د. محمد السعدنى
د. محمد السعدنى


فى الفكر والسياسة

إستراتيجيات إنتاج وإدارة المعرفة

محمد السعدني

الخميس، 07 يناير 2021 - 07:51 م

 

قد تسألنى: وما هى المعرفة؟ ودون استخدام مصطلحات علمية واقتصادية معقدة، فما عليك إلا أن تعيد النظر إلى جدول حياتك اليومية ومنذ مغادرة فراشك مبكراً، وتشغيل الكوفى ماشين لتجهيز القهوة ومراجعة رسائل الـ SMS والواتس على جهازك المحمول، أو تصفح جريدتك المفضلة على الإنترنت، ثم ركوب سيارتك بعد أن تفتح أبوابها من ضغطة على مفتاحها المشفر، وتشغيل جهاز الأقراص المدمجة لتسمع موسيقاك المفضلة، وصولاً إلى مكتبك ومتابعة بريدك الإلكترونى على اللاب توب، وغيرها من مستحدثات العلم والتكنولوجيا من الصراف الإلكترونى والفيزا كارد وكل معطيات الأتمتة Automation التى ملأت حياتنا. وهى كما ترى نواتج الإبداع والابتكار والبحث العلمى وتكنولوجياته، إنها عمليات إنتاج المعرفة. 

والمعرفة يا صديقى مثل ملابس النساء، يمكن أن تكون بسيطة أو متكلفة، محتشمة أو متبرجة، ضيقة أو فضفاضة، وإدارة المعرفة أشبه ما تكون "بالمقصدار" المحترف الذى يختار الثوب المناسب لكل مقاس ولكل مناسبة. وإدارة المعرفة ليست هى الخطوة الأولى نحو إدارة مؤسسة علمية ناجحة، بل هى الأخيرة. فالإدارة الجيدة لاستراتيجية سيئة أو غير موجودة فكرة عبثية، إذ لا جدوى فى مجال المعرفة من إدارة مؤسسة لم تقم بتعريف وتوصيف وتحديد أهدافها بشكل جيد. يتفق معنا فى هذا زميل هارفارد "توماس ستيوارت"، الذى يضيف أن إدارة المعرفة كانت هى الأساس الذى بنت عليه الشركات والمؤسسات الدولية نجاحاتها فى ظل إقتصاد المعرفة، حيث قامت ببناء قواعد بيانات، وتنمية وتطوير رأس المال الفكرى للمؤسسات، وبناء شبكات معلومات داخلية، وقيادة برامج تدريبية لتغيير النمط الثقافى للمؤسسات والعاملين، وإنشاء منظمات إفتراضية ومجموعات عمل تنظيمية تعمل فى إطار الآليات الحديثة فى الإدارة، من جودة شاملة وإعادة الهندسة، ووضع برامج تنفيذية لمخططات استراتيجية.

والتخطيط الاستراتيجى، وكما يقول "بيتر دراكر" المؤسس الأول لعلم الإدارة، ليس بصندوق ملىء بالحيل أو مجموعة من الأساليب الفنية. إنه تفكير تحليلى والتزام بتفعيل كل الموارد. وهو تطبيق للفكر والتحليل والخيال والقرار السليم. إنه مسئولية وليس أسلوبا فنياً. التخطيط الاستراتيجى ليس تنبؤاً ولا عقلاً مسيطراً على المستقبل، ونحن لانصدق إلا ما ننجزه من عمل وما نؤديه من مهام. والاستراتيجيات التى غالباً ما تنجح هى التى تضع فى اعتبارها المشكلات والتحديات والفرص، وتعتمد على أفكار ووسائل غير تقليدية تقوم على الإبداع والابتكار، فتحرز التقدم المرغوب ثم تساعد على التحرك نحو شيء جديد تتبناه وتقدمه.

فى دراسة أجراها معهد ماكينزى عن الأمم الصناعية أوضحت بصورة قاطعة أن إنتاج العمال الأمريكيين يزيد على إنتاج العمال الألمان والفرنسيين بحوالى 20%، ويزيد على إنتاج العمال البريطانيين بأكثر من 30%، ويزيد على إنتاج العمال اليابانيين بأكثر من 60%. وكما يقول خبير الإدارة العلمية الأمريكى "روبرت ووترمان"، فقد بلغت الدهشة بالباحثين فى معهد ماكينزى العالمى من هذه النتائج حداً جعلهم يريدون معرفة السبب، فأجروا دراساتهم بمساعدة "روبرت سولو" من معهد مساتشوستس للتكنولوجيا والحائز على جائزة نوبل فى الاقتصاد 1987 وقد انتهى الباحثون إلى استنتاج أن السبب الرئيس وراء تفوق أمريكا على الآخرين يكمن فى الإدارة الرشيدة للمعرفة واستراتيجياتها التنافسية التى تعمل فى ظل عدد أقل من اللوائح الحكومية وقدر أكبر من المرونة فى طريقة إدارة الشركات والعاملين فى الولايات المتحدة الأمريكية.

استراتيجيات إنتاج وإدارة المعرفة يصنع التميز كما يصنع القيمة، وهى ميزة تنافسية مطردة ومتجددة، تحمل قوة الدفع الذاتى بالإبداع والتجديد والتنظيم والابتكار. وهى مسئولية العلماء والمتخصصين، وعلى الدولة أن تبوءهم صدارة مؤسساتنا العامة، لإحداث نقلة نوعية فى التعليم والصناعة والاقتصاد والتنمية.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة