‬الفنان‭ ‬السودانى‭ ‬اسم‭ ‬اكنابب‭ ‬عنوانا‭ ‬لمعرضه‭ ‬الفردى‭ ‬الأول‭ ‬الذى‭ ‬استضافه‭ ‬مؤخرا‭ ‬جاليرى‭ ‬موشن‭ ‬بالزمالك،‭ ‬والكنابى‭ ‬ومفردة‭ ‬اكونبوب‭ ‬هى‭ ‬كلمة‭ ‬سودانية‭ ‬وتعنى‭ ‬السكن‭ ‬المخصص‭ ‬للعمال‭ ‬والمزارعين‭ ‬حول‭ ‬المناطق‭ ‬الزراعية‭ ‬والصناعية‭ ‬بالسودان،‭ ‬وهى‭ ‬بيوت‭ ‬بسيطة‭ ‬كانت‭ ‬دائما‭ ‬ما‭ ‬تلفت‭ ‬انتباه‭ ‬طارق‭ ‬بينما‭ ‬يسافر‭ ‬بين‭ ‬مدن‭ ‬السودان،‭ ‬ليعود‭ ‬بعدها‭ ‬إلى‭ ‬المرسم‭ ‬ويرتكن‭ ‬إلى‭ ‬مسطحه‭ ‬التشكيلى‭ ‬ويبدأ‭ ‬رحلة‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر‭ ‬يجوب‭ ‬فيها‭ ‬ذاكرته،‭ ‬مستعيدا‭ ‬المشاهد‭ ‬التى‭ ‬مرت‭ ‬به‭ ‬وسكنته‭ ‬ليشاركها‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬على‭ ‬المسطح،‭ ‬لكن‭ ‬لذلك‭ ‬الموضوع‭ ‬بعدا‭ ‬إضافيا‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بأحد‭ ‬القضايا‭ ‬الهامة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالمجتمع‭ ‬السودانى‭. ‬

تنوعت‭ ‬الخامات‭ ‬التى‭ ‬يعمل‭ ‬بها‭ ‬الفنان،‭ ‬وكذلك‭ ‬الأساليب‭ ‬الفنية‭ ‬لأعماله‭ ‬التى‭ ‬قدمها‭  ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬المعرض،‭ ‬والتى‭ ‬يكشف‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬عن‭ ‬تجربة‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬مستقلة‭ ‬بذاتها،‭ ‬إذ‭ ‬يبدو‭ ‬المعرض،‭ ‬رغم‭ ‬كونه‭ ‬الفردى‭ ‬الأول‭ ‬كمعرض‭ ‬استيعادى‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬عدة‭ ‬تجارب‭ ‬نفذها‭ ‬الفنان‭ ‬على‭ ‬فترات‭ ‬متباعدة،‭ ‬بخامات‭ ‬الحبر‭ ‬والفحم‭ ‬والأكريلك‭ ‬والأكوريل‭ ‬وغير‭ ‬ذلك.

 ‬وقد‭ ‬تخرج‭ ‬الفنان‭ ‬من‭ ‬كلية‭ ‬الفنون‭ ‬بالسودان‭ ‬عام‭ ‬2005‭ ‬حيث‭ ‬درس‭ ‬التصوير،‭ ‬ليعمل‭ ‬مساعد‭ ‬تدريس‭ ‬بكلية‭ ‬الفنون‭ ‬الموسيقية‭ ‬والدراما‭ ‬بجوبا،‭ ‬ويبدو‭ ‬أنه‭ ‬انشغل‭ ‬أكثر‭ ‬بمساره‭ ‬العملى‭ ‬عن‭ ‬عروض‭ ‬الفن‭ ‬التشكيلى،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يمنعه‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬الفن‭ ‬فى‭ ‬مرسمه،‭ ‬ليتيح‭ ‬لنا‭ ‬هذا‭ ‬المعرض‭ ‬الفرصة‭ ‬للتعرف‭ ‬على‭ ‬خلاصة‭ ‬تجربته‭ ‬التشكيلية‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭. ‬

وربما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تلك‭ ‬هى‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التى‭ ‬يزور‭ ‬فيها‭ ‬الفنان‭ ‬طارق‭ ‬كمال‭ ‬القاهرة،‭  ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬زيارته‭ ‬الأولى‭ ‬فى‭ ‬2011‬ وتعددت‭ ‬زيارته‭ ‬إليها‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬شارك‭ ‬كذلك‭ ‬فى‭ ‬ملتقى‭ ‬البرلس‭ ‬الدولى‭ ‬للرسم‭ ‬على‭ ‬المراكب،‭ ‬ليعيد‭ ‬تصدير‭ ‬ذكرياته‭ ‬على‭ ‬القارب،‭ ‬وكأن‭ ‬ذاكرته‭ ‬المتحركة‭ ‬تشبه‭ ‬القارب‭ ‬فى‭ ‬إبحاره‭ ‬المستمر‭.‬

يقول‭ ‬الفنان‭ ‬طارق‭ ‬كمال: ‬اختيارى‭ ‬القاهرة‭ ‬لاستضافة‭ ‬معرضى‭ ‬الفردى‭ ‬الأول‭ ‬له‭ ‬أسبابه‭ ‬بالطبع،‭ ‬أهمها‭ ‬تميز‭ ‬الحركة‭ ‬التشكيلية‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬وقد‭ ‬جذبتنى‭ ‬الحركة‭ ‬التشكيلية‭ ‬هنا‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الكتابة‭ ‬والنقد،‭ ‬فعندما‭ ‬كنت‭ ‬أعد‭ ‬لأطروحة‭ ‬الماجستير‭ ‬التى‭ ‬قدمتها‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬ا‭ ‬اللون‭ ‬وأبعاده‭ ‬النفسية‭ ‬والجسدية،‭ ‬وكذلك‭ ‬أطروحة‭ ‬الدكتوراه‭ ‬‭ ‬أسلوب‭ ‬الرسم‭ ‬بالأبيض‭ ‬والأسود‭.

نماذج‭ ‬من‭ ‬التجربة‭ ‬السودانية‭ ‬كانت‭ ‬معظم‭ ‬الكتب‭ ‬سواء‭ ‬المكتوبة‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬أو‭ ‬المترجمة‭ ‬إليها‭ ‬بأقلام‭ ‬مصرية‭ ‬سواء‭ ‬فى‭ ‬الترجمة‭ ‬أو‭ ‬التأليف،‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الأخر‭ ‬فإنه‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬الحركة‭ ‬التشكيلية‭ ‬السودانية،‭ ‬تواجد‭ ‬الفنانين‭ ‬ليس‭ ‬داخل‭ ‬السودان،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬النظام‭ ‬الفائت‭ ‬يدعم‭ ‬الفنون،‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬قاعات‭ ‬عرض‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العام،‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬الذى‭ ‬اخترت‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬إقامة‭ ‬معرضى‭ ‬الفردى‭ ‬الأول‭ ‬بالقاهرة‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬دواعى‭ ‬سرورى‭.‬

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة