آمال عثمان
آمال عثمان


أوراق شخصية

وحيد حامد ومرثية الوداع

آمال عثمان

الجمعة، 08 يناير 2021 - 05:51 م

ما أصعب أن تمتزج مشاعر التتويج بلحظات الوداع، وتختلط الفرحة بالدموع. كان يدرك أن إطلالته لن تدوم طويلا، وأنه اللقاء الأخير مع جمهوره ومحبيه وعشاق فنه، لذا كانت كلماته فى مهرجان القاهرة السينمائي، مرثية وداع مبدع جسور، وإبراء ذمة أمام وطن عشقه حتى النخاع، وتصدى لقضاياه ومشاكله وأحلامه وهمومه وطموحاته، بكل شجاعة وإخلاص وتفان.

خرجت العبارات متقطعة من بين أنفاسه المتهدجة، وامتزج همس صوته الواهن، بنبضات قلب خائر أنهكته المعارك والصِدامات، معلنة اقتراب موعد الرحيل، جابه المبدع القدير وحيد حامد موعد رحيله بشجاعة، مثلما واجه بكل جراءة قوى الظلام والتطرف والفساد والجهل، أدرك مبكرا أنها نهاية الرحلة، مثلما أيقن من البداية أن القلم أقوى من كل جيوش العالم، والكلمة أسرع نفاذا من كل أسلحة الأرض، وأن الدراما هى جسر عبور أفكاره إلى الجماهير العريضة.

 لديه رؤية استشرافية ثاقبة مكّنته من التنبؤ بأحداث وقضايا مستقبلية، فكانت أعماله تحذر من مخاطر قادمة، وكل عمل له بمثابة معركة فكرية يحشد لها كل أدواته ومواهبه الإبداعية، ويقاتل من أجل خروجه إلى النور، لم يستسلم أو يهادن أبدا، ولم يُحركه يوما سوى ضميره، وانحيازه للحرية والعدالة والحق، لم يكتب لصالح طرف ضد آخر، لذلك احترمه الجميع حتى خصومه وأعدائه، وعلى امتداد خمسة عقود خاض مشوارا طويلا، يفيض بالآراء والمواقف الجسورة، والإبداعات العظيمة التى صنعت له مكانة استثنائية فى قلوب جماهيره، وحققت له نجومية تنافس نجومية أبطال أعماله، وصار اسمه على ∩الأفيش∪ صك ضمان للقيمة والمتعة الفنية.

كل من أسعده الحظ بالاقتراب من دائرة وحيد حامد أحبه، من أول لقاء تشعر بأنك تعرفه من زمن طويل، إنسان جميل بسيط جدع محب للآخرين، اقتربتُ منه حين قررتُ السفر إلى مهرجان ∩كان∪ السينمائى فى بداية التسعينات، وكان الزملاء الذين سبقونى لتلك الرحلة السينمائية يطلقون عليه ∩عمدة المصريين∪، فكان من أوائل الذين خاضوا الرحلة، ليشاهد ويتعلم ويطوّر موهبته وأدواته الإبداعية، وأذكر أننى لجأتُ إليه لمساعدتى فى حجز الإقامة، حيث كان الشخص الوحيد الذى تثق به صاحبة فندق اعتاد أن يقيم فيه كل عام، لم يتوان فى مساعدة كل الزملاء المصريين والعرب، يستيقظ فى السابعة صباحا، يحتسى القهوة فى كافيه أمام الفندق، ويسارع إلى قاعة ∩لوميير∪ بقصر المهرجان، لحجز مقاعد لكل الوفد ليتمكنوا من المشاهدة الجيدة للأفلام. 

 هكذا تتساقط أوراق شجرة الإبداع التى نشأنا تحت ظلها، وحفرت فى أعماقنا علامات وأعمالا شكّلت وجداننا وأفئدتنا، وقامات فكرية تعلمنا من مواقفهم. رحم الله المبدع النبيل وحيد حامد بقدر ما قدم للوطن.  

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة