إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد


مصر الجديدة

وحيد حامد والمشاهد البيضاء

إبراهيم عبدالمجيد

السبت، 09 يناير 2021 - 07:03 م

 

الحديث عن قيمة وحيد حامد الفنية والفكرية العظيمة أمر عادى جدا. فبعد رحلة طويلة منذ أول فيلم عام 1978" وهو فيلم " طائر الليل الحزين" حتى آخر مسلسل تليفزيونى ليه" بدون ذكر اسماء" عام 2013 كان يملأ فضاءنا الروحى بالطموح والأمل.

لكنى كالعادة كلما رحل أحد الكتاب، يظهر من يسىء إليه لأنه لم يعجبه عمل أو عملين من عشرات الأعمال ويلخصه فيه. وجدت من يسىء  إلى وحيد باعتباره صاحب مسلسل "الجماعة" ويلخصه فى إنه كاتب السلطة، وطبعا لم يقل لنا إنه يقول ذلك لأن الجماعة" الأخوان المسلمون" مقدسة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. والحقيقة أن هذه هى الآفة التى نعانى منها فى مصر، بل والعالم كله منذ فجر التاريخ، وهو اضفاء القدسية على أى جماعة دينية أو سياسية، أو بمعنى عام جماعة شمولية، ترى العالم يبدأ بها وينتهى إليها. لن أعيد أسماء عدد من أفلامه مثل البرىء أو الراقصة والسياسى أو الغول أو الإرهاب والكباب أو اللعب مع الكبار وغيرها كثير التى كان فيها ناقدا فنيا لأحوالنا، وهذا هام جدا، وأعنى به المشاهد والسيناريو الذى يتحدث بالصورة والحدث أكثر مما يتحدث بالكلام. مضحك أن المنتقدين رأوا أن هذه الافلام كانت تحدث برضاء السلطة.

لم يدرك أبدا أحد من هؤلاء أو أدرك وتجاهل أن وحيد حامد من جيل الكتاب الذين تغير العالم أمامهم بعد هزيمة عام 1967. الذين رأوا البلاد ليست كما كانت تُقدم لهم رائدة وعظيمة فى كل شىء. الجيل الذى لخص أزمة الحكم التى انتهت بالهزيمة الكبيرة، فى إنه صادر حرية التعبير فى البلاد ومن ثم كان لا بد أن تأتى الهزيمة. صارت حرية التعبير هى الهدف لكثير من الكتاب وانتقاد الأوضاع السابقة فى هذا المجال لم يكن مقصودا به فقط انتقاد النظام السابق، بل التأكيد على أن هذا الجانب لابد من توافره فهو المنقذ للبلاد. بل لأى بلد عبر التاريخ. على الناحية الأخرى كانت الدولة تحت وطأة الهزيمة تفتح المجال لذلك من باب انتقاد الأوضاع السابقة لا الحالية، ولكن هذا الباب حين ينفتح لايفرق بين ماض وحاضر خاصة أن الحاضر لم يختلف إلا شكلا، أو هكذا الفن، فحتى لو تحدث عن التاريخ فعينه على الحاضر. كلنا رأينا كيف تغير شكل الحكم اكثر من مرة بعد 1952 وحتى اليوم، وفى كل الأحوال مازالت الدولة المركزية هى المهيمنة على الإنتاج الفني، فأين كان يمكن أن يذهب وحيد حامد بأعماله هو أو غيره من الكتاب. لم يكن أمامهم إلا استثمار الهامش المتاح، ولا يعنى استثمارهذا الهامش أنه كاتب سلطة. لم يقل لنا من اعتبروه كاتب سلطة بسبب مسلسل واحد أو اثنين لماذا لم يقدموا هم مسلسلا أو فيلما يمجد فى أبائهم من الإخوان المسلمين وخلفهم دول تدعمهم فى الخارج وأموال طائلة، ويستطيعون أن يفعلوا ذلك الآن بعيدا عن قنوات العرض المصرية وشركات الانتاج المحلية، فهناك منصات عرض عالمية الآن يمكن لهم استغلالها مثل نيتفلكس وشاهد وغيرها. هم أيضا يريدون وهم خارج السلطة أن يكونوا سلطة ويفعل لهم الكتاب ما يريدون دون إدراك أن الكاتب لن يخرج مما تتيحه له سلطة إلى سلطة ثانية تحدد له مايكتب.

هذا النوع من الاتهامات سهل جدا يريح أصحابه، والصحيح هو أن يتناقش أى شخص فيما رآه ويقدم نقدا فنيا بعيدا عن قداسة أى شخص أو جماعة. نقدا يتعلق بالسيناريو والتصوير والإخراج والأداء وهى القيمة الأولى لكل فن. لم يسأل أحد نفسه متى كان مسلسل الجماعة، عام 2010، وكم فيلما ومسلسلا ومسرحية وتمثيلية إذاعية كتبها وحيد قبل ذلك بعيدا عن الرؤى التى اعتبروها سياسية وهى من نسيج حياتنا وتاريخنا المعاصر. العشرات. إنها النظرة الشمولية التى نعانى منها فى الحياة السياسية تنعكس على الأفراد وليس أمامنا إلا عمل فيلم أو مسلسل أبيض بلا مشاهد، ليعلن الكتّاب إنه الأفضل فى زمان مشوه مثل هذا، أن تكون المشاهد البصرية بيضاء، فنحن نبحث عن زمن لم يأت ولم يتحقق، ولا نريد أن نعطيكم الفرصة فى التعليق على شىء.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة