أيقونة بالمتحف القبطى للقديس مينا العجائبى «مار مينا»
أيقونة بالمتحف القبطى للقديس مينا العجائبى «مار مينا»


الأيقونات المسيحية..

فن مقدس حفظه التسامح المصرى

أخبار الأدب

الإثنين، 11 يناير 2021 - 01:49 م

 

مرت‭ ‬الأيقونات‭ ‬المسيحية‭ ‬بمراحل‭ ‬مختلفة‭ ‬حيث‭ ‬خفتت‭ ‬كفن‭ ‬لقرون‭ ‬كثيرة‭ ‬وازدهرت‭ ‬فى‭ ‬قرون‭ ‬أخرى‭. ‬وارتبطت‭ ‬الأيقونة‭ ‬فى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬بالتغيرات‭ ‬السياسية‭ ‬وربما‭ ‬ظلت‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالتغيرات‭ ‬العقائدية‭ ‬وبالاضطهادات‭ ‬داخل‭ ‬المجتمعات،‭ ‬لكن‭ ‬الملاحظ‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬حروب‭ ‬الأيقونات‭ ‬التى‭ ‬عُرفت‭ ‬فى‭ ‬الغرب،‭ ‬منذ‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬حتى‭ ‬منتصف‭ ‬التاسع،‭ ‬فقد‭ ‬شاعت‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬فكرة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬تكريم‭ ‬الأيقونة‭ ‬هو‭ ‬ارتداد‭ ‬للوثنية،‭ ‬حيث‭ ‬حُرقت‭ ‬الأيقونات‭ ‬ودُمرت،‭ ‬وعرف‭ ‬هذا‭ ‬الجدل‭ ‬الفكرى‭ ‬بحرب‭ ‬الأيقونات‭ ‬أو‭ ‬حركة‭ ‬اللا‭ ‬أيقونة،‭ ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬نفسه‭ ‬لم‭ ‬يؤثر‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬أطلقوا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحريات‭ ‬الدينية‭ ‬مما‭ ‬جنب‭ ‬مصر‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭..‬ 

الدكتور‭ ‬عاطف‭ ‬نجيب‭ ‬أستاذ‭ ‬القبطيات‭ ‬بجامعة‭ ‬القاهرة‭ ‬ومعهد‭ ‬الدراسات‭ ‬القبطية،‭ ‬ومدير‭ ‬عام‭ ‬المتحف‭ ‬القبطى‭ ‬سابقًا،‭ ‬يقول‭ ‬فى‭ ‬حديثه‭ ‬لـ‭ ‬اأخبار‭ ‬الأدبب‭:‬

االأيقونات‭ ‬فى‭ ‬بدايتها‭ ‬رسمت‭ ‬على‭ ‬الجدران‭ ‬فالتصاوير‭ ‬الجدارية‭ ‬سواء‭ ‬فى‭ ‬منطقة‭ ‬البجوات‭ ‬أو‭ ‬التصاوير‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬بدير‭ ‬الأنبا‭ ‬أرميا‭ ‬بسقارة‭ ‬وترجع‭ ‬للقرن‭ ‬السادس‭ ‬والسابع،‭ ‬أو‭ ‬دير‭ ‬الأنبا‭ ‬أبولو‭ ‬بأسيوط‭ ‬جميعها‭ ‬توضح‭ ‬مدى‭ ‬النضج‭ ‬الذى‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬فن‭ ‬الأيقونة‭ ‬أو‭ ‬فن‭ ‬التصوير‭ ‬القبطى‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬الكنيسة‭ ‬القبطية‭ ‬قد‭ ‬أخذت‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬هذا‭ ‬الفن،‭ ‬فمن‭ ‬الجانب‭ ‬المسيحى‭ ‬يعتبر‭ ‬المنديل‭ (‬الكفن‭) ‬والذى‭ ‬يخص‭ ‬السيد‭ ‬المسيح‭ ‬وهو‭ ‬الذى‭ ‬طبع‭ ‬عليه‭ ‬وجهه،‭ ‬من‭ ‬أقدم‭ ‬التصاوير‭ ‬والأعمال‭ ‬الطبيعية‭ ‬التى‭ ‬نشأت‭ ‬فى‭ ‬المسيحية،‭ ‬وعندنا‭ ‬أيضًا‭ ‬شخصية‭ ‬القديس‭ ‬لوقا‭ ‬الرسول‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬كتاب‭ ‬العهد‭ ‬الجديد،‭ ‬ويقال‭ ‬إنه‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬أيقونة،‭ ‬وهذه‭ ‬الأيقونة‭ ‬موجودة‭ ‬فى‭ ‬أحد‭ ‬متاحف‭ ‬ألمانيا،‭ ‬ومكتوبة‭ ‬على‭ ‬الخشب‭.‬

وقد‭ ‬مرت‭ ‬عملية‭ ‬كتابة‭ ‬الأيقونة‭ ‬بمراحل‭ ‬عدة؛‭ ‬الأولى‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الأول‭ ‬وحتى‭ ‬القرن‭ ‬الرابع‭ ‬الميلادى‭ ‬وخلال‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬تعرضت‭ ‬الكنيسة‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬الاضطهاد‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الحكام‭ ‬الرومان،‭ ‬كما‭ ‬ظهرت‭ ‬بعض‭ ‬الصراعات‭ ‬داخل‭ ‬الكنيسة‭ ‬نفسها،‭ ‬لتحديد‭ ‬الملامح‭ ‬الرئيسية‭ ‬للكنيسة،‭ ‬ونتيجة‭ ‬لذلك‭ ‬تعرضت‭ ‬الأيقونة‭ ‬القبطية‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬المراحل،‭ ‬وبدأت‭ ‬بالمرحلة‭ ‬الرمزية،‭ ‬وتلاها‭ ‬مرحلة‭ ‬أيقونات‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس‭ ‬وفيها‭ ‬مُثل‭ ‬آدم‭ ‬وحواء،‭ ‬قبل‭ ‬السقوط‭ ‬إلى‭ ‬الأرض‭ ‬وبعد‭ ‬السقوط‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬وكذلك‭ ‬بمنطقة‭ ‬البجوات‭ ‬وجدنا‭ ‬بعض‭ ‬التصاوير‭ ‬التى‭ ‬توضح‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬خروج‭ ‬بنى‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬وانشقاق‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬عندنا‭ ‬مرحلة‭ ‬االأيقونات‭ ‬الاسخاتولوجيةب،‭ ‬وهى‭ ‬تعنى‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬الآخرة‭ ‬صارت‭ ‬هى‭ ‬هدف‭ ‬كل‭ ‬مسيحي،‭ ‬والفترة‭ ‬الثانية‭ ‬هى‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬حروب‭ ‬الأيقونات،‭ ‬لكن‭ ‬حدث‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الضعف‭ ‬فى‭ ‬إنتاج‭ ‬الأيقونات‭ ‬تحديدًا‭ ‬فى‭ ‬زمن‭ ‬الخليفة‭ ‬الأموى‭ ‬يزيد‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الملك‭ ‬الذى‭ ‬أصدر‭ ‬مرسومًا‭ ‬بإبادة‭ ‬الأيقونات،‭ ‬ففى‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬للميلاد‭ ‬خسرت‭ ‬الكنيسة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأيقونات،‭ ‬لكن‭ ‬خلال‭ ‬القرنين‭ ‬الـ١٨‭ ‬والـ١٩‭ ‬بدأت‭ ‬حركة‭ ‬ازدهار‭ ‬للرسم،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬السماحة‭ ‬الدينية‭ ‬من‭ ‬الحكام‭ ‬المسلمين‭ ‬والفتاوى‭ ‬الفقهية‭ ‬التى‭ ‬أجازت‭ ‬إعادة‭ ‬ترميم‭ ‬وإعمار‭ ‬الكنائس‭ ‬فى‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬دخلنا‭ ‬فى‭ ‬عصر‭ ‬محمد‭ ‬على‭ ‬والذى‭ ‬ظهرت‭ ‬فيه‭ ‬تعددية‭ ‬ثقافية‭ ‬ودينية‭ ‬ومجتمعية،‭ ‬والتى‭ ‬تميز‭ ‬بها‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري،‭ ‬نتيجة‭ ‬المد‭ ‬العلمانى‭ ‬وأدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬خروج‭ ‬فن‭ ‬الأيقونات،‭ ‬من‭ ‬احتكار‭ ‬رجال‭ ‬الدين،‭ ‬وصارت‭ ‬عملية‭ ‬مستقلة‭ ‬داخل‭ ‬ورش‭ ‬غير‭ ‬تابعة‭ ‬للكنيسة،‭ ‬وظهر‭ ‬لنا‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬منهم‭ ‬مترى‭ ‬وهو‭ ‬فنان‭ ‬أرمني،‭ ‬وتميز‭ ‬أسلوبه‭ ‬بالبساطة‭ ‬وبالخطوط‭ ‬الواضحة‭ ‬فكان‭ ‬يرسم‭ ‬الرؤوس‭ ‬كبيرة‭ ‬ومدببة‭ ‬غير‭ ‬مراع‭ ‬للنسب‭ ‬التشريحية،‭ ‬التى‭ ‬عرفت‭ ‬فيما‭ ‬بعد،‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬ظهر‭ ‬عندنا‭ ‬إبراهيم‭ ‬الناسخ‭ ‬وهو‭ ‬فنان‭ ‬مصرى‭ ‬بدأ‭ ‬نشاطه‭ ‬فى‭ ‬الربع‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الـ١٨،‭ ‬ولدينا‭ ‬كذلك‭ ‬يوحنا‭ ‬المقدسي،‭ ‬وهو‭ ‬فنان‭ ‬أرمني،‭ ‬وعمل‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬النقش‭ ‬والتصوير،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬ظهر‭ ‬جرجس‭ ‬الرومى‭ ‬والذى‭ ‬نشط‭ ‬خلال‭ ‬القرنين‭ ‬الـ١٨‭ ‬والـ١٩‭.‬

اللون‭ ‬والرمزية‭ ‬داخل‭ ‬الأيقونات

لكل‭ ‬لون‭ ‬داخل‭ ‬الأيقونة‭ ‬المسيحية‭ ‬معنى‭ ‬يستطرد‭ ‬دكتور‭ ‬عاطف‭ ‬نجيب‭ ‬حديثه‭: ‬االلون‭ ‬الأبيض‭ ‬داخل‭ ‬الأيقونات‭ ‬يرمز‭ ‬إلى‭ ‬الطهارة‭ ‬والنقاء‭ ‬عملًا‭ ‬بسفر‭ ‬المزامير‭ ‬طَهِّرْنِى‭ ‬بِالزُّوفَا‭ ‬فَأَطْهُرَ‭. ‬اغْسِلْنِى‭ ‬فَأَبْيَضَّ‭ ‬أَكْثَرَ‭ ‬مِنَ‭ ‬الثَّلْجِ،‭ ‬أما‭ ‬اللون‭ ‬الأصفر‭ ‬فهو‭ ‬رمز‭ ‬للقداسة‭ ‬التى‭ ‬تنبعث‭ ‬من‭ ‬الضوء‭ ‬الإلهى‭ ‬ويسخدم‭ ‬أحيانًا‭ ‬عوضًا‭ ‬عن‭ ‬اللون‭ ‬الذهبي،‭ ‬واللون‭ ‬الذهبى‭ ‬له‭ ‬غرض‭ ‬مزدوج‭ ‬فهو‭ ‬لون‭ ‬الضوء‭ ‬ولون‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الذات‭ ‬الإلهية،‭ ‬أما‭ ‬اللون‭ ‬الأحمر‭ ‬فهو‭ ‬لون‭ ‬الدم،‭ ‬كفداء‭ ‬السيد‭ ‬المسيح‭ ‬وهو‭ ‬لون‭ ‬ثوب‭ ‬السيد‭ ‬المسح‭ ‬قبل‭ ‬صلبه،‭ ‬واللون‭ ‬الأزرق‭ ‬هو‭ ‬لون‭ ‬السماء‭ ‬ويرمز‭ ‬إلى‭ ‬ثياب‭ ‬السيدة‭ ‬العذراء‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬الصفاء‭ ‬والنقاء‭ ‬وهو‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬دعيت‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭ ‬الثانية،‭ ‬واللون‭ ‬الرمادى‭ ‬داخل‭ ‬الأيقونة‭ ‬يستخدم‭ ‬كوسيط‭ ‬بين‭ ‬الأبيض‭ ‬والأسود‭ ‬وهو‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬الاستسلام‭ ‬وأحيانًا‭ ‬يستخدم‭ ‬ليعبر‭ ‬عن‭ ‬خلود‭ ‬الجسد‭ ‬أو‭ ‬خلود‭ ‬الروح،‭ ‬وكذلك‭ ‬اللون‭ ‬الأخضر‭ ‬فهو‭ ‬لون‭ ‬النبات‭ ‬الحي،‭ ‬وهو‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬المنتصرة،‭ ‬واللون‭ ‬الأخضر‭ ‬الباهت‭ ‬هو‭ ‬رمز‭ ‬للموت،‭ ‬كما‭ ‬يتضح‭ ‬فى‭ ‬سفر‭ ‬الرؤيا‭ ‬فَنَظَرْتُ‭ ‬وَإِذَا‭ ‬فَرَسٌ‭ ‬أَخْضَرُ،‭ ‬وَالْجَالِسُ‭ ‬عَلَيْهِ‭ ‬اسْمُهُ‭ ‬الْمَوْتُ،‭ ‬وَالْهَاوِيَةُ‭ ‬تَتْبَعُهُ‭ ‬ومن‭ ‬النادر‭ ‬أن‭ ‬يستخدم‭ ‬هذا‭ ‬اللون‭ ‬الباهت‭. ‬أما‭ ‬اللون‭ ‬الأورجوانى‭ ‬فهو‭ ‬يعد‭ ‬لونًا‭ ‬ملكيًا‭ ‬وَمِنَ‭ ‬الأَسْمَانْجُونِيِّ‭ ‬وَالأُرْجُوَانِ‭ ‬وَالْقِرْمِزِ‭ ‬صَنَعُوا‭ ‬ثِيَابًا‭ ‬مَنْسُوجَةً‭ ‬لِلْخِدْمَةِ‭ ‬فِى‭ ‬الْمَقْدِسِ‭ ‬وأخيرًا‭ ‬اللون‭ ‬الأسود‭ ‬داخل‭ ‬الأيقونات‭ ‬فهو‭ ‬رمز‭ ‬للموت‭ ‬والمجاعة‭ ‬وللحزن،‭ ‬حيث‭ ‬يستخدم‭ ‬فى‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬الحزينة‭ ‬وهو‭ ‬يوم‭ ‬صلب‭ ‬السيد‭ ‬المسيح،‭ ‬فهذه‭ ‬هى‭ ‬رمزية‭ ‬الألوان‭ ‬التى‭ ‬استخدمت‭ ‬داخل‭ ‬الأيقونات‭ ‬عبر‭ ‬العصور‭.‬

المسيحية‭ ‬وفن‭ ‬البورتريه

الدكتور‭ ‬إبراهيم‭ ‬ساويرس‭ ‬أستاذ‭ ‬اللغة‭ ‬القبطية‭ ‬بجامعة‭ ‬سوهاج‭ ‬يقول‭: ‬فكرة‭ ‬الأيقونة‭ ‬معروفة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قدوم‭ ‬المسيحية،‭ ‬فتماثيل‭ ‬رؤوس‭ ‬الأباطرة‭ ‬أو‭ ‬اللوحات‭ ‬الحجرية‭ ‬التى‭ ‬تمثلهم‭ ‬كانت‭ ‬تستعمل‭ ‬فى‭ ‬الاحتفالات‭ ‬الدينية‭ ‬قبل‭ ‬المسيحية،‭ ‬وفى‭ ‬مصر‭ ‬تأثر‭ ‬فن‭ ‬الأيقونة‭ ‬كثيرًا‭ ‬بفن‭ ‬البورتريه‭ ‬الوثنى‭ ‬المنسوب‭ ‬للفيوم،‭ ‬والأيقونات‭ ‬المبكرة‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬يمكن‭ ‬تأريخها‭ ‬بين‭ ‬القرنين‭ ‬الخامس‭ ‬والسابع،‭ ‬وجميعها‭ ‬بسيطة‭ ‬لم‭ ‬يراع‭ ‬فيها‭ ‬النسب‭ ‬التشريحية‭ ‬للجسم‭ ‬وهى‭ ‬مرتبطة‭ ‬بمراكز‭ ‬الرهبنة،‭ ‬وعددها‭ ‬مجتمعة‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬عشرين،‭ ‬أشهرها‭ ‬المسيح‭ ‬والقديس‭ ‬مينا‭ ‬التى‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬دير‭ ‬أبوللو‭ ‬فى‭ ‬باويط‭ ‬إلى‭ ‬متحف‭ ‬اللوفر،‭ ‬وأيقونة‭ ‬أبراهام‭ ‬أسقف‭ ‬أرمنت‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬والتى‭ ‬خرجت‭ ‬إلى‭ ‬متحف‭ ‬بودا‭ ‬فى‭ ‬ألمانيا،‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬وحتى‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬ندرت‭ ‬الأيقونات‭ ‬القبطية‭ ‬مدة‭ ‬ألف‭ ‬عام،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تختف،‭ ‬ويمكن‭ ‬تفسير‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬الغريبة‭ ‬بعدة‭ ‬أسباب‭ ‬بحسب‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية،‭ ‬لكن‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يؤخذ‭ ‬فى‭ ‬الاعتبار‭ ‬أن‭ ‬دراسة‭ ‬الأيقونات‭ ‬القبطية‭ ‬تحتاج‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالترميم‭ ‬والصيانة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأيقونات‭ ‬القبطية‭ ‬السابقة‭ ‬على‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬تحتاج‭ ‬لإعادة‭ ‬التأريخ،‭ ‬فيمكن‭ ‬القول‭ ‬أنه‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬العصور‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الصعوبة‭ ‬إنتاج‭ ‬أى‭ ‬قطعة‭ ‬فنية‭ ‬قبطية،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أحد‭ ‬الأسباب‭ ‬هو‭ ‬تجديد‭ ‬وإعادة‭ ‬استخدام‭ ‬الأيقونات‭ ‬القديمة،‭ ‬وأحد‭ ‬أهم‭ ‬الأسباب‭ ‬هو‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الأيقونات‭ ‬القديمة‭ ‬التى‭ ‬تأثرت‭ ‬بالشمع‭ ‬والبخور‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬تليق‭ ‬بصاحبها،‭ ‬فكنائس‭ ‬مصر‭ ‬القديمة،‭ ‬هى‭ ‬أهم‭ ‬مكان‭ ‬وجدت‭ ‬به‭ ‬الأيقونات‭ ‬كمقر‭ ‬بابوي،‭ ‬وقد‭ ‬خضعت‭ ‬للتجديد‭ ‬المستمر،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بدأ‭ ‬زمن‭ ‬إبراهيم‭ ‬الناسخ‭ ‬ويوحنا‭ ‬الأرمنى‭ ‬ومدرستهما‭ ‬فى‭ ‬الأيقونة‭ ‬خلال‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر،‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬ذلك‭ ‬إحياءً‭ ‬لفن‭ ‬التصوير‭ ‬القبطى‭ ‬وظلت‭ ‬آثاره‭ ‬حية‭ ‬لليوم‭ ‬خاصة‭ ‬لأنهما‭ ‬قد‭ ‬شكلا‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬ورشة‭ ‬فنية‭ ‬عمل‭ ‬فيها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬تحت‭ ‬إشرافهما،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬فى‭ ‬غزارة‭ ‬إنتاج‭ ‬الأيقونات‭ ‬منذ‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭.‬

"حروب‭ ‬الأيقونات"

يرى‭ ‬الدكتور‭ ‬إبراهيم‭ ‬ساويرس‭ ‬أن‭ ‬الأيقونة‭ ‬فى‭ ‬الكنيسة‭ ‬القبطية‭ ‬لها‭ ‬عدة‭ ‬أغراض،‭ ‬أهمها‭ ‬الغرض‭ ‬االليتورجيب‭ ‬أى‭ ‬المرتبط‭ ‬بالصلوات‭ ‬الجماعية،‭ ‬فترى‭ ‬الأيقونة‭ ‬وقد‭ ‬أُطلق‭ ‬أمامها‭ ‬البخور،‭ ‬وحُملت‭ ‬فى‭ ‬جنبات‭ ‬الكنيسة‭ ‬على‭ ‬أيدى‭ ‬الشمامسة،‭ ‬وتبارك‭ ‬الناس‭ ‬بها،‭ ‬ليس‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬بالخشب‭ ‬المصنوعة‭ ‬منه‭ ‬الأيقونة،‭ ‬بل‭ ‬بالبركات‭ ‬التى‭ ‬يحملها‭ ‬القديس‭ ‬أو‭ ‬الحدث‭ ‬الكتابى‭ ‬المسجل‭ ‬على‭ ‬الأيقونة،‭ ‬كذلك‭ ‬الأيقونات‭ ‬موجودة‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬بالكنائس‭ ‬لإشعال‭ ‬الشموع‭ ‬أمامها،‭ ‬وتشفع‭ ‬الناس‭ ‬بالقديسين‭ ‬الذين‭ ‬تمثلهم‭. ‬يضاف‭ ‬لذلك‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الأيقونات‭ ‬موجودة‭ ‬فى‭ ‬الكنائس‭ ‬كشرح‭ ‬صامت‭ ‬لبعض‭ ‬أحداث‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس،‭ ‬أو‭ ‬حياة‭ ‬القديسين‭. ‬كما‭ ‬توجد‭ ‬بالكنائس‭ ‬القبطية‭ ‬صلوات‭ ‬مرتبطة‭ ‬بأيقونات‭ ‬معينة‭ ‬فى‭ ‬مناسبات‭ ‬بعينها،‭ ‬خاصة‭ ‬تلك‭ ‬المعروفة‭ ‬باسم‭ ‬الدورات،‭ ‬مثل‭ ‬دورة‭ ‬عيد‭ ‬الصليب‭ ‬أو‭ ‬دورة‭ ‬الشعانين،‭ ‬وفيهما‭ ‬يتحرك‭ ‬الكاهن‭ ‬ليطلق‭ ‬البخور‭ ‬فى‭ ‬أرجاء‭ ‬الكنيسة‭ ‬وأمام‭ ‬أيقونات‭ ‬بعينها،‭ ‬وأمام‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬يتلو‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬صلوات‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالعيد‭ ‬وصاحب‭ ‬الأيقونة،‭ ‬وفى‭ ‬الكنائس‭ ‬القبطية‭ ‬المعاصرة‭ ‬هناك‭ ‬حامل‭ ‬الأيقونات،‭ ‬المعروف‭ ‬باسم‭ ‬الحجاب،‭ ‬وتوزع‭ ‬عليه‭ ‬الأيقونات‭ ‬تبعًا‭ ‬لترتيب‭ ‬دقيق‭ ‬يبدأ‭ ‬بمنظر‭ ‬الصلب،‭ ‬وإلى‭ ‬جواره‭ ‬يوحنا‭ ‬تلميذ‭ ‬المسيح‭ ‬والسيدة‭ ‬العذراء،‭ ‬أسفله‭ ‬منظر‭ ‬العشاء‭ ‬الأخير‭ ‬للمسيح‭ ‬مع‭ ‬التلاميذ،‭ ‬ثم‭ ‬التلاميذ‭ ‬أنفسهم‭ ‬على‭ ‬الجانبين،‭ ‬وإلى‭ ‬جوار‭ ‬باب‭ ‬الهيكل‭ ‬توجد‭ ‬أيقونتان‭ ‬ثابتتان‭ ‬للسيد‭ ‬المسيح‭ ‬وأمه‭ ‬العذراء‭ ‬مريم،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الكنيسة‭ ‬القبطية‭ ‬لها‭ ‬طقوس‭ ‬تتلى‭ ‬فيها‭ ‬صلوات‭ ‬طويلة‭ ‬تنتهى‭ ‬بدهان‭ ‬الأيقونات‭ ‬بالزيت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تكريس‭ ‬تلك‭ ‬الأيقونات‭ ‬للكنيسة‭ ‬فيما‭ ‬يُعرف‭ ‬بطقس‭ ‬التدشين‭ ‬الذى‭ ‬يترأسه‭ ‬الأب‭ ‬البطريرك‭ ‬أو‭ ‬الأسقف‭ ‬فقط‭.‬

لكن‭ ‬الملاحظ‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬حروب‭ ‬الأيقونات‭ ‬التى‭ ‬عُرفت‭ ‬فى‭ ‬الغرب،‭ ‬منذ‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬حتى‭ ‬منتصف‭ ‬التاسع،‭ ‬فقد‭ ‬شاعت‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬فكرة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬تكريم‭ ‬الأيقونة‭ ‬هو‭ ‬ارتداد‭ ‬للوثنية،‭ ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬قرارات‭ ‬للحكام‭ ‬البيزنطيين‭ ‬ضد‭ ‬صناعة‭ ‬الأيقونة،‭ ‬بل‭ ‬جمعت‭ ‬الأيقونات‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الكنائس‭ ‬وحرقت‭ ‬ودمرت‭ ‬بعنف،‭ ‬وكانت‭ ‬عوام‭ ‬الناس‭ ‬ترفض‭ ‬تلك‭ ‬الأفكار،‭ ‬وعرف‭ ‬هذا‭ ‬الجدل‭ ‬الفكرى‭ ‬مع‭ ‬النزاع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬بسببها‭ ‬بحرب‭ ‬الأيقونات‭ ‬أو‭ ‬حركة‭ ‬اللا‭ ‬أيقونة‭. ‬والكنائس‭ ‬الغربية‭ ‬عانت‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬عشرات‭ ‬السنين،‭ ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬نفسه‭ ‬لم‭ ‬يؤثر‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬بل‭ ‬الغالب‭ ‬أن‭ ‬تزيين‭ ‬الكنائس‭ ‬بالأيقونات‭ ‬وكذلك‭ ‬الرسوم‭ ‬الجدارية‭ ‬كان‭ ‬يجرى‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬وساق،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬مصر‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬العرب‭ ‬ومنعزلة‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬الصراع‭ ‬وتلك‭ ‬القرارات‭..‬

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة