لوحة فنية عن مشهد من قصيدة الاعراف منشورة مع القصيدة على أحد المواقع
لوحة فنية عن مشهد من قصيدة الاعراف منشورة مع القصيدة على أحد المواقع


‭‬‮«‬الأعراف‮»‬

أخبار الأدب

الخميس، 21 يناير 2021 - 05:41 م

الجزء الأول

 آهٍ ! أى شيء أرضىٍ إلا هذا الشعاع
  المرتدّ من زهور عين الجمال
كما فى الحدائق حيث انبثق النهار

آهٍ ! أى شيء أرضىٍ إلا بهجة
لحن غديرٍ فى الغابات ،
أو موسيقا من شغاف القلب
هى أصوت الفرح الذى تلاشى فى سلامٍ
 مثل خرير ماء فى صَدَفةٍ،
سكنَ وسيسكنُ صداه.
آهٍ ! لا شيء من بقايانا ،
ولكن الجمالَ كلهُ و الزهورَ جميعها
تَصُفُّ حبنَا ، وتزينُ عريشتَنا -
 تزركش عالمكَ البعيد، هناكَ
أيها النجم السيَّار.

« كان زمناً جميلاً لنيساكى هناك
حيث يمتد عالمها فى سعة فوق الهواء الذهبى ،
قرب شموس أربع مشرقة - فى راحة مؤقتة .
واحة فى صحراء النعمة.
بعيدةً ، بعيدة ، وسط بحار الأشعةِ التى تلف
الجلال العلوى فوق الروح الطليقة.
الروح التى تفزع بين السحب الكثيفة
بحثا عن خلاصها الأبدي
فى مداراتٍ بعيدة تكونتْ، من زمن لآخر،
وفى الآخرة لها عند الإله القبول-

وهى، الآن، حاكمة لمملكة وطيدة الأركان،
تُلْقى جانبا الصولجان- وتترك التاج،
وسط البخور والترانيم الروحية السامية،
وتغسل فى ضوء رباعى أطرافها الملائكية.

الآن أسعد أرضٍ وأجملها هناك،
حيث أنسابت «فكرة الجمال» فى النشأة الأولى،
التى تساقطت فى أكاليل كثيرة من نجم غارب،
مثل شَعْر امرأة فى وسط اللآليء ، بعدها ،
أضاءت على تلال أخيون ، ثم سكنت هناك
تطلعت إلى الخلود ثم ركعت.
سحب كثيفة ، كونت حجباً ، حول ضفائرها -
وآيات متناغمة لمثالِ عالمها -
لا نرى إلا جمالها، ولا يغشى البصر-
عن جمال أخر يتلألأ فى النور-
مع إكليل مضفور حول أشكال مرصعة بالنجوم،
وحول الهواء الأزرق المتاخم لها.
 
وتجثو جميعها سراعاً على سريرٍ
من زهورٍ: سواسنه مثل هامة مرفوعة
على جزيرة كابو ديوكاتو الجميلة وانبعثت،
 لهفى فكادت أن تعلق
 بخطوات طائرة - بكبريائها الظاهِرة-
وهى التى أحبت فانٍ ثم ماتت١.
وشجرة الأحزان ٢- ببراعمها وشباب النحل عليها،
رفعت جزعها الأرجوانى حول فروعها: -
وزهرة متألقة، يظنونها من طرابزون ٣.

 نزيلة النجوم العليا ،التى فيها أخجلت
 كل جمال أخر: ونداها المعسول العذب الجميل
 (رحيق أسطورى ذاقه من قبل الوثني)
 نزل من الجنة مدراراً ،
فسقط على حدائق الجزاء
فى طرابزون - على زهرة شمسية
فى هذه اللحظة تكاد تشبه ذاتها فى الأعالى ،
لا زالت باقية معذبةً للنحل
 فى جنون، وهلوسة عجيبة:
فى الجنة، وفى كل أقطارها، ورقة
 النبتة الحورية وبرعمها الحزين
الباقى على المدى بلا سلوى- وعلى رأسها تخيم كآبة،
نادمة على حماقات تلاشت من أمد بعيد،
هزت نهديها البضين فى الهواء المنعش الشافي،
مثل جمال خاطئ ، عوقب، فكان أكثر وسامة :
وياسمينة الليل الحزين (٤)، مقدسة كضياء أيضاً
 تخشى أن يفوح العطر منها، فينثر الطيب على الليل فى بهاء:
و كليتيا (٥)، متأملة بين أشعة شمس،
بينما دموع الحزنالسريعة تسح على بتلات خديها:

و تلك الزهرة الطامحة التى ظهرت على وجه البسيطة ،
ذبلت، وكادت أن تتفتح فى حب على جناحيها ،
فى طريقها إلى السماء ، من حديقة الملك (٦):

كما طارت إلى هناك وزهرة اللوتس الفاليسنارى (٧)،
بشق الأنفس من بين أمواج نهر الرون:
ومعظم عطرك الفواح من البنفسج ، يا زاكينثوس (٨)!
يا جزيرة الذهب! يا زهرة الشرق (٩) !
و زهرة اللوتس التى تطفو للأبد
 مع كيوبيد الهندى فى قلب النهر المقدس (١٠).

 زهرة جميلة ، و حورية! لمن يرعاها
 ويحمل أغنية الآلهة ، فى نسائم عطر، إلى السماء:

“أيتها الروح! التى تسكن هناك ،
 فى السماء البعيدة،
الرهيبة الجميلة ،
 تنافس فى الجمال!
ما وراء خط الزرقة ،
 حيث حدود النجم
والذى يستدير عند رؤية
 حدك الفاصل،
 والحاجز الذى تجاوزته
 الشهب التى تشع من
من كبريائهم وعرشهم
 ليكونوا فى كبد إلى الأبد
وليظلوا حاملين لشظايا من لهب
 (والنار المتقدة فى قلوبهم)
 فى سرعة قد لا تمل
وألم لا يزول-

ولكن تلك التى تعيش- كما نعرف-
فى ذلك الخلود -
ولكن ظِل جبينها
 عن أى روح سيبين ؟

و الكائنات التى تعرفها
 رسولتكم نيساكى

هل حلمتْ بسرمديتكم
 مثالاً لها.

 يا إلهي! تمت مشيئتك!
 ودار النجم فى الأعالي

 فى العواصف ، ولكنها كانت
 تحت عينك المتقدة؛
وهنا ، إيمان بك .
إيمان وحده به يمكن
إعلاءُ مملكتك التى هى
جزء من عرشك -
« بالخيال المجنح (١١)،
 أُعْطِيتُ الرسالة والسفارة،
حتى اكشف السر
 فى أقطار السماء ».
> > >
 توقفتْ ثم خبأتْ وجنتها المتقدة
خجلاً ، هناك بين زنابق السوسن، ملتمسة

مأوى الإله من وهج عين ؛
لأن النجوم ترتعش فى حضرة نجم الإله.
كأن ثمة صوت هناك لكنها لم تتحرك - ولم تتنفس –
كيف أنتشر فى جلال فى الهواء الساكن الهادى!

وصوت الصمت فى أذن وجلة
يسميه الشعراء الحالمون «موسيقا الفَلَك».

عالمنا عالم من الكلمات : نسمى الهدوء
“صمتا» – وما هو للجميع إلا كلمة.

كل الطبيعة تتكلم، حتى الأشياء المثالية
ترفرف بأصوات مبهمة و أجنحة من خيال ،
ولكن آهٍ! لا يحدث هذا فى الممالك العليا
عندما يمر بها الصوت الخالد للإله ،
وتذبل الرياح الحمراء فى السماء ،
> > >
« ومع ذلك ماذا يهم فى العوالم التى تدور فيها الدوائر الصغيرة»،
المرتبطة بنظام صغير وشمس واحدة –

حيث كل حبى حماقة والجموع
ما زالت تعتقد أن أهوالى ما هى إلا سحابة رعد،

فالعاصفة ، والزلزال، و غضبة المحيط ،
(آهٍ! هل ستعبر بى طريقى الأكثر غضبا؟)

 ماذا يهم فى عوالم شمس واحدة ،
تزداد رمال الزمن رهافة وهى تدور ،

لأن عالمك هو تألقي، لذا نُذِرْتُ –
لحمل أسرارى فى «السماوات العلا»!

اهجرى منزلكِ الكريستالىالخاوي، وطيرى ،
لمواكبكِ عبر السماء المقمرة ،

بعيدا مثل يرقات فى ليل صقلية،
وارسلى إلى عوالم أخرى نورا أخر!

يوحى بأسرار رسالتك ِ
للمدارات الفخورة التى تومضُ وكونى

لكل قلب حاجزاً ومانعاً
لئلا تترنح النجوم من معاصى البشر! «
> > >
 فى الليلة الصفراء نهضتْ العذراء،
 فى مساء مقمر فريدعلى الأرض، اقسمنا
بإيماننا بحب واحدوأن نهيم بقمر واحد
الذى لم يعد مكان ميلاد الحب النضر.
كما انبعثت تلك النجمة الصفراء من بين الساعات الناعمة
نهضت العذراء من ضريح زهورها ،
وانعطفت فى طريقها على جبل براق وسهل مظلم
 ولكنها لم تترك إلا حكم مملكتها ثيراسيا (١٢).

الجزء الثانى

عالية على رأس جبل مطهم -
مثل راع وسنان على فرش
 من مراعٍ مديدةٍ يسترخى فى رضاء ،
يرفع جفنيه الثقيلين ويهب ليرى ،
 ويهمهم كثيراً « يأمل فى الغفران »
 عندما يكتمل القمر فى السماء-
وردى الرأس، متطاول بعيدا
فى أثير أضاءته الشمس، واقتنص شعاع
 الشموس الغاربة فى المساء – وعند منتصف الليل،
حينما رقص القمرمع ضوء شفيف غريب-
وارتفعت فوق العلو الشاهق ثلة
 أعمدة رائعة على هواء خفيف ،
تومض من ذلك الرخام الباروسى (١٣) تلك الابتسامة التوأم

 بعيدا فوق الموجة التى تتلألأ هناك ،
والتى هدهدت الجبل الفتى فى مربضه.
رصيفها من نجوم منصهرة متوهجة كالتى تسقط (١٤)
 من الهواء الأبانوسى، تفضض غطاء نعش
نهايتها، حين تموت -
موشيةً أبراجَ السماء. عندئذ
استوت قبة، بشعاع نور من الجنة،
لطيفة فوق هذه الأعمدة كأنها تاج-
وهناك أطلت من علٍ ماسةٌ دائرية ٌ،
 على هواءٍ بنفسجى ،
ونور من الإله دمرعقداً من الشهب
ليمنح القدسية لهذا الجمال مرتين ،
إلا حين ترفرف روح تواقة بين جنة الخلد وهذا المدار
بجناحها الداكن.

ولكن رأت عينا ملاك الساروفيم (١٥) من فوق العمد
ظلمة َهذا العالم : خضراء رمادية
 تعشقها الطبيعة لقبر الجمال
 الذى توارى فى كل إفريز، وخلف كل دعامة -
وأطل من قريب كل تمثال لملاك
من فوق نصبه الرخامى ،
وبدا فى ظلال محرابه دنيويا -
وتماثيل الأخيونيين فى العالم مازالت نفيسة؟
 أفاريز من تدمر (١٦) ومن بيرسيبوليس (١٧) –
 وبعلبك (١٨) إلى الهاوية الهادئة الشفيفة ،

لعمورة (١٩) الجميلة! آهٍ من موجة ،
الآن تغمرك ، فقد فات ميعاد إنقاذها (٢٠)!
> > >
الصوت يحب أن يجلجل فى ليلة صيف :
شاهداً همس الشفق الرمادي
 فى العراق (٢١) حيث ضرب على أذن
مُنَجِمٍ فى البرارى من قديم الأزل ،
تسلل حينها إلى سمعه
وهو الذى يحدق ، متأملا مفكرا، فى الأفق المعتم ،
فيرى الظلام قادما مثل سحابة ،
أليس شكلها– وصوتها- اكثر رعداً وقصفاً؟
ولكن أى شيء هذه ؟ جاءت، ومعها أحضرت
 موسيقا، هى رفرفة الأجنحة.

وقفة ، ثم رفة فتلاشى اللحن ،
 ومرة أخرى نيساكى فى إيوانها:
من قوة جامحة للسرعة العابثة
كانت تبرق وجنتاها وتنفتح شفتاها؛
والحزام الذى التصق بخصرها المياس
انفجر تحت دقات قلبها.
وتوقفت وسط ذلك الإيوان كيتنتفش ،
ثم لهثت ، يا زاكينثوس ! و تحتها
قبَّل الضوءُ الفاتن شعرها الذهبى
ثم تاق إلى الراحة ، ولكن ما كان له أن يومض فوقه.
 همست الزهور الفتية فى نغم
للزهور السعيدة فى ليلة رضية- كما الشجر إلى الشجر همس؛
النوافير كانت موسيقاها فوارة وهى تتدفق
فى بستان مضاء بالنجوم ووادٍ مضاء بالقمر؛
 ولكن الصمت خيم على الكائنات،
والزهور الفاتنة ، والشلالات اللامعة وأجنحة الملائكة -
ووحيد كان الصوت الذى نبعت منه الروح
التى حملت قرار أغنية إلى أنشودة غنتها العذراء

« تحت كأس زهرة الجريس (٢٢)
أوتحت طاقة ورد برية ملفوفة
 تحفظها بعيدا عن العالم ،
 وشعاع القمر.
كانت تتأمل كائنات مشرقة !
 بأعين نصف مغمضة،
 و تساؤلكِ النجوم
 وقد جاءتْ من السماوات،
لتنظرَ فى الظلال ،
 حتى هبطتْ على جبينكِ
مثل عينىّ عذراء
فنادتكِ الآن،
اصحى ! من حلمكِ
فى عرائش بنفسجية ،
لمهمة في
هذه الساعات المضاءة بنور النجوم -
ثم هزى عن خصلات شعركِ
قطرات الندى التى أعاقتها
أنفَاسُ تلك القبلات
 فأثقلتها ،
(آهٍ ! كيف ، بدونكِ ، يا حبي!
يمكن للملائكة أن تكون سعيدة ؟)
قبلات الحب الحقيقى هذه
التى تهدهدك لتستريحي:
انهضى ! وهزى عن جناحيك
كل شيء يكبلكِ:
لأن ندى الليل ،
سيثقل انطلاقكِ،

ومداعبات الحب الحقيقي،
آهٍ! دعيها بعيدا،
فهى على خصلات شعرها ،
ثقيلة على قلبها.

لَيْجِيّا! لَيْجِيّا!
يا جميلتى !
يا صاحبة الفكرة اللاذعة
التى ستعزف اللحن،
آهٍ! أهى رغبتك
أن تتقلبى على النسائم ؟
أم ، ما زالت تتقلبين،
مثل قطرس (٢٣) وحيد،    
جاسما على الليل
(كما يجسم على الهواء)
لترقبى فرحة
التناغم و الانسجام هناك؟
أيا لَيْجِيّا !
أينما تكون صورتكِ،
لن يدمرأى سحر
 موسيقاكِ.
أنت تغمضين عيوناً كثيرة
فى نومة حالمة -
ولكن الألحان جاءت
لتحافظ على يقظتك -
صوت المطر ،
الذى يهطل ليصل إلى الزهور
ورقصات أخرى
على إيقاع الغيث -
والهمهمة التى تنبع
من العشب النامى
هى موسيقا المخلوقات -
ولكنها ، وحسرتاه! مصاغة على مثال سبق -
و بعيدا ، يا حبيبتى ،
آهٍ ! عجلى أنتِ بعيداً
عند الينابيع التى ترقد صافية
تحت أشعة القمر-
 إلى بحيرة معزولة تتبسم ،
فى حلم راحتها العميق ،
عند جزر النجوم العديدة
التى ترصع صدرها بالجواهر -
حيث الزهور البرية ،تزحف ،
فتختلط ظلالها،
وعلى حافتها تنام
 عذراواتملء جفونهن -
وقد ترك بعضهن الغابات الباردة ،
ونمن وسط النحل-
أيقظيهن، يا غادتى ،
 من فوق المستنقعات والمروج -
ثم اذهبي! و انفخى وهن هجوع ،
فى آذنهن ،
بلحنٍ موسيقى
صمتن ليسمعنه -
 لما يوقظ
 فى التو الملاك ،
الذى أخذته نومة
تحت القمر المقرور،
كرقية، ليس لغفوة
السحر أن تبلوه،
فالمقطوعة الإيقاعية
تهدهده حتى يستريح؟»
أرواح مجنحة وملائك فى مرمى البصر،
وأندفع ألف من الساروفيم عبر جنة عليين ،
ومازالت الأحلام البكر تحوم حول رحلتهم النعسة-
فى كل ملائكةالساروفيم إلا «المعرفة»، والنور الوهاج
الذى سقط ، فانكسر، داخل حدودك البعيدة،
يا موت! من عين الإله التى على ذلك النجم:
كان الخطأ حلوا ، ولكن مازال ذلك الموت أحلى
كان ذلك الخطأ حلواً ، حتى أن زفيراً
يُعْتِّمُ مرآة سعادتنا –
 كانت لهم رياح السّموم، وستدمر
ما حصدوا ليعلموا
أن الحق هو الباطل ، أو أن النعيم هو الويل؟
حلوا كان موتهم – وإن كان الموت فاشياً فمتْ معهم
فى النشوة الأخيرة من حياة هنية -
فيما وراء ذلك الموت ليس ثمة خلود،
إلا النوم «يكون» هناك حين تتأمل!
 آهٍ! لتسكن روحى المتعبة -
بعيدة عن خلود الجنة، ولكن كم هى بعيدة عن الجحيم(٢٤) !
ألم تسمع الروح المذنبة ، فى عتمة ذات شجيرات ،
دعوات لهذا الترنيمة؟
ولكن اثنين: سقطا لأن السماء لا تمنح نعمة
لأولئك الذين لا يسمعون لدقات قلوبهم.
الملاك العذراء وحبيبها الساروف -
آهٍ ! أين (ربما تبحث عبر السماوات الواسعة)
هل كان الحب الأعمى،مع الواجب المجرد المعروف؟
قد سقط الحب الغوى – فى منتصف دموع «أنين معذب (٢٥)».
كان هذا الذى سقط روحا خيرة :
وطائف ببئر مكسوة بطحالب حمراء
وناظر فى الأنوار التى تسطع أعلاه
وحالم بحبه فى شعاع القمر:
أى أية؟ كل نجم هناك مثل عين،
يبدو جميلا وهو يسقط على شعر الجمال -
وهم كل نبع تملأه الطحالب المقدسة
لقلبه المسكون بالحب والكآبة.
قد وجد الشاب أنجيليو الليل (وهو له ليل من ويل)
على صخرة جبلية -
بارزة انحناءاتها عبرالسماء الجليلة ،
يعبثُ فى عوالم ترصعها النجوم.
هنا جلس وحبيبته – وانحنت عيناه السوداوان
كنظرة نسر عبر قبة السماء:
موليها الآن، محولا إياها شطره ولكن من حينها
اهتزت تلك الأرض ثانية.

«إيانثى ،يا حبيبتى ، انظرى ، كم معتم هذا الشعاع !
وكم جميل أن تنظرى هكذا بعيدا!
 لا تبدين هكذا عشية الخريف التى فيها
غادرتُ قصورها الفخيمة – ولم احزن عند الرحيل.
فى تلك الليلة – تلك الليلة ، التى لابد أن أتذكرها جيدا -
سقطت أشعة الشمس، فى ليمونوس (٢٦) ، بتعويذة
على نحت الأرابيسك فى إيوان مذهب
حيث كنت اجلس ، وعلى الحائط المصورة -
وعلى جفونى ، آهٍ أيها الضوء الكثيف !
وكم يدعو للنعاس ، وكم ثقيل على جفونهم فى الليل!
و على الزهور والضباب والحب الذى بهم طافوا
مع سعدى فى ديوانه حديقة الأزهار (٢٧):
ولكن آهٍ من ذلك النور! غفوة الموت ، فالبرهة
سرقت مشاعرى على تلك الجزيرة الجميلة
إلى الحد الذى لاتجد شعرة حريرية
يمكن أن توقظ ذلك النائم – أو تشير أنه من مر هناك.
“وآخر بقعة على الأرض مشيت عليها
كانت معبداً فخيما يسمى البارثينون (٢٨)؛
كان ارتباط الجمال بحوائطه العمودية
أروع من برعمك المتوهج النابض بالحياة (٢٩)،
وعندما تُحررت من الزمن القديم
ثم انطلقتُ، كما النسر من برجه ،
وفى ساعةٍ تركتُ سنواتٍ ورائي.
وفى الزمن الذى تعلقت على حدودها الهوائية ،
بنصف بستان عالمها أندفع
منبسطا كخريطة أمام ناظري-
وأيضاً المدن المسكونة فى الصحراء!
إيانثى، حينها اجتمع الجمال على ،
وكانت نصف أمنيتى أن أكون إنسانا مرة أخرى».

«أنجيليو، حبيبي! لماذا تكون منهم؟
لك أنت مسكن وضاء هناك -
وحقول أكثر خضرة من عالمك العلوى هناك،
 وعشق امرأة ، وحب فاتن».

« لكن ، القائمة ،ياإيانثى! عندما يكون الهواء ناعما
ويكون فشل روحى، وهى تحمل لواء الفارس وقد ثبت عالياً ،
وربما زاد ذهنى فى الدوار- ولكن العالم
الذى تركتُ أخيرا فى حالة من فوضى -
اندفع من منبعها على الرياح بعيدا .
واستدارتْ بلهب عبر السماء المتقدة.
بدا لى ، يا حبيبتى ، حينئذ أنى توقفت عن التحليق
وسقطتُ ولكن ليس فى خفة كما ارتفعتُ من قبل ،
ولكن مع الانحدار، جاءت فكرة مرجفة من خلال
أشعة شفيفة ، فى هذا النجم الذهبي!
فلا عدد ساعات سقوطى طويل ،
لأن نجمك هو أقرب النجوم إلينا -
نجم مفزع! جاء فى منتصف ليلة فرح ،
وديدالونالقانى (٣٠) على الأرض الخجلى».

«جئنا- أرضك -، ولكن لم
يُؤْذن لنا بمناقشة أمر سيدتنا:
يا حبيبى تغدو وتروح حولنا ومن أعلى ومن أسفل ،
يراعة مبتهجة فى تلك اليلة ،
ولا تسأل عن السبب الذى أنقذ إيماءة الملاك،
التى تمنحنا ما منحها ربها -
ولكن ، يا أنجيليو ، زمنك الرمادى المنشور
لم يكن ليفرد جناحه الفاتن فوق عالم أجمل!
كانت عين شمسه الصغيرة معتمة ، وعينا الملاك
وحدهما يمكن أن ترى الشبح فى السماوات ،
عندما عرفتْ الأعراف لأول مرة مسارها الذى بدا –
منحدراً فوق البحر المكلل بالنجوم -
ولكن عندما زاد مجدها فوق السماء ،
كثدى ّ الجمال المتوهج تحت عينى إنسان،
توقفنا أمّام تاريخ الإنسان ،
واضطرب نجمك ، حين اهتز الجمال! »

وهكذا أمضى العاشق الوقت فى حديث
فى ليلة تضاءلت وتضاءلت ولم يكن لها صباح.
سقطا : وليس ثمة أمل لنقل معرفة الجنة
للذين لم يسمعوا لدقات قلوبهم.

 

الهوامش

١- يقصد بو الشاعرة اليونانية  سافو Sappho ( 630 -  513 ق. ب.) وهى  شاعرة جزيرة ليسبوس  وهى إحدة من  شعراء اليونان الغنائيين التسعة الكبار
٢ - شجرة الأحزان  هى زهرة السافليكا وتسمى ايضا شجرة الأحزان أو ياسمينة الليل.-
٣ - مدينة طرابزون Trebizond  هى عاصمة محافظة طرابزون فى تركيا الان.
٤ - نكتانثيز  Nyctanthes هى  نفسها زهرة السفاليكا أو ياسمينة  الليل الحزينالتى سبق التعريف بها فى هامش سابق.
٥ -فى الأساطير كليتيا هى حورية الماء.
٦ -  يقول بو أن حديقة الملك فى باريس كانت مزروعة بأنواع  من  نبات الصبار البرى الخالى من الأشواك.
٧ - نبات اللوتس الفاليسنارى  Valisnerian lotus  أو كما هو معروف  بنبات  يلجراسeelgrass هو من  النباتات البحرية المغمورة .
٨ - فى الاصل زانت أو زينت Zante  هى  جزيرة فى بلاد اليونان  تعرف أبضا باسم زاكينثوس.
٩ -هذا البيت ورد فى القصيدة  بالايطالية.
١٠ -  يشيربو الى قصة عن الهنود مؤداها أن أول مرة شوهد فيها كوبيد كان يطفو فى أحد الانهار.
١١ - إشارة لأبيات شعرلجوته.
١٢ - ثيراسيا Therasaea هى جزيرة ذكرها سينيكا.
١٣ -  الباروسى : نسبة إلى جزيرة باروساليونانية paros.
١٤ -تصرف بو فى نص قصيدةلملتون.
١٥ -  الساروف هو من  الملائكة الحارسين للعرش فى المفهوم التوراتى وجمعها ساروفيم .
١٦ -  تدمر مدنية  فى سوريا  من أقدم المدن التاريخية فى العالم .  وقد نافست تدمر  روما فى القرن الثانى قبل الميلاد.
١٧ - برسيبوليس هى عاصمة الإمبراطورية الفارسية 550-330ق.م
١٨ - بعلبك هى مدينة لبنانية  شيد الرومان  فيها معابد ضخمة.
١٩ -  عمورة   مدينة اقترنت بسدوم والخسف والتدمير الذى حل بهما.
٢٠ - يقصد عمورة.
٢١ - رسم بو كلمة العراق بطريقة مختلفة عن المعتادEyraco ويقال طريقة قديمة لرسم كلمة العراق فى بالإنجليزية.
٢٢ - زهرة الجريس  bluebell هى نوع الزهور مشهور  بلونها الأزرق.
٢٣ - يقول بو أن طائر القطرس ينام على إحدى جناحيه. وهو المعروف باسم  الباتروس albatross وهو طائر بحرى كبير.
٢٤ - يقول بو عند المسلمين ثمة منطقة وسطى بين الجنة والنار حيث لايتعرض الإنسان فيها لعقاب ولا ينعم فيها بثواب وهى الأعراف.
٢٥ - هذه الأبيات من قصيدة ملتون.
٢٦ -  ليمونوس  Lemnos هى جزيرة يونانية.
٢٧ -  «البستان» هو أهم دواوين الشاعر الفارسى الصوفى سعدى الشيرازي.
٢٨ - البارثينون وهو معبد إغريقى فى مدينة أثينا  وقد كان  مايزال قائما كاملا حتى  عام 1687.
٢٩ - من مسرحية  دكتور فاوستوس للشاعر كريستوفر مارلو.
٣٠ -  ديدالاين Daedalion فى الأساطير اليونانية هو ابن هسبيروس Hesperos  واخو سيكاسCeyx وكان يوصف بأنه شبيه بانسان حرب أو محارب قاس.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة