علاء عبدالوهاب
علاء عبدالوهاب


يوميات الأخبار

على حافة الغد.. ذاك أفضل كثيراً

علاء عبدالوهاب

الثلاثاء، 05 يناير 2021 - 09:30 م

يكفى أن نتذكر مقولة أنك لن تستطيع أن تسبح فى نفس النهر مرتين، لتفيق من فورك متمسكا بأهداب الأمل، فدونه تضيق الحياة لأقل من ثقب إبرة.

١٤ ديسمبر ٢٠٢٠:
يوم مفصلى فى حياتى.
للمرة الأولى منذ نحو ٤٠ عاماً، أتحرر تماماً من قيودى الوظيفية، وأى شيء ينتمى إلى ما هو روتينى، أو معتاد.
شعور لم أعتده من قبل يتملكنى، إنها الحرية بلاسقف أو حدود، أو قيود فى إدارة وقتى.
الآن أقف على حافة غد جديد، دائماً أتطلع إلى شروق الشمس، فالزمن الحاضر سريع التلاشى، يصبح ماضياً للتو، والماضى فى عمقه يحتضن ذكريات تصنع تاريخاً وهوية، لكن بمعيار الزمن من المستحيل استرجاعه، فقد ولى، والحياة دائماً تأتى بالجديد، يكفى أن نتذكر مقولة أنك لن تستطيع أن تسبح فى نفس النهر مرتين، لتفيق من فورك، متمسكاً باهداب الأمل، فدونه تضيق الحياة لأقل من ثقب إبرة.
تتدفق الأفكار والخواطر دون توقف، ويمر شريط الذكريات سريعاً، ولثوانٍ أتأمل بعض المحطات المفصلية فى حياتى، ثمة عبر ودروس تمثل زاداً يبقى مادام فى الصدر نفس يتردد.
آن الوقت لأن تفعل ما أجلته طويلاً، وأن تهتم بمن قصرت فى حقوقهم كثيراً، وكرماً منهم قدروا الأعباء والمسئوليات التى كانت تُثقل كاهلك، وحان الأوان لترد الفضل لأهله فعلاً لا قولاً.
هل الوقت مناسب للاستمتاع بالحياة، بمصاحبة الأحباء بعد اعتذارات بلا حصر؟
أظن الاجابة لاتتطلب تفكيراً، أو اختياراً بين بدائل.
ثم هناك ما أجلت قراءته، وما أرجأت كتابته، ولاشك أنه أبقى، فحياة الصحيفة يوم أو بعض يوم، لكن بقاء الكتاب مضمون، وربما كان له أكثر من طبعة، ولعل أجيالاً تتوارث مكتبات الأجداد والآباء، إنها ظلال حلم الخلود الذى يشاغل بشراً بلا حصر، وقد يكون فيما يخطه القلم «علم يُنتفع به» وهو بعض ما يبقى بعد أن ينقطع عمل ابن آدم برحيله.
كم يكون جميلاً، أن يتسع العمر لأن يتكيء المرء على حافة الغد، مستشرفاً الأفضل، ممسكاً فى حاضرك بوصلة تصل الماضى بالمستقبل!
حوار فى الشُرفة

الجمعة ١٨ ديسمبر:
أطلت الشمس خجولة فى الصباح، وبين الظهيرة وعصر اليوم اهدتنا دفئاً مفاجئاً يسمح بالاستمتاع جلوساً فى البلكونة، ذلك الطقس الذى أصبح من الماضى لكثيرين.

انساب الحوار مضاهياً دفء الشمس مع شريكة العمر، سألتني:  ما هى خططك فى المرحلة القادمة؟
> قليل من الراحة، ثم الولوج إلى عالم الكتابة الطويلة.
- هذه اجابة شديدة العمومية!
> لا.. إنها الحقيقة دون أدنى محاولة للهروب إلى الأمام.
- أظن أن شغفك بالمستقبل سوف يحدد اختياراتك.
> تماماً.. وكأنك  تقرئين ما يدور بذهنى.
- أحترم شغفك الذى يقود قلمك إلى ماتكتبه، لكن بامكانك أن تنوع كتاباتك.
> بالتأكيد، لكن هل تعلمين لماذا يشغفنى المستقبل؟
- نعم، غير أنى أريد أن أستزيد.
> التفكير فى المستقبل، والاقتراب من همومه يضفى على الوجود الانسانى قيمة عظيمة، ثم إن الرهان على المستقبل الأفضل يترجم حباً لبلدى، واهتماماً باحفادى باعتبارهم ذخيرة الغد الواعد.
- لاشك أن أى عاقل يتطلع إلى مستقبل يختلف ايجابياً عن الحاضر، لكن الأمر يتجاوز مجرد طرح الأفكار.
> صدقت، وأنا أصدقك القول حين أعترف لك أن جيلنا، أوعلى الأقل من كان لهم اهتمامات بالشأن العام كانوا يحلمون بتغيير العالم، وبعد مشوارى فى الحياة فان طموحى لايتجاوز فهم ما يحيط بى، ثم حشد كل ما أملك من معرفة، وما حصلته من خبرة ومحاولة الاجابة عن السؤال الأهم: كيف نتعامل مع المستقبل بلغة مغايرة لمفردات الماضى والحاضر؟
- المهمة ليست سهلة، لكنها غير مستحيلة.
> أتمنى أن أخط سطوراً فى صفحة الغد تكون شعاع أمل للابناء والاحفاد.
جنون السيلفى!

مساء الأحد 20 ديسمبر:
ترددت على اكثر من مكان لقضاء بعض حاجاتى، أومتابعة شأن من شئونى، والمثيرأن القاسم المشترك فى مشاهداتى هنا وهناك كان هذا الولع بـ «السيلفى» إلى حد الجنون!
بشر من كل الأعمار والفئات الاجتماعية يقومون بتصوير أنفسهم فرادى أو هم ومن بصحبتهم، أبحث عن ما يغرى هؤلاء بتسجيل تلك اللحظة بالذات فلا أجد!
أظن أن ما لاحظته ليس جديداً على مجتمعنا، أو المجتمعات الأخرى فى انحاء المعمورة، لكن قد تكون المشكلة خاصة بى، فلم يكن يسعفنى الوقت للتوقف أمام رصد بعض الظواهر التى أصبحت شيئاً اعتيادياً فى حياة الناس.
تذكرت ما تم توجيهه من انتقادات حادة فى موسم الحج الأخير قبل تفشى «كورونا»، لمن لا يراعى قدسية المناسك، وحرص على تصوير نفسه «سيلفى»، وارسال صورته لأحبائه  لحظياً.
بل من يقوم بالفعل ذاته فى قاعات العزاء، إذا صادف مشهوراً من أهل الفن أو الرياضة، فيضرب عرض الحائط بالحزن المحيط بالمناسبة والمكان، ويستأذن النجم فى أن يشاركه فى صورة سيلفى!
فى المساء استدعت ذاكرتى مشاهداتى، و«لوثة السيلفى» التى تفشت لتنافس «الكورونا» فى توحشها!
تساءلت فى نفسى: هل حب الذات ملك على الناس أنفسهم إلى هذا الحد؟ هل الظاهرة تمثل صرخة احتجاج تترجم فردية متطرفة فى غياب الحضّانات المجتمعية الطبيعية للبشر؟
صمتت نفسى الحائرة، لاستمع صوتاً آخر قادما من داخلى:
إذا كان الأمر كذلك، أى تعبير عن الذاتية المفرطة أو الأنانية الشديدة، فلماذا يحاول مجنون السيلفى البحث عن شركاء ببث صورته على مواقع التواصل الاجتماعى؟
إنها فزورة تدعو لجنون ينافس جنون السليفى!
نفير الغضب العام!

ظهر الأربعاء23 ديسمبر:
عاودت المرور على أحد المكاتب لمتابعة ما استمهلنى المسئول 48 ساعة - قبل يومين - لانجاز ما أطلب.
كان المكان مكتظاً، بعيداً عن أى إجراءات إحترازية معلنة على جدرانه، بل إن البعض لم يكن حريصاً على كمامته!
ابتعدت لدقائق، طالت إلى نحو نصف الساعة حتى خف الزحام نسبياً، وسألت المختص عن حاجتى، فأشار أن أتمهل، وبدأت فى تأمل ما حولى.
لا أحد ينصت، الجميع يتكلمون، فمن يستمع؟
البعض يداهن، والآخر يهدد على طريقة: أنت عارف أنا مين؟ وأقدر أعمل إيه؟
الأفعال وردود الأفعال تحمل عنفاً لفظياً لايخلو من حدة ظاهرة، وصولاً إلى الصراخ الهستيرى من جانب المواطن، مقابل محاولة انتزاع احترام كاذب من قبل الموظفين!
خليط من البشر لايجمع بينهم سوى الغضب!
حالة فلتان لفظى وحركى تنبيء عن التهديد بمأساة، إذا جاوز الغضب مداه، وفى ظل ما يحدث تضيع أى محاولة للتهدئة.
تذكرت وصية النبى الكريم لأحد أصحابه حين كرر «لاتغضب» ثلاثاً، حين لمحت شخصاً ملتحياً يرتدى جلباباً قصيراً أسفله سروال، وكانت شحنة غضبه الاكبر بين الحضور!
وجدت نفسى أمام عينة عشوائية من الناس، ربما كان بعضهم على حق فى غضبه، لكن ذلك لاينفى أنه ترك العنان لهذا الغضب حتى ملك عليه حواسه، فأصبح أقرب إلى قنبلة.
لم أضبط شخصاً فى المكان منح نفسه فرصة من خلال صمت لدقائق، أو الانسحاب خارجاً ليتنفس هواءً نقياً.
وكان الحل الانسحاب التكتيكى من جانبى، لعلى أجد وقتاً أفضل فى يوم تال، بعيداً عن حالة نفير الغضب العام التى خيمت على المكان!
لا أحد يُقدر بلاغة الصمت.
الخيال.. والجمال

ليل 29 ديسمبر:
هل ثمة علاقة بين الخيال والجمال؟
كان الريموت يتنقل بنا بين العديد من القنوات التليفزيونية، إلا أن الحصاد كان هزيلاً إلى حد الصدمة!
دراما فقيرة، أغنيات لاصوت ولا كلمة ولا لحن يجذبك لمتابعتها، أما التوك شو فحدث ولا حرج.
قفز السؤال الذى صدرت به هذه السطور إلى ذهنى، ولا أعلم إن كان القاريء يشاركنى الرأى بأن ثمة علاقة بين الأمرين، أقصد الخيال والجمال أم لا؟
إذا كان الجمال يمثل قيمة أصيلة لدى المبدع سواء كان كاتباً للدراما أو للاغانى أو ملحناً فلاشك أن إنتاجه سوف يكون متميزاً، لايحاول فى التغطية أو التبرير لمنتجه السيء أن يتحجج بأن الجمهور «عايز كدة».. أى جمهور يقصدون؟
الخيال وليد الثقافة والموهبة ينتج مبدعاً لايغيب الجمال عن ابداعه ابداً.
ثم هل دور المبدع الحقيقى أن يكون ذيلاً أو صاحب دور فى الارتقاء بالذوق العام؟
فى مسلسلات الأبيض والأسود، كما فى أفلامه، لاتمل من مشاهدة العمل عدة مرات، رغم أنك تعلم القصة وتطوراتها ونهايتها، إلا أن جمال الصنعة يجذبك فى كل مرة للمتابعة، الآن وفى الأغلب لاتستطيع أن تتابع العمل فيلماً كان أم مسلسلا لانك ببساطة تستطيع بعد حلقتين أو عدة مشاهد قليلة أن تتنبأ بجميع التفاصيل وبالنهاية لانك بصدد ثرثرات سخيفة، وحبكات تافهة، وفى الكوميديا لاشيء إلا الاستظراف والافيهات السمجة.
أما الانحدار الذى بلغته الأغنية بزعم أنها شبابية أو تجارى موضة المهرجانات، فالأمر تجاوز الوصف بالسوقية أو الابتذال عبر خدش الحياء، والايحاءات التى لاتليق إلا بالخمارات، وأيضاً الحجة الجاهزة: الجمهور عايز كده!
متى يعود التزاوج بين الجمال والخيال؟ ومتى يعود أهل الابداع الحقيقى للانتاج الجيد بعيداً عن مناخ التلوث الفنى؟

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة