محمد عبد الوهاب فى شرفة منزله يتأمل النيل وعام مضى وآخر يجيء
محمد عبد الوهاب فى شرفة منزله يتأمل النيل وعام مضى وآخر يجيء


محمد عبد الوهاب يحاسب نفسه حساب الملكين !

الأخبار

الأربعاء، 20 يناير 2021 - 08:09 م

إعداد : عاطف النمر 

في الساعات القليلة التي تزحف بعمر العام إلى نهايته، أجلس إلى نفسي، أحاسبها حساب الملكين عما قدمته طوال عام كامل، هل أفدت وهل استفدت ؟ هل أديت واجبي نحو وطني ونحو نفسي وأهلي وأصدقائي ؟ وهل.. وهل، والشريط الطويل يتتابع أمام مخيلتي، يعرض فصولا من حياة العام الذي انقضى من عمر الدنيا ومن عمري، هل أديت واجبي نحو الوطن ؟ حب الوطن شعور نفساني وإحساس وجداني، وليس سلعة تباع وتشترى، فهو أشرف خلق للإنسان وأحسن شيمة للفنان، والإنسان العامل في وطنه هو الأمة، ومن لم يعمل في وطنه فعدمه خير من حياته، ويقولون إننى صاحب مدرسة، فهل استطعت كمعلم أن أفيد؟ وهل استطعت أن انقل صورتي إلى غيري، أم أنني كنت بعيداً عن القلوب ؟ إن صاحب المدرسة، أو المعلم، كالشمس تضيء لغيرها وهي مضيئة فى نفسها، وكالمسك ينشر الطيب وهو طيب، فهل قدمت وأفدت، أم كنت كالقمر الذي يضيء ولا يدفيء ؟

ويدور الشريط ليعرض المحطة الثانية عن حياتي، كوني انساناً يعيش في مجتمع، هل كنت أميناً على صداقة الناس، موفقاً في اختيار صحبتهم ؟ الإنسان الوافر العقل، الذي يطلب راحة البال، هو الذي لا يصادق إلا من أجمع الناس على أنه من أهل الخير والمحبة، وكل من حولي بهذه السجايا والصفات، أحبهم لأنهم يحبونني، لا احمل الحقد لأحد حتى ولو كان الحقد يملأ قلبه مني، وكونى رجلا وزوجاً وأبا، هل وفقت مسئوليتي نحو الزوجة والبيت والأولاد، هل أسعدت نفسي أم اسأت إليها، والحمد لله، أجدني في نهاية الشريط، مرتاح الضمير، لقد أديت الأمانة، وأنا يطيب لى دائماً أن أتذكر القصة التي حدثت بعد الحرب التى قامت بين العرب وإسرائيل فى عام 1948، وعاد بعض رجالنا مثخنين بجراح الخيانة التي أضاعت فلسطين، ودعيت لقضاء سهرة رأس السنة عند أحد الكبراء ولبيت الدعوة، وزارني صديق عزيز في منزلي، وكنت أستعد للذهاب إلى السهرة، وعلمت منه أنه سيقضي سهرته مع جرحى حرب فلسطين، إذ ستقوم الجمعية بإقامة حفل للترفيه عنهم بمناسبة العام الجديد، وفي سياق حديثه علمت منه أن الجمعية كانت قد كلفته بدعوتي لحضور الحفل، إلا أنه اعتذر نيابة عني، لأنه كان يعلم مقدما أنني مدعو لقضاء السهرة عند أحد الكبراء، وما كدت انتهي من ارتداء ملابسي، حتى طلبت من الصديق، أن يصحبنى معه إلى مكان الحفل، وفوجئ الصديق لما علم أننى قد قررت السهر معهم، وأننى سأعتذر للكبير، ومن مكان الحفل، اتصلت بالكبير تليفونياً وأخبرته معتذرا بأننى سأقضى السهرة فى حفل جرحى الحرب، ولم تكد تمر نصف ساعة، على هذه المكالمة التليفونية، حتى فوجئت بالكبير، يدخل مكان الحفل، ومعه مجموعة ضخمة من مدعويه، جاءوا جميعاً يسهرون مع جرحى الحرب، وكانت سهرة−غنيت فيها كما لم أغن من قبل، وشاركنى كثير من الزملاء الفنانين، واستطعنا أن نزيل كثيراً من الم الحسرة التى تعيش فى نفوس هؤلاء الابطال، وقدمنا لهم عاماً متفائلاً بالحب والمودة.

بقلم‭ : ‬محمد‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب

الكواكب : ٦ يناير١٩٥٩

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة