أسامة عجاج
أسامة عجاج


فواصل

العراق يمرض ولا يموت

أسامة عجاج

الأحد، 17 يناير 2021 - 06:55 م

أيام فقط فصلت بين تصريحين لكل من رئيس الجمهورية فى العراق برهم صالح، ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمى، كشفا معًا عن حجم الأزمة السياسية التى يواجهها العراق، ولخصت ما وصل إليه هذا البلد الضارب فى التاريخ، وصاحب العديد من الحضارات والتى ابدعت فى الأدب والفن والثقافة والتجارة، ومنها البابلية والسومرية والآشورية وغيرها، رئيس الوزراء تحدث على ان الأزمة السياسية مرتبطة بثلاثة قضايا، هى السلطة والمال والفساد، وأشار إلى معاناة العراق من التأسيس الخاطئ منذ عام ٢٠٠٣،الذى يهدد النظام السياسى والاجتماعي، كاشفا عن استحالة استمرار الوضع، أما الانهيار والدخول فى فوضى عارمة، أو البدء فى عملية قيصرية للإصلاح، وجاءت تصريحات الرئيس برهم صالح فى نفس الاتجاه، عندما أكد فشل منظومة الحكم منذ ٢٠٠٣،داعيا إلى وجود حاجة ماسة لعقد سياسى جديد، يؤسس لدولة قادرة ومقتدرة وذات سيادة كاملة، وقد يكون عام ٢٠٠٣ بداية الأزمة الأخيرة فى العراق، الا ان قراءة متأنية لتاريخ البلد، يكشف ان العراق تعرض خلال الأربعين عامًا، إلى ثلاثة زلازل وتوابعها، لا قدرة لدولة أخرى على تحملها، والحمد لله على انه مازال صامدا فى مواجهة تلك الرياح العاتية، والأمر يحتاج إلى المزيد من التفاصيل.
الزلزال الأول: الحرب العراقية الإيرانية سبتمبر ١٩٨٠،والتى استمرت ثمانى سنوات، ووصل خسائرها ما يقرب من مليون قتيل من الجانبين، مع خسائر مادية وصلت فى تقديرات محايدة إلى ٤٠٠ مليار دولار، وتعتبر من اطول النزاعات العسكرية وأكثرها دموية، وأثرت على مجمل الوضع فى المنطقة، وكانت بداية ما جرى فى العراق بعد ذلك، ولكنها نجحت مؤقتا فى وقف مخطط إيران للتوسع فى المنطقة.
الزلزال الثانى: غزو العراق للكويت، حيث ابتلع صدام حسين الطعم من دول كبرى، والتى دفعته دفعا إلى ذلك القرار الكارثي، والذى كان الخطوة الأولى فى التخلص منه شخصيًا، ويكفى ان أرصد هنا نموذجا واحدا لخسائر العراق من هذه الحرب، وهى التعويضات التى قررتها الأمم المتحدة للكويت، وصلت إلى اكثر من ٥٢ مليار دولار التزم العراق بدفعها ومازال يفعل،، ناهيك عن فرض حصار اقتصادى وجوى على العراق والمعاناة التى عاشها العراقيون.
الزلزال الثالث وتوابعه الذى مازال يعيش فيه العراق هو: غزو امريكا للعراق فى عام ٢٠٠٣، الذى كرس الطائفية والمحاصصة السياسية، وهى أمور لم يعرفها العراق من قبل، وهذا هو اولى تبعاته، أما ثانيها فهو قرار حل الجيش العراقي، بذريعة انه ينتمى إلى حزب البعث، فعجزت بقاياه عن الصمود أمام داعش، فنجح فى السيطرة على ثلث الأراضى العراقية،مما سمح للأحزاب السياسية بتشكيل ميلشيات أو جماعات مسلحة خاصة بها،، فظهر الحشد الشعبى ورغم إصدار قانون يمنع وجود اجنحة عسكرية للأحزاب، وضم الحشد الشعبى إلى المؤسسة الأمنية والعسكرية، الا انه لم يتم تنفيذه على الأرض، وثالثها هو انتشار الفساد والأرقام عديدة، سأتوقف عند واحد منها، حيث صدر عن هيئة النزاهة العراقية معلومات، تحدثت عن وصول الفساد خلال خمس سنوات بعد الغزو إلى ٢٥٠ مليار دولار، أما رابع التوابع فهى تحويل العراق إلى ساحة مواجهة إقليمية بين واشنطن وطهران، بعد نهاية «شهر العسل» بين الطرفين الذى شهد تقاسم النفوذ إلى الصراع عليه.
العراق بإمكانياته الذاتية وقدراته الاقتصادية وشعبه، يستطيع ان ينهض من جديد، فهو مريض، ولكنه يملك مقومات الشفاء والتعافى من كل أمراضه السياسية والاقتصادية والطائفية،وفقا لمشروع سياسى طرحه كل من رئيس الجمهورية برهم صالح بدعوة لحوار وطنى شامل لا يستثنى احدا،ورئيس الحكومة مصطفى الكاظمى،الساعى إلى استعادة هيبة الدولة، والسيطرة على حالة الانفلات فى ملكية السلاح، وقصره على الدولة، دون الجماعات المسلحة التابعة لأحزاب ومكونات سياسية عراقية، والابتعاد بالعراق على ان يكون ساحة مواجهة إيرانية أمريكية، واستعادة التوازن فى علاقات العراق الخارجية، أما مشاكل العراق الأخرى فهى يسيرة مقدور عليها وقد وضع البنك الدولى فى سبتمبر الماضي، روشتة للعلاج تتضمن الحفاظ على السلام والاستقرار بمفهومه الشامل، خاصة فى بعده السياسي، باعتباره أكبر محرك قوى للنمو، مع تنويع الإمكانيات التصديرية وتنويع النشاط الاقتصادي، والنهوض بالاقتطاع الزراعى.
ولعل الانتخابات النيابية فى يونيو القادم، قد تكون البداية لذلك، والكلمة فى النهاية للناخب العراقى.

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة