أقدم مصانع السكر في الصعيد.. شاهد على «جريمة الريحاني»
أقدم مصانع السكر في الصعيد.. شاهد على «جريمة الريحاني»


حكايات| أقدم مصانع السكر في الصعيد.. شاهد على «جريمة الريحاني»

أبو المعارف الحفناوي

الأحد، 17 يناير 2021 - 07:45 م

 

ملحمة عمالية تحرك الجبل اتخذت من مصانع السكر بنجع حمادي موقعًا لها.. هنا أقدم مصانع الصعيد، والتي تنتج السكر بعد عصر القصب، مع كل موسم يبدأ في يناير وينتهي في مايو.

 

مصنع السكر تم إنشاؤه في عهد الخديوي إسماعيل، إلا أنه تم افتتاحه في عام 1897، ولذلك يعد من أقدم المصانع في الصعيد، والذي بدأ موسمه رقم 124 في تاريخه منذ أيام.

 

لمصنع سكر نجع حمادي، العديد من الأحداث والعادات السنوية، منها ذبح عجلين قبل تشغيل العصير، وتوزيع لحومهما على العمال، لفك النحس وحفل سنوي لتكريم حفظة القرآن تزامنًا مع الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.

 

 

ولعل كثيرون لا يعرفون، عن تاريخ هذا المصنع العريق، الذي ساهم كثيرًا في سد احتياجات المصريين من السكر، حتى في ظل الأزمات، وكان له دورًا كبيرًا في مساعدة المزارعين وأيضًا العمال، فضلًا عن ملكية المصنع لقرابة 400 فدان بجبال المناصرة، يعتزم فيها إنشاء مصنع للورق.

 

اقرأ أيضًا| الجنرال «شيرمان».. أقدم مخلوق حي على وجه الأرض

 

أما الأمر الذي ما زال يلقي بظلاله، في قلوب كبار السن، وبعض الشباب المهتمين، هو أن نجيب الريحاني، أحد الممثلين الكبار في تاريخ المصنع، عمل هنا لمدة قاربت 5 سنوات، بدأها في 1910، بوظيفة كاتب حسابات، كان يتقاضى فيها 16 قرشًا يوميًا، بما يعادل 4 جنيهات شهريًا.

 

الريحاني قدم إلى نجع حمادي، بعد أن بحث عن العمل، حيث اكتفى بالحصول على البكالوريا، بعد تدهور حالة والده التجارية، والذي كان يعمل كتاجر للخيول، وتم تعيين الريحاني، بمقر الشركة في عام ١٩١٠م في عهد فيكتور هيرري، رئيس مجلس إدارة شركة السكر، الذي تولي الإدارة في الفترة من 1910 ـ 1939، وكان عمره آنذاك 21 عاما.

 

وعمل بوظيفة كاتب حسابات بخزينة المصنع، مقابل ١٦ قرشا يوميا أمضى بها ٧ شهور فقط ليترك العمل بعدها، وكان يقيم بفندق العزاب في مستعمرة الشركة؛ حيث كان الأكل والشرب وأجر الغرفة التي يقيم بها على حساب المصنع.

 

مذكرات الريحاني

 

لم تخل مذكرات نجيب الريحاني، التي كتبها، عن قصته بسكر نجع حمادي، والتي كان من أبرزها، فضيحته التي تسببت في فصله من الشركة، فيقول الريحاني : رغم أن الوظيفة لم تكن طموحه المثالي، إلا أنها وفرت له راتبا جيدا يعينه على تكاليف الحياة، لذلك كان يسعى بشكل جاد لإثبات كفاءته داخل الشركة، وبالفعل أظهر نشاطا ملحوظا، ودام الحال على هذا سبعة أشهر، حتى ظهر ما عكر صفو حاله، حيث فصل نجيب من الشركة بسبب واقعة سردها بنفسه في مذكراته بخجل واستحياء.

 

ويروي: «كان باشكاتب الشركة رجلا مسنا اسمه (عم. ت) وكان رحمه الله على نياته، وكان مسكني مواجها لمسكنه وقد ولدت هذه الجيرة بيننا اتصالا وثيقا».

 

ويتابع الريحاني: «كانت السيدة حرم العم (ت) على جانب كبير من الجمال، وكانت في سن تسمح لها بأن تكون ابنة للعم (ت) وليس زوجة له، وفي ليلة من ليالي الشهر السابع له في الشركة، اضطر الباشكاتب إلى السفر لمصر في مهمة، فحدث أن اتفق هو وزوجة العم (ت) على ألا تغلق السيدة بابها الخارجي، حتى يستطيع المرور في منتصف الليل، وتم الترتيب كما اتفقا، وذهبت السيدة إلى مخدعها بعد أن تظاهرت أمام خادمتها أنها أغلقت الأبواب، لكنه لا يدري أي شيطان دفع بهذه الخادمة اللعينة إلى القيام بعد ذلك بإحكام القفل من الداخل».

 

 

ويمضي في حكايته: «حان موعد اللقاء فتسللت، وما أشد دهشتي حين وجدت الباب موصدا، فاتجهت إلى منفذ في السقف (منور) تدليت منه، ولكن الخادمة استيقظت في اللحظة نفسها، وظنتني لصا يسطو على المتاع، فصرخت بصوتها المنكر، واستيقظ الجيران ووفد الخبراء وألقي القبض علي، وكانت فضيحة، واكتفوا عقبها بفصلي من عملي، فعدت إلى محلي المختار في قهوة الفن بشارع عبدالعزيز».

 

لم يعد لنجيب مجال في البيت بعد فصله من شركة السكر، لأن والدته كانت قد ضاقت به بسبب سعيه الدائم للفن وعدم استقراره في الوظائف، فأغلقت بابها دونه ليقضي 48 ساعة لم يذق خلالها للأكل طعما، لا زهدا منه ولا أسفا على شيء، ولكن لأنه لم يجد وسيلة يكتسب بها ثمن لقمة العيش.

 

بعد فصلي من العمل أقمت بطنطا مع إحدى الفرق الفنية، وإذا في يوم بوالدتي تطرق الباب، وكان سبب والحضور المفاجئ لها، الذي لم أكن أتوقعه، أنه وصل خطاب لي بعنوان المنزل في القاهرة من شركة السكر بنجع حمادي تدعوني فيه للعودة لاستئناف عملي بها، فجاءت لي بالخطاب لتقنعني بالعودة وهجر التمثيل.

 

وربما هنا يدور سؤال: كيف تطلب شركة من موظف طرد منها بسبب فضيحة أن يعود مجددا؟.. يجيب الريحاني عن هذا في مذكراته قائلا: «وقع خلاف بين موظفي الشركة والعم (ت) استحكمت حلقاته، ولكنهم لم يتمكنوا منه، ولم يجدوا سببا مبررا لفصله من عمله، فهداهم تفكيرهم إلى استعمال الحيلة كي يحملوه على الاستقالة، وكانت الحيلة هي أن يعيدوا الريحاني إلى عمله بالشركة، وعندها يضطر العم (ت) لهجر الشركة».

 

فرح الريحاني كثيرًا بذلك، قائلًا: «لم أتوان بعد الاضطلاع على خطاب الشركة في جمع أشيائي والعودة سريعا للقاهرة، ومنها إلى نجع حمادي، حيث استلمت عملي وأنا اقسم أني لن أعود إلى التمثيل مهما حدث، وعن علاقاتي بعم (ت) رأى الرؤساء أنه من باب النكاية فيه أن يجعلوه تحت رياستي وأن يكون من اختصاصي مراقبة عمله، لكن العم لم ييأس ولم يتبرم من تصرفاتي، فقررت أن أحسن معاملته وصرنا أصدقاء، واتجهت لإتقان عملي حتى نلت ثقة مدير الشركة ورؤسائي فارتفع مرتبي إلى ١٤ جنيها في الشهر».

 

ويحكي في مذكراته: «جئت إلى القاهرة بإجازة شهرين، ومعي 200 من الجنيهات الذهبية الصفراء، وكانت كل ما ادخرته في السنوات الماضية، ورحت أشاهد تمثيل جورج أبيض وأتوسع في الإنفاق هنا وهناك، كمن ينتقم من أيام الجفاف التي أمضيتها في الصعيد،

ولم تأت نهاية الإجازة إلا بعد أن أتت على آخر قرش أبيض من قروشي المدخرة للأيام السوداء، وأخيرا اقترضت أجرة القطار لنجع حمادي في الدرجة الثالثة». 

 

وبعد عودته بدأ يراوده الحنين للفن، فأمضى أيامه بنجع حمادي على هذا الحال وبداخله صراع بين البقاء في أقاصي الصعيد وبين حلم التمثيل بالقاهرة، ولم يجد سبيلا سوى الصبر والتنفيس عن نفسه بالتمثيل والبروفات الفنية بصحبة بعض الأصدقاء.

 

وفي عام 1914 جاء خطاب لنجيب في مكتبه، وإذ بالمفاجأة، حيث تم فصله من الشركة مرة أخرى، دون ذكر الأسباب هذه المرة، وعندها اضطر الريحاني للرحيل من نجع حمادي وفي جيبه مبلغ 70 جنيها، راتب آخر شهر له بالشركة، ليعود إلى القاهرة ويستأنف مشواره الفني بعد أنا أمضى بنجع حمادي قرابة 5 سنوات بدأت في 1910 وانتهت في 1914.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة