البابا تواضروس الثانى متوسطاً أعضاء الفرقة
البابا تواضروس الثانى متوسطاً أعضاء الفرقة


«دافيد».. أشهر فرقة ترانيم

مؤسسها يعتبر الألحان القبطية أسلوب عبادة

آخر ساعة

الخميس، 07 يناير 2021 - 09:19 ص

 

محمد خضير

يرتبط الاحتفال بمولد السيد المسيح (عليه السلام) بأجواء كنسية وطقسية من بينها إقامة بعض الفرق الغنائية المتخصصة حفلات تقدم الألحان والترانيم القبطية، بشكل يحافظ على الأجواء الروحانية للطقوس الكنسية الأصيلة.. وتعتبر الموسيقى القبطية الوريث الشرعى للموسيقى الفرعونية، حيث أخذ المسيحيون الأوائل ألحاناً من عباداتهم المصرية القديمة ووضعوا لها النصوص المسيحية، وهو ما يتفق عليه عدد من المؤرخين والموسيقيين، بالتالى نحن أمام كنز ثمين وله قيمته التى لا تقدر بثمن وليست مجرد نغمات مرصوصة.

الترانيم والألحان القبطية لها جذور فرعونية، فالمصريون القدماء كانوا يهتمون بالموسيقى وهم الذين أبدعوا السُلم الثلاثى وتطوَّر إلى الخماسي، وكانوا يفضلون أن يقدم الموسيقى رجال الدين نظراً لقدسيتها عندهم، وتحتوى على تيمات موجودة فى الألحان القبطية، ويُقال إن لحن «غلبصة» الذى يُرتل يوم الجمعة العظيمة، كان اللحن الخاص الذى قيل وقت دفن الفرعون.
هكذا يؤكد الدكتور جورج كيرلس عوض يوسف، أستاذ الموسيقى القبطية بجامعة حلوان ومدرس مساعد بمعهد الدراسات القبطية ومايسترو فرقة دافيد للألحان القبطية، وهى واحدة من أشهر الفرق المتخصصة فى هذا المجال، إضافة إلى أنه واحد من القلائل المهتمين بتسجيل هذا التراث وتوثيقه، موضحاً: «هناك ألحان عمرها أكثر من 2000 سنة، فهى تراث موسيقى روحي، انتقل عن طريق التدوين الشفهى من جيل لآخر، وحفظته الكنيسة فى عهود كان بها اضطهاد، وخصصت لها مرتلين ومعلمين بشرط أن يكونوا مكفوفى البصر لأن لديهم قدرة على اختزان هذا القدر من الألحان».
يتابع: الألحان القبطية تراث متنوع وغزير، واستطعنا حصر حوالى 1048 لحناً، وكل لحن يختلف عن الثاني، وهناك ألحان سهلة وناسكة ومتقشفة مثل ألحان الصيام، وألحان صغيرة ومردات تقال فى القداس الإلهي، مدتها ثانية واحدة وهى سهلة، وأخرى مدتها ثلث ساعة، صعبة الحفظ «بيك اثرونوس» وتكون فى الجمعة العظيمة، وعموماً النوتة الموسيقية حلت مشكلة الألحان الصعبة.
صحيح أن لكل كنيسة ألحانها وتراثها الخاص بها، لكن الكنائس الثلاث الأرثوذكسية الكاثوليكية والبروتستانتية تجتمع فى أن الترانيم هى أسلوب عبادة لتمجيد الرب وحمده وطلب الرحمة، وأحياناً يوجد تشابه فى بعض التيمات، فمثلا القداس الكاثوليكى القبطى قريب جداً من الأرثوذكسى فى اليونان أو للمارونى الكاثوليك فى لبنان، والحضارات تتأثر ببعضها فاللغة القبطية ثلاثة أرباع حروفها يوناينة.
ويضيف: كانت هناك مبادرات عِدة للحفاظ على تراث الألحان والموسيقى القبطية خوفاً عليها من الاندثار وتأثير أجهزة الإعلام الحديثة عليها وأشهر المحاولات تلك التى قام بها راغب مفتاح للحفاظ على التراث القبطى عام 1927، بتسجيل الألحان المؤداة بصوت (المعلم) ميخائيل جرجس البتانونى وهو رئيس مرتلى الكاتدرائية المرقسية، وفى الوقت نفسه كان  أرنست نيولاند سميث Ernest New land smith (الأستاذ بالأكاديمية الموسيقية بلندن) يدوّن هذه الألحان فى شكل نوت موسيقية، حتى تمكنوا من تسجيل أول عمل وهو مردات «القداس الباسيلي».
ويعترض جورج كيرلس على تلك المحاولات من منطلق أن من قام بالتدوين فى تلك الفترة كانوا أجانب لم يتعاملوا مع الربع تون والمكرتون والنغمات الشرقية، لأن تعاملهم الأساسى مع السلم الكبير والصغير، بالتالى لم يستطيعوا كتابة هذه الألحان بدقة، لافتاً إلى أن هناك ألحاناً معاصرة عمرها لا يتعدى 50 عاماً مثل القصائد التى لحنها الدكتور فيصل فؤاد وهو من أصل سوداني، حيث لحّن قصائد البابا شنودة الثالث، وأيضا بذل الأب إبرام جويرجكى مجهوداً كبيراً لتدوين وحفظ هذه الألحان. والألحان القبطية لها مقامات تختلف عن مقامات الموسيقى العربية، لأنها امتداد للموسيقى الفرعونية، كما أنه فى الموسيقى العربية يبدأ المقام وينتهى بنفس النغمة، أما المقامات القبطية فهى حرة أكثر، حيث المقام بنفس النغمة ولا يعود لها. وتتنوع الألحان القبطية فى أساليب الأداء، ويمكن أن يقولها الشماس بطريقة فردية على المنجلية (الاستاند الخشبى الذى يقف عليه الشماس) أو ألحان جماعية وأخرى خاصة يقولها الكاهن.
ويحكى الدكتور جورج كيرلس عن تجارب الفرق المتخصصة عموماً وتجربته مع  فرقة دافيد للألحان والمزامير القبطية بشكل خاص ويقول: إنها رحلة عمر بدأت منذ عام 1975 بمساهمة منى وبمشاركة الزملاء، عازف البيانو ناجى فايق وعازف الكمنجة إدوارد حنا مع الجيتاريست موريس عزيز ناجى فايق والمهندس عزيز وذلك بهدف تلحين المزامير وإحياء التراث القبطى الذى يصل تاريخه لألفى عام وموجود بالكنيسة القبطية التى لم يشعر أحد بقيمتها، فكانت خطتنا هى توصيل محتوى رسالة المزامير وشرحها لهم بأنها تراث تسبيحى لله وأنه أفضل غناء فى العالم.
يواصل: كان شعارنا هو (أن يتعاظم تسبيح الرب فوق غناء كل البشر) وتم تقديم الألحان بشكل روحانى علمى احترافى وليس مجرد ترتيل للألحان لأنها علم يبحث فيما وراء هذه الألحان بالأبعاد الخمسة، ويأتى فى مقدمتها البعد التاريخى الذى يبحث عن الأساس فى تاريخ اللحن ثم البعد الموسيقى وكيفية التعامل مع كل نغمة وتغيير المقام وحالته. وهناك البعد الطقسى الذى يختص بالكنيسة من خلال الشعائر والروحانيات والتضرع والخشوع بالإضافة إلى البعد العقائدى الذى يقدم فى صورة غنائية وموسيقية والبعد الروحانى ونلقى فيه الضوء على الكلمات وما تحتويه من معانٍ. ويقوم جورج كيرلس حاليا بتوثيق الألحان والترانيم، ويوضح: قدمنا منها 150 لحناً، وطورناها بشكل معاصر لكن بنفس روح الموسيقى القبطية، ومنذ صغرى وتحديداً فى سن الخمس سنوات كنت «شماساً» بالكنيسة، وبدأت صياغة هذه الألحان بحيث لا تكون غريبة أو حتى تأخذ الطابع الغربي. وأصبح لى إسهامات كثيرة فى هذا المجال بأن تأخذ الألحان الروح المصرية مثل مزمور الرب نورى وخلاصى ومزمور ما أحلى مساكنك إلى جانب الموسيقى التصويرية لبعض الأفلام التى أخرجها سمير سيف منها فيلم مدارس الحياة والقديسة دميانة ومارمينا.. ومن المزامير أخذنا الألحان التى وضعها داؤد النبى التى اندثرت والكلمات الموجودة فى الكتاب المقدس وعملنا لها لحنا معاصرا من نفس الروح الموسيقية القبطية. وللحفاظ أيضا على هذا التراث قام بتأسيس قناة على «يوتيوب» لشرح الألحان وتعليم التسابيح وتقديم كورسات للغناء الصحيح وكيفية قراءة النوتة الموسيقية ومعرفة المقام الموسيقى الصحيح.
قد يكون هذا رأى رجل متخصص أفنى عمره فى دراسة وحفظ هذا التراث، لكن هناك أيضاً شباب اندمجوا فى هذه الفرق بل كوَّنوا فرقاً خاصة بهم تقدم الترانيم بأشكال معاصرة، من بينهم المهندسة مونيكا جورج، عضو فرقة دافيد للألحان والمزامير القبطية، حيث تشكل مع زملائها الجيل الثانى للفرقة التى أسسها والدها، كما شكلت فريقاً خاصاً بها. تقول مونيكا: منذ كنت طفلة صغيرة وأنا أحضر البروفات التى كان يجريها والدى مع أصدقائه من أعضاء الفرقة فعشقت الألحان القبطية والمزامير وعالم الترانيم، ورغم أن عملى الأساسى مهندسة ديكور، درست الموسيقى فى جامعة كمبريدج، ومع عملى بالفرقة الأم أحببت التعمق فى الألحان القبطية فتخصصت فى تلحين مزامير داود، وكان هدفى من تلحين الكتاب المقدس ومزامير داود النبى أن يحفظها كل من يسمعها كأنه حفظ جزءاً من الكتاب المقدس.
تواصل: اخترت الألحان القبطية ولم أتجه للموسيقى والغناء بعيداً عن جدران الكنيسة بسبب شعورى بأن الكنيسة بداخلها تراث عظيم مهمل لا أحد يعرفه، والترانيم تحاول تقليد الغرب، وأنا متمسكة بشرقيتنا وأحاول تقديم الأسلوب الشرقى، والألحان والتسبيح خدمة أقدمها تطوعاً للرب. وقد شاركت فى الفيلم الفرنسى «شبح اللوفر»، حيث اختارنى المسئول الموسيقى فى الفيلم برونو كوليه، للمشاركة بالغناء فى الفيلم الذى قام ببطولته صوفى مارسو، وتدور أحداثه حول مومياء مصرية وكانوا يبحثون عن أقدم الألحان التى تتشابه مع الحدث فكانت الألحان القبطية.
وتؤكد مونيكا: نهتم فى الفرقة بتدوين الألحان القبطية موسيقياً كنوع من التوثيق لها، لأنها انتقلت شفهياً من جيل إلى جيل، أما الترانيم فلها طابع وصور خاصة تختلف فى فرقة دافيد عن بقية الفرق، لأنها محتفظة بالطابع الشرقى والنصوص الكتابية.

 

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة