رفعـت رشـاد
رفعـت رشـاد


يوميات الأخبار

صناعة المقال السياسى

رفعت رشاد

الأربعاء، 13 يناير 2021 - 07:04 م

المقال السياسى يستبعد اللغة العاطفية فى محاولته جذب القارئ أو التأثير عليه ولا يلجأ إلى المبالغة أو توجيه القارئ بصورة مباشرة أو استخدام أسلوب الخطابة المسرحية أو السعى إلى الإقناع بالتخويف أو إطلاق الاتهامات.

يدهسنا الزمان بسرعته فما نكاد نستقر على أمر حتى نجده ماضيا. لا تفلت الصحافة من دهس الزمان وسرعة تطور الحياة. ولما كانت الصحافة فى زمن مضى مرآة المجتمع وعلم الرأى العام وقائدة الجماهير، كان المقال السياسى من معالمها البارزة. كانت الصحف تحرص على استقطاب الكبار من كتاب المقال السياسى لتزيين صفحاتها الأولى لجذب القراء والتأثير فيهم فتحقق مرامها من زيادة فى التوزيع ووفرة فى البيع والعائد المالى. إيقاع الحياة السريع لا يتيح كثيرا الآن مكانة للمقال السياسى. يفتقد القراء لمقال يكشف لهم الخفايا والأسرار ويتيح فهم الحوادث ويساعدهم على سبر أغوار الحقائق.

للمقال السياسى متعة فى قراءته فهو مفتاح الوعى وبدونه ينخفض الوعى السياسى، وبخلافه، لا تعوض الوسائل الأخرى للمعرفة فى هذا المجال غيابه خاصة لو كان كاتب المقال ممن يملكون ناصية القلم ويتسلحون بعمق العلم والثقافة ليكون باستطاعتهم إتقان علم وفن كتابة المقال السياسى. يزخر تاريخ الصحافة بكتاب تركوا بصماتهم فى أذهان القراء وابتدعوا لأنفسهم أسلوبا يتعرف عليه القراء فور الإطلاع عليه. والمقال السياسى يستبعد اللغة العاطفية فى محاولته جذب القارئ أو التأثير عليه ولا يلجأ إلى المبالغة أو توجيه القارئ بصورة مباشرة أو استخدام أسلوب الخطابة المسرحية أو السعى إلى الإقناع بالتخويف أو إطلاق الاتهامات.

كما أن الكاتب يسعى للتفسير الموضوعى للقضية التى يطرحها والوصول إلى نتائج مجردة بمخاطبة العقل باستخدام معلومات أو بيانات أو دراسات وعرض فكرته بأسلوب راقٍ يمتع به قراءه. المقال السياسى يكون ذا بنية لغوية قوية مترابطة ومتناغمة فى جملها وكلماتها وذا تكوين منطقى يتقبله العقل. الحديث عن المقال السياسى يطول، أتمنى أن نستمتع بمقالات سياسية تعيد إلى الصحافة عمودا أساسيا من أعمدتها.

 رشاد كامل

لو أتينا على ذكر مجلة القلوب الشابة والعقول المتحررة "صباح الخير" لوقفنا فى محطات تمثل رؤساء التحرير الذين تولوا مسئوليتها. بالطبع أحمد بهاء الدين المؤسس الذى خلق بمساندة السيدة روز اليوسف والصحفى الكبير إحسان عبد القدوس مجلة تحمل طابعا صحفيا غير مسبوق. مجلة فرضت ذوقها وأسلوبها المهنى والفنى على سوق الصحافة خاصة بين الشباب الذين صدرت فى الأساس من أجلهم. تميزت المجلة التى صدرت فى الخمسينات لكنها مازالت تحمل ملامح الشباب، بفيض كبير من رسوم الكاريكاتير جعل منها مدرسة فى هذا المجال، ومن المدرسة تخرج وكبر نجوم فى عالم الكاريكاتير بتنوع مدارسهم وأساليبهم. وبدون المرور على بقية أسماء الأساتذة رؤساء تحرير صباح الخير وكلهم عمالقة أمتعونا بما قدموه من فنون صحفية، أتجاوز ذكر الأسماء حتى لا نقع فى خطأ النسيان. لكن أتحدث هنا عن زميل مازال شابا مثل مجلته، هو رشاد كامل.

أعترف بأننى من المعجبين بصحافة وكتابة وأسلوب رشاد كامل. أقر بأنه من نسل العمالقة السابقين وأنه طليعى فى اللاحقين. استطاع رشاد كامل أن يحشد ذخيرته الثقافية والمهنية ليؤرخ للصحافة بشكل عام ولمؤسسة روز اليوسف العريقة بشكل خاص. نكاد نفتح صفحة رشاد فى أى مجال سواء ورقيا أو إليكترونيا لكى نعرف تاريخ وأخبار روز اليوسف وصباح الخير. قراءة رشاد كامل الصحفى المؤرخ تنقل مشاعرنا كصحفيين صاروا من القدامى إلى عالم الصحافة الحقيقى الساحر الذى حلمنا به فى شبابنا وعشنا جزءا بسيطا منه. يملك العزيز رشاد كامل قلما يقطر عذوبة وسلاسة ويقدر من خلاله أن يصور لخيالنا كل ما هو جميل فى مهنة صاحبة الجلالة.

أحسد رشاد كامل على قدراته وجهده فى القراءة وتوظيف ثقافته لتقديم أعمال غزيرة فى المقال والكتاب والتأريخ السلس للمهنة. أحسبه من جيل يمثل ثمالة المهنة بحلاوتها ولذة مذاقها. أثبت رشاد أن النجومية واللمعان لا يرتبطان بمنصب يتولاه أو سلطة يتنفذها وإنما بجهد يبذل وثقافة تنهل وإيمان بما يفعل وثقة فى ذوق قارئ ينتظر الراقى من الأعمال.

 ضمير السباك

فقد العامل أو الحرفى المصرى كثيرا من سمعته بسبب سلوك معظم أبناء الحرف غير الملتزم. ليست المرة الأولى التى أشكو فيها من حرفى دخل بيتى أو حرفى لم يدخل بيتى. فى البداية تحدث مشكلة ما فى مرافق البيت. أتصل بحرفى سواء سباكا أو كهربائيا أو غيرهما. لكن الحرفى المتدين بطبعه حافر الزبيبة الكبيرة على جبهته يخلف المواعيد وغالبا لا يرد على الاتصال وربما يحضر للمعاينة وإعداد المقايسة وبعدها يمارس الاختفاء وفى النهاية لا يأتى الحرفى رغم وعوده ومواعيده.

لو حضر الحرفى فهو يمارس الخداع حتما سواء بكلام "مجعلص" عن حالة الكهرباء أو السباكة. ولنتكلم عن السباكة حيث عانيت ومعى سكان العمارة من مشكلتها. يبدأ الحرفى بالكلام المجعلص ويبدى أسفه أن الحرفى الذى نفذ أعمال السباكة الموجودة "ماعندوش ضمير" ويعدد أسباب عدم الضمير تلك.. وإذا أبديت قلقى على موقف السباكة فى الشقة يسارع ليطمأننى ويؤكد أنه سيصلح الأمور وستعود الأحوال أفضل مما سبق وعلى أحسن مستوى. أحاول الاطمئنان وأراقب الحرفى الذى يقدم مطالبه الكثيرة بدءا من شراء قطع جديدة وما يلزمها وحتى تحديد المقابل المالى للعملية المهمة، وبدون جهد كبير فى المساومة أرضخ لما يطلبه لكى أحل مشكلة غرق الشقة فى المياه أو تأثير المياه على الجيران، وأمنى نفسى بأن الأمور ستكون أفضل بوجود هذا الحرفى صاحب الضمير. لكن بعد أن ينهى الحرفى المؤمن بطبعه والذى لا يغش فى حرفته، تعود الأمور تدريجيا وبسرعة فائقة إلى ما كانت عليه وتسرب المياه من الصنابير ويفك لحام صرف الحوض وتهدد المياه بإتلاف الباركيه وكل ما يمكن أن تطاله.

صارت أخلاق الحرفى المصرى غير قابلة للتقويم وصرنا نتمنى وجود حرفى سورى فى منطقتنا ينجدنا وينجز أعماله بذمة وإخلاص وإتقان، وبمقابل مالى لا يتحدد بناء على طمع وجشع.

 البطالة خطر داهم

أهدانى الكاتب الصحفى عصام عبد الحميد كتابه الجديد "البطالة البوابة الذهبية لتجارة الجنس". الكتاب يطرح مشكلة البطالة التى تتزايد فى المجتمع وتمثل خطرا كبيرا. سطر عبد الحميد كتابه بأسلوب التحقيق الصحفى واستخدم دراسات وقام باستطلاعات والتقى بمصادر وفى النهاية خرج بكتابه الذى يمثل تنبيها وتحذيرا من أثر مشكلة البطالة على مصر. عاد بنا الكاتب إلى الجذور الأولى للمشكلة والتى بدأت مع نهايات الستينات من القرن الماضى حيث قررت الدولة ضمان التعيين للخريجين وهو ما شجع ودفع مئات الآلاف من الشباب لاستكمال تعليمهم خاصة أن تكاليف التعليم كانت مجانية. وامتد التزام الدولة بتعيين الخريجين فى السبعينات والثمانينات ولكن لم تستطع المؤسسات الإنتاجية توفير فرص العمل مما جعل مؤشر البطالة يميل كثيرا ناحية الزيادة المضطردة. الزيادة فى البطالة اضطرت كثيرا من الفتيات للبحث عن فرصة عمل من خلال الإعلانات التى تنشر بالصحف عن مكاتب لتشغيل الفتيات فى مهن كالسكرتارية وغيرها ولكن هذه الإعلانات كانت خادعة وتخفى نوايا سيئة لأشخاص استغلوا مشكلة البطالة للتوقيع بالفتيات واستغلالهن فى أعمال منافية للآداب بعد التغرير بهن وتوريطهن بما لا يسمح لهن بالفكاك. الكتاب يتناول قضية مهمة مستخدما أسلوب التحقيق الصحفى الذى يكشف جذور وكواليس المشكلة.

 فاطمة مصطفى

أفتقد الزميلة فاطمة مصطفى الكاتبة الصحفية بالأخبار. أدعو لها بتمام الشفاء بعدما تعرضت لوعكة صحية منذ فترة. كانت فاطمة إحدى تلميذات الكاتب الكبير مصطفى أمين. اكتسبت مهاراتها الصحفية من تعاليمه التى لقنها لها ولبعض الزملاء الآخرين. كانت تحرص دائما على التعبير عن امتنانها لعملاق الصحافة لأنها تعلمت عليه فنون الكتابة. ألفت فاطمة كتابا من أهم الكتب فى رأيى عن العلاقات الجنسية بين الزوجين بعنوان "الطلاق يبدأ من الفراش". صدر الكتاب منذ سنوات لكن أعيد طبعه أكثر من مرة فهو مرجع مهم للمقبلين على الزواج وللمتزوجين بالفعل. الكتاب يشمل فى فصوله وصفحاته التى تزيد على 140 صفحة رصدا لواقع المشاكل التى تابعتها فاطمة بطريقة مباشرة فى المحاكم وعادت لكى تدرسها على الطبيعة مستعينة بمعالجة الإسلام لمسألة الزواج ورأى الشرع فى المشاكل التى تحدث بين الزوجين ورأى الطب فى أمور يساعد حلها على وجود حياة زوجية سعيدة. أدعو معى لأن يمن الله على فاطمة بالشفاء.

 رسالة طه حسين

خلال قراءتى كتابا عن د.طه حسين صادفت رسالة كان بعث بها إلى رئيس الجامعة المصرية عام 1914 بشأن بعثته إلى فرنسا للدراسة. لفت انتباهى طبيعة الأسلوب الذى كتبت به الرسالة والرد الذى أرسلته الجامعة. كتب طه حسين يقول:

"صاحب العطوفة رئيس الجامعة المصرية. قد عرضت منذ حين على الجامعة المصرية أن توفدنى إلى أوروبا لأدرس فيها التاريخ والفلسفة. فكلفتنى تعلم الفرنسية. ثم قبلت الطلب وعلقت تنفيذه بنيلى شهادة العالمية. وإذ كنت قد فرغت من هذا كله بحمد الله فلم يبق إلا أن يحدد مجلس الإدارة موعد السفر وتكتب الجامعة بذلك لأعد له عدته. لذلك رفعت إلى عطوفتكم هذا الطلب راجيا أن تتفضلوا بقبوله ولكم الشكر أفندم. طه حسين 18 مايو 1914.

كان طه حسين فى ذاك الوقت بعمر 25 عاما وكتب رسالته بهذا الأسلوب الراقى بدون خطأ إملائى أو نحوى متبعا طريقة الكتابة فى ذاك الوقت.. "عطوفتكم".. "أفندم" ولنقرأ رد رئيس الجامعة على الشاب طه حسين طالب البعثة.

كتب يقول: "حضرة المحترم الدكتور طه حسين. اطلع مجلس الإدارة على العريضة المقدمة من حضرتكم فقرر انضمامكم إلى إرسالية الجامعة بباريس لدراسة التاريخ وأن يكون سفركم فى الأسبوع الأول من شهر أغسطس القادم. وهذا إخطار لحضرتكم بذلك واقبلوا وافر تحياتى. رئيس الجامعة المصرية".

ضمت الجامعة المصرية طه حسين الذى عاد باعثا للنهضة الفكرية وصار الجسر الذى وصل بين الماضى والحاضر.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة