على الراعى
على الراعى


لواذ الذاكرة: ما بين المقدمة المنطقية.. والستار الأخير!

أخبار الأدب

الخميس، 21 يناير 2021 - 05:53 م

د. محمد حسن عبد الله

- 1 -
تفرض «الكورونا» حضورها المزعج، مثلما يفرض المنشار الكهربائي هيمنته بالشرر المتطاير، والصوت الحاد .. ينشط البحث عن مساحة آمنة تلوذ بها الذاكرة، علها تستعيد وعيها.. تبرق في قاع أحد السراديب، صورة القامة الفارهة، ذات الوجه الجاد (بغير تجهم) سعيد خطاب؛ الذي ارتقى بمعهد المسرح (في الكويت) من مستوى المتوسط إلى المعهد العالي الذي يمنح الدارسين درجة البكالوريوس! كان ذلك في أعقاب رحيل الأستاذ زكي طليمات، مؤسس المعهد . كانت خيوطي الثقافية تشابكت ما بين الفن الروائي (تخصصي الأصلي)، والمسرح، حدث هذا التشابك في الكويت بإغواء وعبر علاقة شخصية مباشرة، مع مؤسسي الحركة المسرحية في الكويت: صقر الرشود، عبد العزيز السريع، حسن يعقوب العلي؛ الذي درست له مادة (الكتابة الدرامية) وهو طالب بالمعهد، وشهدته وهو يجلس في مقعد العميد . من ثم أصبحت وجهاً مألوفاً في اجتماعات المسارح ودور العرض، كما أصبح كتابي: «الحركة المسرحية في الكويت» (الطبعة الأولى 1976) – مرجعاً مؤسساً لأقوى ظاهرات الإبداع الفني في ذلك الوطن الحريص على تنمية دوره الثقافي. لعل هذا كان الدافع لأن يطلب مني العميد الجديد قبول الانتداب لتدريس مادة (الكتابة الدرامية) لطلاب الفرقة الثالثة (شعبة: النقد المسرحي)! أجبته بتلقائية وصد : كيف أفعل وأنا مدرس بقسم اللغة العربية، وفوقنا مباشرة في إدارة الجامعة قسم اللغة الإنجليزية، وفيه أستاذ كبير اسمه: علي الراعي؟ اكتسى وجهه بتجهم مصنوع، وقال: يا سلام! هل مكتوب على وجه علي الراعي أنه إذا حضر لا يحق لأحد غيره أن يتكلم في المسرح؟ بالعكس.. أنت شاب، ومتصف بالحركة، وعندك استعداد للبحث و... وقبلت الانتداب لتدريس ساعتين أسبوعياً، وظل هذا الوضع قائماً ثلاث سنوات متعاقبة، تعلمت فيها الكثير عن المسرح، كما علمت طلابي بقدر ما استطعت – وكان بعضهم يقاربني سناً – ولا يزال بعضهم يحمل لي ذكرى طيبة إلى اليوم.
هل تغير موقفي حين عرفت أنه بين عميد المعهد، والدكتور علي الراعي خلافاً قديماً؟ وأن هذا سبب اختياري (مع أنه لا وجه للمفاضلة) لم يحدث، فقد كان الدكتور الراعي لا يميل إلى مجاملة «الدراعمة»، ولا يبدي الثقة بهم [والدرعمي : جنسيتي التي لا مجال لمناقشتها] . لعلي استنتجت هذا إذ كنا – الراعي وأنا وآخرون – مدعوين لرحلة ربيعية ليلية في البر (الصحراء) في ضيافة صديق كويتي، من محبي الثقافة.
في الخيمة تجاورنا، وكان الدكتور يغني لسيد درويش أحد أدواره المشهورة، فجاوبته وشاركته، كما شارك آخرون، فكان يخصني بالنظر (من تحت لتحت) – على وجهه علامات العجب والدهشة، وكأني قادم من العصر الجاهلي، إن لم يكن من العصر الحجري، فمن أين جاءه حنين الغناء!
   - 2 -
دفعني «لواذ الذاكرة» إلى (دولاب) النصوص المسرحية في مكتبتي. رحت أتسلى بتقليبها، وهي بالمئات، مكتفيا بتأمل عناوينها، وليس من شك في أن أهم المسرحيات – من الوجهة الفنية- تلك التي تحمل اسم شخصية، مثل: «أوديب» «إلكترا» «أنتيجوني»  «هاملت» «مكبث» «عطيل» «يوليوس قيصر». هذا تفضيل غربي ونظري، يؤطر مرحلة زمنية، أو طوراً من أطوار فن المسرح في الغرب . وقد اختلف الأمر مع اختلاف الذوق، والسعي إلى الإثارة، من ثم استحدثت عناوين مثل :»قطة فوق سطح من صفيح ساخن» «فتى الغرب المدلل « «القيثارة الحديدية» «السيد بونتيلا وتابعه ماتي» «الأشجار تموت واقفة» «القصة المزدوجة للدكتور بالمي».. إلخ.
أما في مسرحنا العربي، فلست أشك في أنه سيكون من الشائق جدا، والمثمر فنياً وذوقياً أن نقابل بين عناوين مسرحيات (توفيق الحكيم) من مثل: «رحلة إلى الغد» «السلطان الحائر» «يا طالع الشجرة» «مصير صرصار»، ومسرحيات (ألفريد فرج): «علي جناح التبريزي وتابعه قفة» «النار والزيتون» «عسكر وحرامية» «حلاق بغداد» «سليمان الحلبي»، ومسرحيات (نعمان عاشور): «المغناطيس» «سيما أونطة» «جنس الحريم» «عيلة الدوغري» «الناس اللي تحت» «الناس اللي فوق»، ومسرحيات محمد أبو العلا السلاموني: «رجل القلعة» «الصعود للقلعة» «مآذن المحروسة» «ديوان البقر» [أتمنى أن تحافظ الذاكرة المصرية على خير ما أنتج مبدعوها في مجال المسرح].   

- 3 -
أدين بتأسيس معرفتي بأصول المسرحية، وعناصر بنائها، ومصطلحات نقدها، لمؤلفات وترجمات دريني خشبة هذا الرجل أحد بناة فنون الإبداع والنقد المسرحي في مصر [ويلحق به ابنه الرائع سامي خشبة، وبخاصة في سلسلة كتاباته تحت عنوان: «مصطلحات فكرية» التي نشرها في الأهرام عدد سنين، ثم جمعها في كتاب].

كانت بدايتي من ترجمات دريني خشبة كتاب: لايوس اجري «فن كتابة المسرحية» ومنه عرفت أن المسرحية في صورتها الفنية وتشكيلها ينبغي أن تستجيب لإجمال فكرتها فيما اسماه: «المقدمة المنطقية»، وأقرب ما يعنيه هذا المصطلح نستخلصه من المقدمة المنطقية لمسرحية «عطيل»، التي يمكن أن تكون : «الغيرة الحمقاء تدمر مناط حبها، بل تدمر نفسها». وهذا الرجل، دريني خشبة، هو الذي علمني، عبر كتاباته، الفرق بين الصراع الصاعد، والصراع المرهص، والصراع الساكن، والصراع الهابط، وأثر كل نوع في إثارة التشويق من عدمه، لدى مشاهدي العرض المسرحي. ومن خلال هذا الوعي الخاص أدركت الفرق بين نقد النص المسرحي، ونقد العرض المسرحي.

- 4 -
كنت لا أزال طالبا حين كانت مكتبة مصر تصدر نصوصاً مختارة من المسرح العالمى ومن بعدها تسلمت وزارة الثقافة والإرشاد القومي (المصرية) زمام هذا التوجه، وظلت وفية لرسالتها، إلى أن حدثت النكسة، فتراجعت ميزانية الثقافة، وتوقفت سلاسل المطبوعات، وهنا تقدم المجلس الوطني (الكويت) ليشغل المساحة، فكان من أنشطته: سلسلة (من المسرح العالمي) . وبالطبع لا يصح اختزال نشر النصوص المسرحية في هذه المسارات الثلاثة، متزامنة أو متعاقبة، فقد كان لبيروت نصيبها المبكر الجاد في هذا المجال، كما في غيره، ولكن اللافت للنظر حقاً، وهو ما هيمن على ذاكرة تحاول أن تلوذ بشيء آخر، يخرجها من حصار دائرة الكورونا اللعينة، أنني وجدت عدداً غير قليل من المسرحيات يتكرر نشره، لمترجم مختلف، في زمن آخر، ودار نشر مختلفة. وقد احتسبت هذا نوعاً من (التصويت) لصالح النص الذي تكررت ترجمته، وسأشير لبعض هذه المسرحيات، دون أن أهدف حصر الظاهرة، أو تحديد دوافعها، فهذا موضوع متشعب يحتاج إلى خبير ضليع في فن المسرح الغربي، والعربي، وتطور أذواق الجماهير، واختلاف قضايا المجتمع، وقضايا الفن ما بين عصر وعصر.. من ثم أكتفي بإثارة القضية، وتنبيه المهتمين بالمسرح، أو بفن الترجمة، من باحثي الدراسات العليا..
مسرحية: «فتى الغرب المدلل» تأليف: سينج، نشرتها: المؤسسة المصرية للتأليف والترجمة والنشر، بترجمة : حمدي أحمد رجب – 1965 – ونشرتها الكويت، بترجمة : احمد النادي – 1977.
مسرحية: «القيثارة الحديدية» تأليف: أوكونور، نشرتها: المؤسسة المصرية العامة للتأليف، بترجمة: عزيز متري عبد الملك ونشرتها الكويت، بترجمة: أحمد النادي.
مسرحية: «الآلة الحاسبة» تأليف: المر رايس، نشرتها: الدار المصرية للتأليف والترجمة، بترجمة: عادل سليمان – 1966 – ونشرتها الكويت، بترجمة: طه محمود طه – 1984.
مسرحية: «الآلة الجهنمية» تأليف: جان كوكتو، نشرتها: الأنجلو المصرية، بترجمة: فتحي العشري – 1969 – ونشرتها الكويت ، بترجمة: ميخائيل بشاي – 1979.
مسرحية: «قطة على سطح من الصفيح الساخن» تأليف: تنسي ويليامز، نشرتها: مكتبة مصر، بترجمة: عبد الحليم البشلاوي ونشرتها: الدار القومية المصرية، بعنوان: «قطة على نار»، بترجمة: سمير عبد الحميد – 1965.
هذا عدد محدود جداً من مسرحيات أجنبية، تُرجمت إلى العربية غير مرة، راعيت في اختيارها طرافة العنوان، وأن ذاكرة القراءة (اليوم) قد أغفلتها أو غفلت عنها تقريباً، وقد استثنيت، عامداً، المسرح الكلاسيكي، في زمنه اليوناني الروماني، والعودة إليه زمن الكلاسيكية الجديدة، زمن كورني وراسين، ثم زمن شكسبير، فقد يصعب حصر مرات ترجمة «الملك لير» أو «هاملت» أو «مكبث» أو «عطيل» ، فضلا عن «أوديب» وما تفرع عن عائلته المباركة! فهذا موضوع آخر يحتاج إلى عناية خاصة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة