الفيلسوف أومبرتو‭ ‬إيكو
الفيلسوف أومبرتو‭ ‬إيكو


أومبرتو إيكو: من ذكريات الطفولة والصبا

أخبار الأدب

الثلاثاء، 05 يناير 2021 - 12:27 ص

بقلم: أحمد الزناتى

لو‭ ‬زعمتُ‭ ‬أن‭ ‬كتابًا‭ ‬واحدًا‭ ‬قد‭ ‬أثّر‭ ‬فى‭ ‬حياتى‭ ‬دونًا‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬الكتب‭ ‬لكنتُ‭ ‬رجلًا‭ ‬مغفلًا،‭ ‬وسأصير‭ ‬مثلى‭ ‬مثل‭ ‬الكثيرين‭ ‬الذين‭ ‬يجيبون‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭. ‬فهناك‭ ‬كتب‭ ‬مارستْ‭ ‬تأثيرًا‭ ‬قويًا‭ ‬فى‭ ‬حياتى‭ ‬لما‭ ‬كنتُ‭ ‬فى‭ ‬العشرينيات‭ ‬وأخرى‭ ‬طبعتْ‭ ‬شخصيتى‭ ‬لما‭ ‬كنتُ‭ ‬فى‭ ‬الثلاثينيات‭ ‬وأنتظر‭ ‬بفارغ‭ ‬الصبر‭ ‬صدور‭ ‬الكتاب‭ ‬الذى‭ ‬سيثير‭ ‬شغفى‭ ‬حين‭ ‬أبلغ‭ ‬المائة‭.‬

فى‭ ‬بدايات‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬تـحلّ‭ ‬ذكرى‭ ‬ميلاد‭ ‬الروائى‭ ‬والفيلسوف‭ ‬الإيطالى‭ ‬وعالم‭ ‬السيميائيات‭ ‬الأشهر‭ ‬أومبرتو‭ ‬إيكو‭ ‬5‭) ‬يناير‭ ‬1932‭ ‬و‭ ‬19‭ ‬فبراير‭ ‬(2016‭‬.

‭ ‬واحتفالًا‭ ‬بهذه‭ ‬الذكرى‭ ‬أقدّم‭ ‬مقالًا‭ ‬قصيرًا‭ ‬نُشر‭ ‬بالألمانية‭ ‬فى‭ ‬كتاب‭ ‬مقالات‭ ‬ظهر‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬إيكو‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬Hanser‭ ‬الألمانية‭ ‬مؤخرًا‭ ‬ويشتمل‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬مختارة‭ ‬من‭ ‬المقالات‭ ‬التى‭ ‬كتبها‭ ‬إيكو‭ ‬فى‭ ‬مراحل‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬اپاپا‭ ‬ساتانب‭ )‬نقله‭ ‬من‭ ‬الإيطالية‭ ‬بوركهارت‭ ‬كروبِر‭‬،(‭ ‬العنوان‭ ‬مُقبتس‭ ‬من‭ ‬الكوميديا‭ ‬الإلهية‭ ‬لدانتى‭ ‬الجحيم،‭ ‬بداية‭ ‬الأنشودة‭ ‬السابعة‭: (‬Pape Satàn Aleppe‭) . ‬وفقًا‭ ‬لحواشى‭ ‬ترجمة‭ ‬حسن‭ ‬عتمان،‭ ‬فهذه‭ ‬ألفاظ‭ ‬غير‭ ‬مفهومة‭ ‬حاول‭ ‬بعض‭ ‬النقاد‭ ‬تفسيرها‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬لغات‭ ‬مُختلفة‭ ‬ويرى‭ ‬الباحث‭ ‬عبود‭ ‬أبو‭ ‬راشد‭ ‬أنها‭ ‬مأخوذة‭ ‬من‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬ومعناها‭ )‬باب‭ ‬الشيطان،‭ ‬تابِعـا‭ ‬النزول‭(‬ ، ‬وربما‭ ‬ذبحسب‭ ‬تأولي‭- ‬كان‭ ‬أومبرتو‭ ‬إيكو‭ ‬يقصد‭ ‬تورية‭ ‬ماكرة‭ ‬ذ‭ ‬كعادته‭ ‬دائمًا‭ ‬و‭ ‬فى‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬مقالات‭ ‬الكتاب‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬التهكمّى‭ ‬الساخر‭.‬


فى‭ ‬مقابلة‭ ‬أجريتُـها‭ ‬أول‭ ‬أمس‭ ‬سألنى‭ ‬المحاور ‭)‬على‭ ‬غرار‭ ‬كثيرين‭ ‬مثله‭(‬ ما‭ ‬الكتاب‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬أشـدّ‭ ‬الأثر‭ ‬فى‭ ‬حياتى‭. ‬لو‭ ‬زعمتُ‭ ‬أن‭ ‬كتابًا‭ ‬واحدًا‭ ‬قد‭ ‬أثّر‭ ‬فى‭ ‬حياتى‭ ‬دونًا‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬الكتب‭ ‬لكنتُ‭ ‬رجلًا‭ ‬مغفلًا،‭ ‬وسأصير‭ ‬مثلى‭ ‬مثل‭ ‬الكثيرين‭ ‬الذين‭ ‬يجيبون‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭. ‬فهناك‭ ‬كتب‭ ‬مارستْ‭ ‬تأثيرًا‭ ‬قويًا‭ ‬فى‭ ‬حياتى‭ ‬لما‭ ‬كنتُ‭ ‬فى‭ ‬العشرينيات‭ ‬وأخرى‭ ‬طبعتْ‭ ‬شخصيتى‭ ‬لما‭ ‬كنتُ‭ ‬فى‭ ‬الثلاثينيات‭ ‬وأنتظر‭ ‬بفارغ‭ ‬الصبر‭ ‬صدور‭ ‬الكتاب‭ ‬الذى‭ ‬سيثير‭ ‬شغفى‭ ‬حين‭ ‬أبلغ‭ ‬المائة‭. ‬

- سؤال‭ ‬آخـر‭ ‬تستحيل‭ ‬الإجابة‭ ‬عنه‭:‬ امـن‭ ‬الذى‭ ‬لقّنكَ‭ ‬دروسًا‭ ‬لا‭ ‬تُنسى‭‬؟‭ ‬

باستثناء‭ ‬اباباب‭ ‬واماماب‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭. ‬ففى‭ ‬كل‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬فترات‭ ‬حياتى‭ ‬علّمنى‭ ‬أحدهم‭ ‬شيئًا‭. ‬تعلّمتُ‭ ‬من‭ ‬أناسٍ‭ ‬أعرفهم‭ ‬ومن‭ ‬آخرين‭ ‬راحلين‭ ‬مُقرّبين‭ ‬إلى‭ ‬قلبى‭ ‬مثل‭ ‬أرسطو‭ ‬والقديس‭ ‬توماس‭ ‬الأكوينى‭ ‬وجون‭ ‬لوك‭ ‬وبيرس‭. ‬على‭ ‬كلٍ‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬الجزم‭ ‬بأن‭ ‬الدروس‭ ‬التى‭ ‬تعلّمتها‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬هى‭ ‬التى‭ ‬غـيـّرَت‭ ‬حياتى‭. ‬


على‭ ‬رأس‭ ‬القائمة‭ ‬تأتى‭ ‬السيدة‭ ‬سيغورينا‭ ‬بيللينى،‭ ‬مُعلمتى‭ ‬المثيرة‭ ‬للإعجاب‭ ‬التى‭ ‬اعتادتْ‭ ‬أن‭ ‬تكلّفنا‭ ‬بواجب‭ ‬منزلى‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬كلمة‭ ‬مفتاحية ‭)‬كمفردة‭ ‬دجاجة‭ ‬أو‭ ‬بارجة‭ ‬مثلًا)‭‬،‭ ‬وتطلب‭ ‬منا‭ ‬مواصلة‭ ‬تطويرها‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬فقرة‭ ‬تأملية‭ ‬أو‭ ‬حكاية‭ ‬خيالية‭. ‬

 

فى‭ ‬أحد‭ ‬الأيام‭ ‬ادّعيتُ‭ ‬بجرأة‭ ‬عجيبة‭ ‬‬ولا‭ ‬أعلم‭ ‬أى‭ ‬شيطان‭ ‬ركبنى‭ ‬حينذاك‭ ‬لأقول‭ ‬إننى‭ ‬سأبتكر‭ ‬موضوعًا‭ ‬من‭ ‬الصفر‭. ‬نظرتْ‭ ‬إلى‭ ‬مكتبها‭ ‬وقالت‭: ‬الموضوع‭ ‬عن‭ ‬ادفتر‭ ‬يومياتب‭.‬
كان‭ ‬فى‭ ‬وسعى‭ ‬الكلام‭ ‬عن‭ ‬دفتر‭ ‬يوميات‭ ‬صحافيّ‭ ‬أو‭ ‬يوميات‭ ‬رحالة‭ ‬إفريقى،‭ ‬لكنى‭ ‬حينما‭ ‬وقفتُ‭ ‬على‭ ‬المنصة‭ ‬لإلقاء‭ ‬كلمتى‭ ‬انعقد‭ ‬لسانى‭ ‬ولم‭ ‬أنبس‭ ‬بكلمة‭. ‬


لقّنتنى‭ ‬السيدة‭ ‬سيغورينا‭ ‬بيللينى‭ ‬درسًا‭ ‬مهمًا‭ ‬مفاده‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬المرء‭ ‬قدر‭ ‬نفسه‭ ‬وألا‭ ‬يبالغ‭ ‬فى‭ ‬تثمين‭ ‬قدراته‭ ‬الشخصية‭. ‬أما‭ ‬الدرس‭ ‬الثانى‭ ‬فقد‭ ‬تعلّمته‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الأب‭ ‬سيلى،‭ ‬الكاهن‭ ‬الساليزى‭ ‬1‭ ‬الذى‭ ‬دّربنى‭ ‬على‭ ‬تعلّم‭ ‬العزف‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬الآلات‭ ‬الموسيقية‭. ‬وفى‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬سنة‭ ‬1945‭ ‬ذهبتُ‭ ‬إليه‭ ‬نافشًا‭ ‬ريشى‭ ‬مثل‭ ‬طاووس‭ ‬وقلتُ‭ ‬له‭:‬‭‬ لقد‭ ‬أتممتُ‭ ‬اليوم‭ ‬ثلاث‭ ‬عشرة‭ ‬سنة،‭ ‬فأجابنى‭ ‬بنبرةٍ‭ ‬حادة‭:‬‭ ‬ انقضتْ‭ ‬أسوأ‭ ‬ثلاث‭ ‬عشرة‭ ‬سنة‭ ‬فى‭ ‬حياتك‭!‬‭‬


- ما‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬يحاول‭ ‬إخبارى‭ ‬به؟‭ ‬هـل‭ ‬كان‭ ‬مفروضًا‭ ‬عليَّ‭ ‬الخضوع‭ ‬لامتحان‭ ‬ضميرٍ‭ ‬حقيقى‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬السنّ؟‭ ‬هل‭ ‬أراد‭ ‬إخبارى‭ ‬ألا‭ ‬أحاول‭ ‬السعى‭ ‬لسماع‭ ‬مديح‭ ‬لوصولى‭ ‬سنّ‭ ‬البلوغ؟‭ ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬تعبيرًا‭ ‬عاديًا‭ ‬دارجًا‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬أهل‭ ‬بييمونتى‭ ‬2‭ ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬التحفظ‭ ‬ورفض‭ ‬الحذلقة‭ ‬البلاغية،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬هى‭ ‬طريقته‭ ‬فى‭ ‬التهنئة‭. ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الأب‭ ‬سيلى‭ ‬كان‭ ‬واعيًا‭ ‬لما‭ ‬يقول‭ ‬وأنه‭ ‬أراد‭ ‬تلقينى‭ ‬درسًا‭ ‬مؤداه‭ ‬أنه‭ ‬ينبغى‭ ‬للمعلّم‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬دائمًا‭ ‬بتلامذته‭ ‬إلى‭ ‬خوض‭ ‬المواقف‭ ‬الصعبة‭ ‬وألا‭ ‬يكيل‭ ‬إليهم‭ ‬المديح‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬ينبغى‭. ‬


وبفضل‭ ‬هذه‭ ‬الدروس‭ ‬تعلّمتُ‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬حريصًا‭ ‬فى‭ ‬الثناء‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬ينتظرون‭ ‬مِنّى‭ ‬الثناء،‭ ‬اللهم‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬أتوا‭ ‬ببعض‭ ‬الأعمال‭ ‬الاستثنائية‭ ‬المدهشة‭. ‬وربما‭ ‬أكون‭ ‬قد‭ ‬تسببتُ‭ ‬فى‭ ‬إيلام‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬بسبب‭ ‬طبيعتى‭ ‬المتحفظة،‭ ‬ولو‭ ‬حدث‭ ‬ذلك،‭ ‬فربما‭ ‬لا‭ ‬أكون‭ ‬قد‭ ‬قضيتُ‭ ‬أسوء‭ ‬ثلاث‭ ‬عشرة‭ ‬سنة‭ ‬فى‭ ‬حياتى،‭ ‬بل‭ ‬أسوء‭ ‬ستٍ‭ ‬وسبعين‭ ‬سنة‭ ‬فى‭ ‬حياتى‭. ‬لذلك‭ ‬عقدتُ‭ ‬العزم‭ ‬على‭ ‬ترجمة‭ ‬موافقتى‭ ‬أو‭ ‬وإطرائى‭ ‬على‭ ‬أى‭ ‬شيء‭ ‬بالامتناع‭ ‬عن‭ ‬توجيه‭ ‬النقد،‭ ‬فمعنى‭ ‬امتناعى‭ ‬عن‭ ‬نقد‭ ‬أحدهم‭ ‬أو‭ ‬لومـه‭ ‬أنّه‭ ‬قد‭ ‬أدى‭ ‬واجبه‭ ‬على‭ ‬أكمل‭ ‬وجه‭. ‬لذلك‭ ‬طالما‭ ‬أثارتْ‭ ‬حنقى‭ ‬عبارات‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬البابا‭ ‬الصالح‭ ‬أو "ازاكاجنينى الشريف"،‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تخلق‭ ‬انطباعًا‭ ‬أن‭ ‬الباباوات‭.‬

 

الرهبنة‭ ‬الساليزيانية‭ ‬هى‭ ‬أحد‭ ‬أنواع‭ ‬الرهبنة‭ ‬فى‭ ‬الكنيسة‭ ‬الكاثوليكية،‭ ‬أسسها‭ ‬يوحنا‭ ‬دون‭ ‬بوسكو‭ ‬فى‭ ‬مدينة‭ ‬تورينو‭ ‬الإيطالية‭ ‬سنة‭ ‬1859،‭ ‬وقد‭ ‬تأسست‭ ‬بهدف‭ ‬تربية‭ ‬الشباب‭ ‬الفقراء‭ ‬ومحاربة‭ ‬الإلحاد‭ ‬المتفشى‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭)‬المترجم‭(‬.

- ‬بييمونتي‭ :‬أحد‭ ‬أقاليم‭ ‬إيطاليا‭ ‬العشرين،‭ ‬واللغة‭ ‬المحلية‭ ‬الرئيسية‭ ‬هى‭ ‬اللغة‭ ‬البيدمونتية ‭)‬المترجم)‭.‬

- ‬بينيجنو‭ ‬زاكاجنينى‭:‬ سياسى‭ ‬إيطالى‭ ‬بارز‭ ‬كان‭ ‬عضوًا‭ ‬فى‭ ‬الحزب‭ ‬المسيحى‭ ‬الديمقراطى‭ ‬الإيطالى‭ ‬والبرلمان‭ ‬الأوروبى‭)‬المترجم)‭.‬

‭ ‬الآخرون‭ ‬ليسوا‭ ‬صالحين‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬باقة‭ ‬الساسة‭ ‬ليسوا‭ ‬شرفاء‭. ‬فالبابا‭ ‬يوحنا‭ ‬الثالث‭ ‬والعشرون‭ ‬أو‭ ‬السياسى‭ ‬زاكاجنينى‭ ‬قد‭ ‬أديّا‭ ‬المطلوب‭ ‬منهما،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬فلا‭ ‬سـبـب‭ ‬يوجب‭ ‬الإشادة‭ ‬بهما‭. ‬لكن‭ ‬إجابة‭ ‬الأب‭ ‬سيلى‭ ‬علّمتنى‭ ‬أيضًا‭ ‬ألا‭ ‬أكون‭ ‬مزهوًا‭ ‬بما‭ ‬أنجزتُ‭ ‬مهما‭ ‬بلغ‭ ‬قدره‭ ‬ومهما‭ ‬رأيته‭ ‬صحيحًا‭ ‬وسديدًا،‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬ألا‭ ‬أسير‭ ‬مـخـتـالًا‭ ‬مــزهـوًا‭ ‬بما‭ ‬حقّـقـتُـه‭. ‬

هل‭ ‬معنى‭ ‬ذلك‭ ‬ألا‭ ‬يبذل‭ ‬الإنسان‭ ‬قصارى‭ ‬جهده‭ ‬لتجويد‭ ‬عمله؟‭ ‬بالطبع‭ ‬لا،‭ ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬مقولة‭ ‬الأب‭ ‬سيلى‭ ‬تحيلنى‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬إلى‭ ‬مقولة‭ ‬أوليفر‭ ‬ويندل‭ ‬هولمز‭ ‬جونيو‭ ‬4‭ - ‬لا‭ ‬أذكر‭ ‬الآن‭ ‬أين‭ ‬قرأتها‭ - : ‬ايكمن‭ ‬سـرّ‭ ‬نـجاحى‭ ‬فى‭ ‬أننى‭ ‬اكتشفتُ‭ ‬منذ‭ ‬بواكير‭ ‬الشباب‭ ‬أننى‭ ‬لستُ‭ ‬إلـهـًاب‭. ‬
من‭ ‬الأهمية‭ ‬أن‭ ‬تدرك‭ ‬أنك‭ ‬لست‭ ‬إلهًا،‭ ‬وأن‭ ‬تضع‭ ‬أفعالك‭ ‬موضع‭ ‬المسائلة‭ ‬وأن‭ ‬تعى‭ ‬أنّ‭ ‬حياتك‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬خـيـرًا‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الخطّ،‭ ‬تلك‭ ‬هى‭ ‬الوسيلة‭ ‬الوحيدة‭ ‬لكى‭ ‬تـحـسـن‭ ‬صنيعًا‭ ‬فى‭ ‬بقية‭ ‬حياتك‭.‬


سيسألنى‭ ‬قاريء‭: ‬ولماذا‭ ‬تقفز‭ ‬هذه‭ ‬الذكريات‭ ‬إلى‭ ‬بالك‭ ‬الآن‭ ‬والبلاد‭ ‬على‭ ‬أعتاب‭ ‬حملة‭ ‬انتخابية‭ ‬والنجاح‭ ‬فيها‭ ‬مقرون‭ ‬بتصرّف‭ ‬الساسة‭ ‬مثل‭ ‬الله،‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭ ‬المرشّح‭ ‬الانتخابى‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الخالق‭ ‬عن‭ ‬خلقه‭: ‬اورأى‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬حسنًاب،‭ ‬فيأخذه‭ ‬جنون‭ ‬العظمة،‭ ‬مُعلنًا‭ -‬بيقين‭ ‬لا‭ ‬يأتيه‭ ‬الشك‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬يديه‭- ‬قدرَته‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬سيأتى‭ ‬بما‭ ‬لم‭ ‬تأتِ‭ ‬به‭ ‬الأوائل ‭)‬فى‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬نفسه‭ ‬قد‭ ‬اكتفى‭ ‬بما‭ ‬صنع‭ ‬ورآه‭ ‬حسنًا)‭‬،‭ ‬كما‭ ‬أعلن‭ ‬السياسى‭ ‬بينيجنو‭ ‬زاكاجنينى‭ (‬1912-1989‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬هو،‭ ‬الشريك‭ ‬المؤسس‭ ‬للحزب‭ ‬المسيحى‭ ‬الديمقراطى،‭ ‬وعضو‭ ‬البرلمان‭ ‬الإيطالى‭ ‬المخضرم،‭ ‬ووزير‭ ‬العمل‭ ‬والشؤون‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والسكرتير‭ ‬العام‭ ‬للحزب،‭ ‬وعضو‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبى،‭ ‬

هل‭ ‬تتخيل‭ ‬وجود‭ ‬مرشح‭ ‬يخاطب‭ ‬ناخبيه‭ ‬قائلًا‭: ‬الم‭ ‬أحسن‭ ‬صنعًا‭ ‬فيما‭ ‬مضى،‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬بوسعى‭ ‬فعل‭ ‬الأفضل‭ ‬أم‭ ‬لا‭.. ‬لكنى‭ ‬سأحاولب‭. ‬لو‭ ‬قال‭ ‬ذلك‭ ‬فلن‭ ‬يصوّت‭ ‬أحد‭ ‬لصالحه‭.‬
أقول‭ ‬مجددًا‭ ‬إنى‭ ‬لم‭ ‬آتِ‭ ‬لألقى‭ ‬مواعظ‭ ‬أخلاقية‭ ‬زائفة،‭ ‬لكنى‭ ‬كلما‭ ‬شاهدتُ‭ ‬مناقشات‭ ‬الساسة‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬التليفزيون‭ ‬لا‭ ‬أملك‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أفكّر‭ ‬فى‭ ‬مُعلمّى‭ ‬السابق،‭ ‬الأب‭ ‬سيلى‭. ‬

‭ - ‬قاضٍ‭ ‬أميركى‭ ‬شهير،‭ ‬وعضو‭ ‬فى‭ ‬الحزب‭ ‬الجمهورى‭ ‬أسهم‭ ‬فى‭ ‬تغيير‭ ‬مفاهيم‭ ‬القانون‭ ‬فى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬العشرين ‭)‬المترجم)‭.‬

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة