الباحثة تتوسط لجنة المناقشة والاشراف
دراسة تبحث فى الأدب المصرى عن:
صنايعية.. لكن شعراء
الإثنين، 11 يناير 2021 - 11:25 ص
شعر هذه الفئة من شعراء الحرف، تميز بملامح الفن خاصة فى بنيته الخيالية والمجازية والفنية، فجاءت الصورة نصية ومتجددة ومتنوعة فى ظاهرها
وفى مصادرها،الشعراء الحرفيون فى القرنين السادس والسابع الهجريين.. دراسة فى المضمون والتشكيل الفنى، حصلت عنها الباحثة (تغريد نبيل أحمد) المعيدة بقسم اللغة العربية آداب حلوان، على درجة الماجستير بامتياز مع التوصية بالطبع والتبادل بين الجامعات.
فى الدراسة حاولت الباحثة أن تكشف عن خطين أدبيين على قدر كبير من الأهمية والتأثير، وهما: ظاهرة شعراء الحرف، فى تلك الفترة الساخنة من تاريخ مصر والعالم العربى، وهى ظاهرة نادرة وفارقة أن يجتمع هذا العدد من شعراء الحرف والمهن (141 شاعراً) فى فترة امتدت قرنين من قرون أدب مصر الإسلامية.
أما الخط الثانى، فهو الكشف عن طبيعة (حركة الأدب فى القرنين السادس والسابع الهجريين) وتشكيلاتها الموضوعية والفنية والمجازية والإيقاعية، وتحديداً فى مصر، باعتبار أن مثل هذه التشكيلات كانت وراء تكوين الهرم الأدبى للمدرسة الإسلامية، التى امتدت لقرابة خمسة قرون كاملة، وهى المدرسة التى تركت أثراً كبيراً وبالغاً فى فترة العصور الوسطى، حسب ما أوضحت الدراسة.
فى بداية عرضها لرسالتها أوضحت الباحثة فى تمهيد أظهرت من خلاله المستوى الفنى للإبداع الشعرى الذى كانت عليه تلك الفترة، فقالت: لقد لاقت حركة الشعر المصرى فى القرنين السادس والسابع الهجريين نشاطاً ملحوظاً، دعت النقاد والدارسين لأدب تلك الفترة إلى أن يعتبرونها من أخصب الفترات الأدبية فى تاريخ مصر، وذلك لتغير تلك الفترة بكثرة من أنجبتهم مصر من شعراء وكتّاب من طراز فريد، ومدى ما كانت تتمتع به مصر من سمعة طيبة، ومدى ما كان لشعرائها من صيت إلى جانب ما تميزوا به من خفة روح، ورشاقة وأسلوب ووعى بقدرات لغة الإبداع ونقوشها، فوجدنا منتج شعرى لمائة وواحد وأربعين شاعراً من مصر، وهذا يعكس طبيعة الازدهار الحقيقى للشعر فى هذه الفترة، ويعكس فى الوقت نفسه، واقعاً مهماً وهو عناية الفاطميين به ومن بعدهم الأيوبيون، والمماليك بحركة الأدب فى زمانهم، فكانت تلك الدول الثلاث حفية بالشعر والشعراء.
ولفتت الباحثة إلى أنه لوحظ أن دراسة حركة الفن فى تل الفترة الوسيطة، خاصة عن العصرين الفاطمى والأيوبى، لن تكتمل إلا بدراسة رموز من فريق نهضتها، وقادة تجديدها، ومبدعيها الحقيقيين، وقد وجد أن فئة شعرية تميزت بخصوصية شديدة فى تلك الفترة، وأقصد بها فئة شعراء الحرف والمهن، وهم كثر من أمثال: ظافر الحداد، السراج الوراق، ابن دانيال الكحال، ابن الخياط، نصير الدين الحمامى، أبى الحسين الجزار، ابن قلاقس والبوصيرى وغيرهم.
وقد تميزوا جميعاً بانعكاس طبيعة الحرفة أو الصنعة على حركتهم الشعرية من زاويتى المضمون والفن، كما كتبوا فى كثير من الأغراض الشعرية، كما لوحظ أن هؤلاء الرموز إلى جانب ما احترفوه من مهن وصناعات مختلفة، لم يتخلفوا عن ملاحقة حركة الشعر فى عصرهم، وعن حمل لواء الإبداع عن فطرة وطبع وتلقائية.
وتتلخص الفائدة المرجوة من هذه الدراسة إلى إعادة النظر فى أدب تلك الفترة (أدب مصر الإسلامية) وهو الأدب الذى لاقى أحكاماً جائرة اعتبرها بعض النقاد للأسف مسلمات ثاتبة، أو بديهيات لا تقبل الخلاف فى الرأى، فحاولت هذه الدراسة أن تكشف عن بعض طبائع هذا الأدب وفنونه، وهو الأدب الذى تكاملت عناصره وفنياته على درجة من درجات التميز سواء على مستوى الموضوع أم الفن، كما وقفت بنا هذه الدراسة أمام أهم قرنين فى أدب مصر الإسلامية، وهما القرنان السادس والسابع الهجريان، اللذان شهدا تطور القصيدة العربية فى مصر من حيث البنية والموضوع الشعرى والفن، ومن حيث التجديد فى مفتتح القصائد والأوزان والقوافى والاتكاء على صناعة البديع الشعرى والموسيقى، وذلك كله بفضل إبداع شعراء تلك الفترة وتمايزهم، واعتناء الحكام بالحركة الشعرية.
ووقفت الباحثة أمام هذه الفئة من الشعراء المتميزين من شعراء الحرف والمهن، الذين اجتمعت أدوارهم فى أمان متقاربة من القرنين السادس والسابع الهجريين، وصاغوا جميعاً طاقة حية ولمسات جديدة على مستوى الموضوع الشعرى، ومستوى البناء الفنى للقصيدة، كما رسموا خطوطاً عريضة مبتكرة ربطت الحرفة أو المهنة بالمضمون الشعبى.
وفى دراستها حاولت الباحثة الوصول إلى طبيعة الإضافة التى نجح شعراء الحرف والمهن أن يضيفوها من حيث التجديد فى بنية اللغة والتراكيب والصور والأخيلة وصناعة موسيقى الشعر.
واعتمدت الباحثة فى دراستها على المنهج الوصفى التحليلى، باعتباره- حسب رؤيتها- منهجاً يعالج النهجين الموضوعى والفنى، فيرصد الظاهرة ويبرر لها، كما أنه يدقق فى زوايا التحليل الفنى للنصوص.
وتوصلت الباحثة إلى أن منظومة الشعر عند هذه الفئة من شعراء الحرف والمهن فى القرنين السادس والسابع الهجريين، مثلت عن حق بنكاً شعرياً رئيساً، كانت له خصوصية فريدة من أبرز معالمها انعكاس طبيعة الحرفة على أنماط الخط الشعرى عند هؤلاء الشعراء فى تلك الفترة، كما انعكس على جم الأغراض الشعرية الأخرى، من هنا اتسم نتاجهم الشعرى بالوفرة والخصوبة والخصوصية والتجديد.
وأكدت أن الجانب الموضوعى لحركة الشعر عند هؤلاء الشعراء كشف عن تنوع مصادر الشعر عندهم، هذا التنوع الذى لامس وجوهاً من وجوه القيم مثل: الوجه الأخلاقى والدينى والاجتماعى والسياسى، على كافة أصنافها، وأن هذه الوجوه مجتمعة أصلّت لطبيعة الحركة الشعرية عندهم، ونوعت فى موضوعاتها ومصادره وقوامه الموضوعى والفكرى.
وأشارت إلى أن شعر هذه الفئة من شعراء الحرف، تميز بملامح الفن خاصة فى بنيته الخيالية والمجازية والفنية، فجاءت الصورة نصية ومتجددة ومتنوعة فى ظاهرها وفى مصادرها، وعانقت كل عناصر الخيال كالعناصر التشخيصية والتجسيدية والتجسيمية، وعناصر التشبيه على جميع أشكاله، فجاء الخيال خادمآً لمنظومة الشعر ومعبراً عن اتجاهاتها وزواياها الموضوعية.
يقول ظافر الحداد:
مَن يكن البحر له راحة ..
يضيق عن خنصره الخاتم
ومن النتائج التى توصلت إليها الباحثة أيضاً فى بحثها فى شعر هذه الفئة من الحرفيين، تفرد شعرهم بظهور لغته على هيئة فريدة وجديدة وإن كانت فى بعض هياكلها ظلت على الشكل القديم تتمسك بالبدايات النسبية والغزلية، ومن أهم وجوه التجديد ما عمد إليه شعراء تلك الفترة الكبار أمثال: ظافر الحداد، ابن قلاقس، النصير الحمامى، عبدالعظيم الجزار، والوراق.. من التجديد فى بنيات اللغة واتسم فنهم بالمباشرة والسهولة والرقة والتعبير عن المعجم المصرى الأصيل، كما وجدنا عندهم النمط الساخر الذى ترتب عليه النأى عن الألفاظ الجزلة والمقعرة والثقيلة وغير المباشرة.
تم مناقشة الرسالة فى قسم اللغة العربية، بكلية الآداب جامعة حلوان، وتكونت لجنة الإشراف من: د. عبدالناصر عبدالحميد، أستاذ النقد الأدبى الحديث بآداب حلوان، د. بهاء حسب الله، أستاذ الأدب العربى بآداب حلوان، د. عبدالله عبدالحليم، أستاذ الأدب والنقد الحديث بآداب حلوان، ود. عايدى على جمعة، أستاذ الأدب العربى الحديث بجامعة 6 أكتوبر.