جمال فهمي
جمال فهمي


من دفتر الأحوال

عندما يفسد الجمهور

جمال فهمي

الخميس، 14 يناير 2021 - 07:59 م

 مشهد اقتحام الآلاف من أنصار الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته دونالد ترامب الأسبوع الماضى، مبنى الكونجرس، وما سبق هذا المشهد الشاذ من تصويت أكثر من 70 مليون أمريكى للرئيس الأكثر جهلا وعنصرية وانحطاطا فى تاريخ هذا البلد العملاق.

ومع أن هذه الملايين لم تستطع إنقاذ ترامب من السقوط المدوى، غير أن عددها الضخم يشى بظاهرة مرعبة سبق أن نوهت عنها فى سطور نشرت فى هذا المكان قبل نحو أربع سنوات، وأقصد ظاهرة "فساد الجمهور".

لقد كتبت وقتها أنه من المشهور فى الإبداع عموما وفى الأدب والرواية خصوصا (فضلا طبعا عن الفلسفة)، تناول ورسم معالم "المدينة الفاضلة" أو تلك الـ"يوتوبيا" utopia التى تنعم فيها الجماعة البشرية بحياة مثالية تظللها قيم الحق والخير والجمال والحرية.. إلخ.

لكننى أظن أن كثيرين ربما لا يعرفون أن فى الأدب الحديث والمعاصر هناك أعمالا روائية كثيرة، كان موضوعها عكس اليوتوبيا تماما، أى ما يسميه النقاد أدب "الديستوبيا" dystopia أو "المدينة الفاسدة" حيث المجتمع والجمهور نفسه العائش فيها انحط وفسد وهبط إلى قاع مستنقع بؤس شامل، اقتصادى واجتماعى وأخلاقى وعقلي.

علينا أن نتذكر دائما أن هتلر وموسوليني ودونالد ترامب، فضلا عن عصابة الإخوان عندنا، كل هؤلاء صعدوا إلى سدة الحكم، ليس عبر انقلابات عسكرية، وإنما بأصوات جمهور ناخبين بائس ومحبط...

هكذا كنت كتبت، قبل أن أقطف وقتها من بستان الإبداع الإنسانى رواية نُشرت فى ثلاثينات القرن العشرين للروائى الأمريكى هوراس ماكوى حملت عنوان "أنهم يقتلون الجياد.. أليس كذلك؟"، لقد ذاع صيت هذه الرواية وطبقت شهرتها الآفاق بعدما قام المخرج الكبير سيدنى بولاك (1934 ـ 2008) بنقلها إلى الشاشة الفضية فى فيلم بالأسم نفسه.

الحكاية فى الفيلم كما فى الرواية، تقدم نموذجا للفساد الخلقى الجماعى، إذ تبدأ بإعلان عن مسابقة للرقص جائزتها 1500 دولار تمنح لمن يبقى صامدا يرقص حتى النهاية فى حفلة طويلة أقامها منظموها فى حلبة دائرية يحيط بها جمهور مهووس جاء ليتفرج على متسابقين غلابة يحلمون بالحصول على مبلغ الجائزة، وفى سبيل تحقيق هذا الحلم لايأبهون بأنفاسهم التى تتقطع وقلوب بعضهم التى تتوقف فعلا من فرط الإجهاد، ويبقون يعاندون ويقاومون حتى الموت.

فى خضم هذا الكفاح العبثى المحموم ووسط الصراخ والضجيج الذى يحدثه جمهور المتفرجين المخمورين بلذة الفرجة على معاناة بشر مثلهم يسقطون على المسرح واحدا تلو الآخر، يقرر النصابون المنظمون للمسابقة تغيير شروطها، وإضافة شرط جديد هو أن يتزوج كل متسابق رفيقته فى الرقص، لكن بطلة الرواية (والفيلم) ترفض هذا الشرط وتعتبره إمعان فى الإهانة والذل، لاسيما وأن مسؤول الحفل كان أبلغها وباقى زملائها بأنه سوف يتم خصم نفقات المسابقة من مبلغ الجائزة.. يعنى باختصار، لن يتبقى شيئا يستحق كل هذا الذل وكل تلك المعاناة.

تنسحب البطلة ورفيقها من الحلبة وهى فى حال رهيبة من الحزن واليأس، فلقد راهنت على ربح هذا السباق ونسجت خيالات وأحلام رائعة، أن تخرج من فقرها وعوزها بالمبلغ الذى ستحصل عليه فى نهايته، لكن الأحلام كلها تبددت وأجهضت، لهذا تصارح رفيقها فى العذاب الراقص، أنها لم تعد تريد الحياة، ثم 4 تعطيه مسدسا لكى يقتلها.

يحاول الشاب من دون حماس كبير إقناعها بالعدول عن الموت، فتقول له: يا عزيزى كل هذا الصراع لا جدوى منه، أنهم عادة يقتلون الجياد المسكينة العاجزة من أمثالنا، فهيا اقتلنى.. هنا يتذكر البطل مشهد جده وهو يقتل حصانه العاجز، فيضغط على الزناد وتنطلق رصاصة إلى رأس زميلته فتسقط ميتة.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة