الملك فاروق يزور شركات عبود باشا التى تشكل امبراطورية كبيرة
الملك فاروق يزور شركات عبود باشا التى تشكل امبراطورية كبيرة


امبراطورية عبود باشا الذى شيد « الإيموبيليا» للأهلاوية.. بدأت من حمام شعبي

الأخبار

الأربعاء، 20 يناير 2021 - 07:58 م

إعداد : عاطف النمر 

ينتمى أحمد عبود باشا إلى جيل أصحاب الإمبراطوريات الاقتصادية الكبيرة فى العهد الملكي، ومن أبناء هذا الجيل : فرغلي باشا " ملك القطن "، وسيد ياسين " ملك الزجاج"، وإلياس أندراوس  " ملك البورصة ".. وآخرين، لكن أحمد عبود يختلف عنهم بأنه رجل عصامى بدأ مشواره من مجرد فتى يساعد والده فى حمام شعبى يمتلكه فى حى باب الشعرية، وأصبح فيما بعد يمتلك إمبراطورية ضخمة فى صناعة السكر والصناعات الكيميائية والورق والشحن والقطن والبناء، وبلغ حجم استثماراته فى العهد الملكى لما يزيد عن 100 مليون دولار، ورحلة أحمد عبود تستحق الالتقاط من كتاب الدراما لأنها جمعت بين الاستثمار والسياسة وعبقرية التخطيط والتنفيذ لرجل تحدى كل الصعاب وانتصر عليها، وقد ألمحت السينما إلى جوانب منحياته فى فيلم "شيء فى صدرى " المأخوذ عن قصة إحسان عبد القدوس.

تخرج أحمد عبود فى مدرسة المهندسخانة، وبعد تخرجه عمل بأجر خمسة جنيهات فى وابورات تفتيش الكونت الفرنسى " دى فونتارس " بأرمنت، وعمل بعد فترة مع أحد مقاولى الطرق والكبارى بفلسطين لتنفيذ بعض عمليات الجيش الإنجليزى، ثم تعرف إلى مدير الأشغال العسكرية للجيش الإنجليزى ونشأت بينه وبين ابنة الضابط الإنجليزى قصة حب انتهت بالزواج، وترك المهندس الشاب العمل مع المقاول واشتغل بالمقاولات بمساعدة الضابط الانجليزى والد زوجته الذى اسند إليه معظم أشغال الجيش الإنجليزى فى فلسطين ومدن القناة حتى تكون لديه رأسمال استطاع أن يشترى به معظم أسهم شركة " ثورنيكروفت " للنقل بالقاهرة، وأشترى حصة من أسهم شركة بواخر البوستة الخديوية.

استفاد احمد عبود من ظروف الحرب العالمية الثانية فحقق ثروة طائلة من أرباح أسطول السفن الذى يملكه، واشترى بجزء من الارباح معظم أسهم شركة السكر والتكرير التى كان يملكها رجل الأعمال البلجيكى "هنرى نوس"، وعندما مات هنرى أسندت إدارة الشركة إلى ابنه "هوج "، لكن عبود عضو مجلس إدارة الشركة أوعز لأصدقائه الإنجليز بتجنيد "هوج " الذى قتل فى الحرب أنفرد احمد عبود بشركة السكر واصبح رئيساً لمجلس إدارتها حتى تم تأميمها فى عام 1961، وكان لمدينة أرمنت عشق خاص عند احمد عبود، فاشترى تفتيش الكونت " دى فونتارس "−6000 فدان− واشترى قصره أيضا فى أرمنت واطلق عليه "سراى عبود" التى كانت أحد قصور الخديو إسماعيل الذى بناها لاستضافة إمبراطورة فرنسا " أوجينى "، واشترى المكان الذى بدأ فيه رحلته موظفاً صغيراً، بكل ما فيه من منشآت ومنازل ومخازن وحظائر بمبلغ 60 ألف جنيه، وسجل هذه الأملاك باسم ابنته الطفلة " مونا "، وبنى عبود مسجد أرمنت العتيق، وللاستمتاع بالأيام القلائل التى يقضيها مع زوجته وابنته، بنى حماماً للسباحة وملاعب للجولف والبولو والإسكواش والتنس.

واشترت شركة السكر هذا القصر من الحراسة بعد التأميم، ثم اشتراه مصطفى الزناتى أحد أبناء قرية الضبعية، وقد ترامت إمبراطورية عبود باشا الذى أصبح أغنى أغنياء مصر إلى دائرة السياسة والرياضة والسياحة، إذ كان يملك معظم أسهم شركة الفنادق المصرية، وشركات الأسمدة فى عتاقة والكراكات المصرية، وغيرها من شركات الصناعات الكيميائية، والتقطير، والغزل والنسيج التى أنشأها قرب نهاية أربعينيات القرن العشرين، وكتب فى هذه الفترة مقالاً بعنوان "كيف تصبح مليونيراً " قدم فيه خلاصة تجربته، وافتتح المقال بقوله : " ليس النجاح من الأسرار، ولكنه أولاً وقبل كل شيء توفيقٌ من الله، فقد تجتمع فى شخصٍ كل مؤهلات النجاح من شهاداتٍ وجاه وشخصية قوية، لكن سوء الحظ يلازمه فلا ينجح فى أى عملٍ يقوم به، بينما ينجح من هو أقل منه فى الكفاءة والجاه، وأضعف منه شخصية.

وبلغ من قوة نفوذ أحمد عبود باشا أنه أجبر طلعت باشا حرب مؤسس بنك مصر على الاستقالة من البنك الذى أسسه بعرقه وجهده فى 14 سبتمبر1939عندما اتفق مع فرغلى باشا ملك القطن على سحب ودائعهما من البنك بمعدل نصف مليون جنيه يومياً حتى بلغ السحب ثلاثة ملايين جنيه، وهددت حكومة حسين سرى−صديق عبود باشا−بسحب ودائع الحكومة فاضطر طلعت حرب للاستقالة حتى لا يهتز مركز البنك وترك إدارته لحافظ عفيفى طبيب الأطفال.

في 13 يناير 1944 أقام النادى الأهلى حفل شاى تكريماً لأحمد عبود باشا وعبد الحميد عبد الحق، بمناسبة تبرع كل منهما بثلاثة آلاف جنيه لإتمام إنشاء حمام السباحة بالنادى، ووقف رئيس النادى أحمد حسنين باشا−رئيس الديوان الملكى−وألقى كلمة استهلها بقوله : " إنى بعد أن حنيت رأسى للراحل الكريم جعفر والى باشا رئيس النادى الأهلى سابقاً، أرفع رأسى بالشكر للرجلين الكريمين :عبد الحميد عبد الحق وزير الشئون الاجتماعية السابق وأحمد عبود باشا "، ثم أشار إلى ما كان من اعتماد الوزير السابق وعبود باشا بالمساهمة فى إنشاء حمام السباحة بالنادى الأهلى، وقد تولى أحمد عبود باشا رئاسة النادى الأهلى لمدة 15 عاماً بدأت فى فبراير 1946 وانتهت فى 19 ديسمبر 1961، فاز فيها كلها بالتزكية، وكانت تلك الفترة من أزهى عصور النادى الأهلى، حيث حصل خلالها على تسع بطولات متتالية للدورى، وكان عبود باشا ينفق على النادى من جيبه الخاص رافضاً أية إعانة من الحكومة، وبنقوده ونفوذه اقتطع الجزء الكبير من نادى الفروسية ليطل النادى على كورنيش النيل، ومن شدة تعصبه للنادى الأهلى اشترط ان لا يسكن فى عمارة " الايموبيليا " اى ساكن يكون غير أهلاوى، وهى العمارة التى شيدها عام 1939 من 13 طابقاً فى شارع شارع شريف بوسط القاهرة، ومع ذلك سكنها عدد من الزملكاوية مثل ماجدة الصباحى، فهل أخفت عنه انها زملكاوية ؟

ويقول محمد حسنين هيكل فى كتابه " ثورة يوليو خمسون عاما " : " ولم يكن الملك فاروق وحده المصاب بالقلق لما آلت إليه الأحوال−بل كان هناك غيره أصيبوا بالأرق إلى جانب القلق، لأنهم أصحاب مصالح حقيقية فى مصر يخشون عليها ويحرصون على ضمانها، ولذلك كان اقترابهم من السياسة منطقياً، وفى الظروف الطارئة فإنه أصبح حيوياً، وكان أول هؤلاء هو المالى الكبير أحمد عبود باشا الذى كان يقول عن نفسه إنه " يلمس التراب فيحيله ذهباً "، غير أنه كان يعرف أن تحويل التراب إلى ذهب يحتاج إلى حماية، وقلت مرة لعبود باشا إنه رجلٌ يستحيل عليه أن يكون ملكاً لأنه لا يحوز المواصفات اللازمة، لكنه يحلم بمقدرة صنع الملوك لأنه يحوز المصالح المُلزمة، وذلك وضعٌ شديد الخطر على البلد وعليه أيضا، وقد سمعنى الرجل مطرقاً برأسه متأملا ".

في 15 أغسطس 1955، وقعت أول مواجهة بين الثورة والرأسماليين، وتم فرض الحراسة على شركة السكرالتى يمتلكها عبود باشا، وبعد صدور قوانين يوليو الاشتراكية عام 1961 آثر عبود الهجرة إلى أوروبا لإدارة أعماله بجزء من أمواله التى تمكن من تهريبها، وكانت كل بواخره فى عرض البحر ما عدا باخرتين فى ميناء السويس والإسكندرية، فأصدر تعليماته بسفر واحدة إلى جدة والأخرى إلى بيروت، ثم اتصل لاسلكياً بباقى بواخره فى عرض البحر بعدم العودة إلى الإسكندرية، واستطاع أن يحول أمواله السائلة بالبنوك إلى سويسرا، وسافر إلى إيطاليا ليستدعى بواخره ليبيعها هناك، ومارس نشاطه التجارى فى أوروبا، وحقق نجاحاً كبيراً كتاجر ومستشار اقتصادى، إلى أن توفى فى لندن فى يناير 1964 بعد أن هزمته أمراض القلب والكُلى، وتحول قصره فى الزمالك الذى شهد زفاف أبنته الوحيدة إلى كلية " الفنون الجميلة ".

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة