أيقونة بالمتحف القبطى للقديس مينا العجائبى «مار مينا»
الأيقونات المسيحية..
فن مقدس حفظه التسامح المصرى
الإثنين، 11 يناير 2021 - 01:49 م
مرت الأيقونات المسيحية بمراحل مختلفة حيث خفتت كفن لقرون كثيرة وازدهرت فى قرون أخرى. وارتبطت الأيقونة فى كثير من الأحيان بالتغيرات السياسية وربما ظلت مرتبطة بالتغيرات العقائدية وبالاضطهادات داخل المجتمعات، لكن الملاحظ أن مصر لم تعرف حروب الأيقونات التى عُرفت فى الغرب، منذ القرن الثامن حتى منتصف التاسع، فقد شاعت خلال تلك الفترة فكرة مفادها أن تكريم الأيقونة هو ارتداد للوثنية، حيث حُرقت الأيقونات ودُمرت، وعرف هذا الجدل الفكرى بحرب الأيقونات أو حركة اللا أيقونة، لكن الأمر نفسه لم يؤثر فى مصر، حيث كانت تحت حكم العرب الذين أطلقوا الكثير من الحريات الدينية مما جنب مصر تلك الحرب..
الدكتور عاطف نجيب أستاذ القبطيات بجامعة القاهرة ومعهد الدراسات القبطية، ومدير عام المتحف القبطى سابقًا، يقول فى حديثه لـ اأخبار الأدبب:
االأيقونات فى بدايتها رسمت على الجدران فالتصاوير الجدارية سواء فى منطقة البجوات أو التصاوير التى كانت موجودة بدير الأنبا أرميا بسقارة وترجع للقرن السادس والسابع، أو دير الأنبا أبولو بأسيوط جميعها توضح مدى النضج الذى وصل إليه فن الأيقونة أو فن التصوير القبطى فى مصر، لكن لا يمكن اعتبار أن الكنيسة القبطية قد أخذت من اليهود هذا الفن، فمن الجانب المسيحى يعتبر المنديل (الكفن) والذى يخص السيد المسيح وهو الذى طبع عليه وجهه، من أقدم التصاوير والأعمال الطبيعية التى نشأت فى المسيحية، وعندنا أيضًا شخصية القديس لوقا الرسول وهو أحد كتاب العهد الجديد، ويقال إنه أول من كتب أيقونة، وهذه الأيقونة موجودة فى أحد متاحف ألمانيا، ومكتوبة على الخشب.
وقد مرت عملية كتابة الأيقونة بمراحل عدة؛ الأولى تبدأ من القرن الأول وحتى القرن الرابع الميلادى وخلال تلك الفترة تعرضت الكنيسة للكثير من الاضطهاد من جانب الحكام الرومان، كما ظهرت بعض الصراعات داخل الكنيسة نفسها، لتحديد الملامح الرئيسية للكنيسة، ونتيجة لذلك تعرضت الأيقونة القبطية لمجموعة من المراحل، وبدأت بالمرحلة الرمزية، وتلاها مرحلة أيقونات الكتاب المقدس وفيها مُثل آدم وحواء، قبل السقوط إلى الأرض وبعد السقوط على الأرض، وكذلك بمنطقة البجوات وجدنا بعض التصاوير التى توضح من خلالها خروج بنى إسرائيل من مصر وانشقاق البحر الأحمر، وبعد ذلك عندنا مرحلة االأيقونات الاسخاتولوجيةب، وهى تعنى أن الحياة الآخرة صارت هى هدف كل مسيحي، والفترة الثانية هى فترة ما قبل حروب الأيقونات، لكن حدث نوع من الضعف فى إنتاج الأيقونات تحديدًا فى زمن الخليفة الأموى يزيد بن عبد الملك الذى أصدر مرسومًا بإبادة الأيقونات، ففى منتصف القرن الثامن للميلاد خسرت الكنيسة الكثير من الأيقونات، لكن خلال القرنين الـ١٨ والـ١٩ بدأت حركة ازدهار للرسم، وذلك بسبب السماحة الدينية من الحكام المسلمين والفتاوى الفقهية التى أجازت إعادة ترميم وإعمار الكنائس فى الدولة العثمانية، وبعد ذلك دخلنا فى عصر محمد على والذى ظهرت فيه تعددية ثقافية ودينية ومجتمعية، والتى تميز بها المجتمع المصري، نتيجة المد العلمانى وأدى ذلك إلى خروج فن الأيقونات، من احتكار رجال الدين، وصارت عملية مستقلة داخل ورش غير تابعة للكنيسة، وظهر لنا مجموعة من الفنانين منهم مترى وهو فنان أرمني، وتميز أسلوبه بالبساطة وبالخطوط الواضحة فكان يرسم الرؤوس كبيرة ومدببة غير مراع للنسب التشريحية، التى عرفت فيما بعد، بعد ذلك ظهر عندنا إبراهيم الناسخ وهو فنان مصرى بدأ نشاطه فى الربع الأول من القرن الـ١٨، ولدينا كذلك يوحنا المقدسي، وهو فنان أرمني، وعمل فى مجال النقش والتصوير، وبعد ذلك ظهر جرجس الرومى والذى نشط خلال القرنين الـ١٨ والـ١٩.
اللون والرمزية داخل الأيقونات
لكل لون داخل الأيقونة المسيحية معنى يستطرد دكتور عاطف نجيب حديثه: االلون الأبيض داخل الأيقونات يرمز إلى الطهارة والنقاء عملًا بسفر المزامير طَهِّرْنِى بِالزُّوفَا فَأَطْهُرَ. اغْسِلْنِى فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ الثَّلْجِ، أما اللون الأصفر فهو رمز للقداسة التى تنبعث من الضوء الإلهى ويسخدم أحيانًا عوضًا عن اللون الذهبي، واللون الذهبى له غرض مزدوج فهو لون الضوء ولون التعبير عن الذات الإلهية، أما اللون الأحمر فهو لون الدم، كفداء السيد المسيح وهو لون ثوب السيد المسح قبل صلبه، واللون الأزرق هو لون السماء ويرمز إلى ثياب السيدة العذراء دلالة على الصفاء والنقاء وهو إشارة إلى أنها دعيت إلى السماء الثانية، واللون الرمادى داخل الأيقونة يستخدم كوسيط بين الأبيض والأسود وهو يعبر عن حالة الاستسلام وأحيانًا يستخدم ليعبر عن خلود الجسد أو خلود الروح، وكذلك اللون الأخضر فهو لون النبات الحي، وهو دليل على الحياة المنتصرة، واللون الأخضر الباهت هو رمز للموت، كما يتضح فى سفر الرؤيا فَنَظَرْتُ وَإِذَا فَرَسٌ أَخْضَرُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ اسْمُهُ الْمَوْتُ، وَالْهَاوِيَةُ تَتْبَعُهُ ومن النادر أن يستخدم هذا اللون الباهت. أما اللون الأورجوانى فهو يعد لونًا ملكيًا وَمِنَ الأَسْمَانْجُونِيِّ وَالأُرْجُوَانِ وَالْقِرْمِزِ صَنَعُوا ثِيَابًا مَنْسُوجَةً لِلْخِدْمَةِ فِى الْمَقْدِسِ وأخيرًا اللون الأسود داخل الأيقونات فهو رمز للموت والمجاعة وللحزن، حيث يستخدم فى التعبير عن يوم الجمعة الحزينة وهو يوم صلب السيد المسيح، فهذه هى رمزية الألوان التى استخدمت داخل الأيقونات عبر العصور.
المسيحية وفن البورتريه
الدكتور إبراهيم ساويرس أستاذ اللغة القبطية بجامعة سوهاج يقول: فكرة الأيقونة معروفة من قبل قدوم المسيحية، فتماثيل رؤوس الأباطرة أو اللوحات الحجرية التى تمثلهم كانت تستعمل فى الاحتفالات الدينية قبل المسيحية، وفى مصر تأثر فن الأيقونة كثيرًا بفن البورتريه الوثنى المنسوب للفيوم، والأيقونات المبكرة من مصر يمكن تأريخها بين القرنين الخامس والسابع، وجميعها بسيطة لم يراع فيها النسب التشريحية للجسم وهى مرتبطة بمراكز الرهبنة، وعددها مجتمعة أقل من عشرين، أشهرها المسيح والقديس مينا التى خرجت من دير أبوللو فى باويط إلى متحف اللوفر، وأيقونة أبراهام أسقف أرمنت فى القرن السادس والتى خرجت إلى متحف بودا فى ألمانيا، بعد ذلك وحتى القرن الثامن عشر ندرت الأيقونات القبطية مدة ألف عام، لكنها لم تختف، ويمكن تفسير هذه الظاهرة الغريبة بعدة أسباب بحسب الفترة الزمنية، لكن يجب أن يؤخذ فى الاعتبار أن دراسة الأيقونات القبطية تحتاج للكثير من العمل خاصة فيما يتعلق بالترميم والصيانة، كما أن الكثير من الأيقونات القبطية السابقة على القرن الثامن عشر تحتاج لإعادة التأريخ، فيمكن القول أنه فى بعض العصور كان من الصعوبة إنتاج أى قطعة فنية قبطية، ويمكن أن يكون أحد الأسباب هو تجديد وإعادة استخدام الأيقونات القديمة، وأحد أهم الأسباب هو بلا شك التخلص من الأيقونات القديمة التى تأثرت بالشمع والبخور ولم تعد تليق بصاحبها، فكنائس مصر القديمة، هى أهم مكان وجدت به الأيقونات كمقر بابوي، وقد خضعت للتجديد المستمر، إلى أن بدأ زمن إبراهيم الناسخ ويوحنا الأرمنى ومدرستهما فى الأيقونة خلال القرن الثامن عشر، وقد جاء ذلك إحياءً لفن التصوير القبطى وظلت آثاره حية لليوم خاصة لأنهما قد شكلا ما يشبه ورشة فنية عمل فيها الكثير من الفنانين تحت إشرافهما، وكان ذلك هو السبب فى غزارة إنتاج الأيقونات منذ القرن الثامن عشر.
"حروب الأيقونات"
يرى الدكتور إبراهيم ساويرس أن الأيقونة فى الكنيسة القبطية لها عدة أغراض، أهمها الغرض االليتورجيب أى المرتبط بالصلوات الجماعية، فترى الأيقونة وقد أُطلق أمامها البخور، وحُملت فى جنبات الكنيسة على أيدى الشمامسة، وتبارك الناس بها، ليس بطبيعة الحال بالخشب المصنوعة منه الأيقونة، بل بالبركات التى يحملها القديس أو الحدث الكتابى المسجل على الأيقونة، كذلك الأيقونات موجودة طوال الوقت بالكنائس لإشعال الشموع أمامها، وتشفع الناس بالقديسين الذين تمثلهم. يضاف لذلك أن بعض الأيقونات موجودة فى الكنائس كشرح صامت لبعض أحداث الكتاب المقدس، أو حياة القديسين. كما توجد بالكنائس القبطية صلوات مرتبطة بأيقونات معينة فى مناسبات بعينها، خاصة تلك المعروفة باسم الدورات، مثل دورة عيد الصليب أو دورة الشعانين، وفيهما يتحرك الكاهن ليطلق البخور فى أرجاء الكنيسة وأمام أيقونات بعينها، وأمام كل منها يتلو مع الشعب صلوات مرتبطة بالعيد وصاحب الأيقونة، وفى الكنائس القبطية المعاصرة هناك حامل الأيقونات، المعروف باسم الحجاب، وتوزع عليه الأيقونات تبعًا لترتيب دقيق يبدأ بمنظر الصلب، وإلى جواره يوحنا تلميذ المسيح والسيدة العذراء، أسفله منظر العشاء الأخير للمسيح مع التلاميذ، ثم التلاميذ أنفسهم على الجانبين، وإلى جوار باب الهيكل توجد أيقونتان ثابتتان للسيد المسيح وأمه العذراء مريم، كما أن الكنيسة القبطية لها طقوس تتلى فيها صلوات طويلة تنتهى بدهان الأيقونات بالزيت من أجل تكريس تلك الأيقونات للكنيسة فيما يُعرف بطقس التدشين الذى يترأسه الأب البطريرك أو الأسقف فقط.
لكن الملاحظ أن مصر لم تعرف حروب الأيقونات التى عُرفت فى الغرب، منذ القرن الثامن حتى منتصف التاسع، فقد شاعت خلال تلك الفترة فكرة مفادها أن تكريم الأيقونة هو ارتداد للوثنية، وكان هناك قرارات للحكام البيزنطيين ضد صناعة الأيقونة، بل جمعت الأيقونات من بعض الكنائس وحرقت ودمرت بعنف، وكانت عوام الناس ترفض تلك الأفكار، وعرف هذا الجدل الفكرى مع النزاع على الأرض بسببها بحرب الأيقونات أو حركة اللا أيقونة. والكنائس الغربية عانت من ذلك عشرات السنين، لكن الأمر نفسه لم يؤثر فى مصر، بل الغالب أن تزيين الكنائس بالأيقونات وكذلك الرسوم الجدارية كان يجرى على قدم وساق، حيث كانت مصر تحت حكم العرب ومنعزلة عن ذلك الصراع وتلك القرارات..