رجائى عطية
رجائى عطية


مدارات

الهوان الحقيقي

رجائي عطية

الجمعة، 22 يناير 2021 - 10:35 م

يخطئ من يبحث أو يفتش عن "العدل" كفكرة أو كقيمة فى قرارات المنظمات الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية.. ذلك أنه إذا كان العدل البشرى نسبيا، إلاّ أنه فى المجال الدولى أبعد ما يكون عن توجهات وتطبيقات وآليات أشخاص القانون الدولى ومجالسه ومنظماته ومحاكمه. لو كان العدل حاضرًا فى كل ما يصدر عن هذه المنظمات، لاختلفت المشاهد والصور المعروضة اختلافًا كبيرًا وأساسيًا وجذريًا !

خذ عندك "مقاومة الإرهاب" والمساءلة عنه. من ناحية المبدأ لا يختلف على ذلك أحد، ولا يجافيه عاقل، ولكن آليات المقاومة والمساءلة تفرق وتميز وتفرض قبضتها على من تريد وتترك من تشاء، ولا تطبق فيما تختار وفيما تدع ـ المعايير المتعارف عليها فى مبادئ وقواعد المسئولية بكل صورها، وإنما تضع لنفسها معاييرها الخاصة، فتجد الولايات المتحدة مثلاً، فى ملاحقتها للإرهاب، تستخدم وسائل إرهابية تشف عنها إجراءاتها التعسفية ومعتقلاتها وسجونها وما يجرى فيها من إرهاب وتعديات صارخة على حقوق الإنسان، وتجدها فى ملاحقتها التى تخلط خلطاً لا يقبله عقل بين مقاومة الاحتلال ـ وهى حق مشروع لا يوصف ولا يجوز وصفه بالإرهاب، وبين إرهاب الدولة الذى تمارسه إسرائيل على الواسع وترتكب به كل يوم جرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية، متمتعة بحماية أمريكية / دولية لا تقترب من هذا الكيان العدوانى البشع بل وتختلق له الأسباب والتعلاّت والمعاذير !

وكلما راجعنا مواقف المنظمات الدولية والدول الكبرى المحركة لها، نجد الهوان مشرئبًا لازدواج المعايير، فما يعامل به الكبار أو الأذيال المتمتعين بحماية الكبار، غير ما تعامل به باقى دول العالم، حتى لتغدوا نظريات سيادة الدول، ومبادئ القانون الدولى العام فى السلم والحرب، ومواثيق وعهود الأمم المتحدة، مجرد حبرٍ على ورق إزاء هذه الازدواجية المعيبة الصارخة فى التطبيق.

الدول العظمى ترتع كما تشاء فى حقل أسلحة الدمار الشامل، والقنابل الذرية والهيدروجينية، وترتع معها الربيبة إسرائيل، ولكن الدنيا تقوم ولا تقعد إذا ما فكرت كوريا مثلا أو إيران أو غيرهما − حقها المشروع − فى حماية نفسها إزاء المباح لغيرها، ويُدعى كذبًا بحيازة العراق لأسلحة دمار شامل لإساغة الهجوم العسكرى الأمريكى الغربى عليها. ونرى روجيه جاروديه المفكر الغربى الكبير الذى اعتنق الإسلام يُحكم بحبسه بدعوى معاداة السامية، بينما يتجرأ كل من هب ودب بلا حساب على الإسلام وعلى رسول الإسلام، حتى يصرح رئيس إحدى كبريات تلك الدول بأن الرسوم المسيئة للرسول تدخل فى حرية الرأى التى تحرص عليها دولته الحرة، بينما تعجز عن رؤية ما يباح لإسرائيل والصهيونية، والمتاريس المفروضة لحمايتها، فيجرى عقاب من يفكر أو يناقش الأعداد المقول بحرقها فى معسكرات النازية، بينما يمضى فى سلام من ينطلقون بدعواهم تعديل آيات القرآن الكريم والحذف فيها !! 

المشاهد الجارية فى المجتمع الدولى أبعد ما تكون عن العدل والحق والإنصاف ! 

وفى الوقت الذى تتغنى الولايات المتحدة بالحرية ورفض الإرهاب، تبيح لنفسها وتبيح لربيبتها إسرائيل أبشع وأشنع صور الاعتداء على الحريات والأرواح والكرامات الإنسانية، ويشهد على ذلك ما تسرب عما يجرى فى سجن أبو غريب ومعتقلات جوانتانامو وغيرها ـ من تعذيب وجرائم ضد الإنسانية وتحقير للأديان وكتبها السماوية، حتى التقطت الصور لجنودها وهم يدنسون القرآن الكريم الذى يدين به ويقدسه ما يزيد على مليار ونصف المليار مسلم يملأون قارات الدنيا !

لقد صَدَّرت الولايات المتحدة "ازدواجية" المعايير للنظام الدولى ومنظماته وآلياته، فباتت فيه الحصانة شاملة الأمريكان والإسرائيليين ومن يجرى فى فلكهما، ولم تتجرأ القرارات والملاحقات إلاّ على الرؤساء العرب !.. رأينا أحدهم مشنوقا، والآخر يُتابع ويُلاحق كل يوم بشتى السبل والأساليب لجره إلى ساحة المساءلة بزعم التحريض أو المشاركة فى اغتيال الحريرى الذى صارت أمريكا أكثر غيرة عليه من لبنان !

لو شئتم مناقشة هذا المشهد، فلا تناقشوه من زاوية "العدالة"، فليست العدالة هى القيمة التى تحرك آليات المجتمع الدولى، وإنما فتشوا فى أسباب "الهوان" العربى.. هذا الهوان هو البطل الحقيقى للمشهد الراهن، لو عرفتم أسبابه لوفرتم الحماية والأمان والاحترام ليس فقط للملوك والـرؤساء، وإنما للشعب العربى كله من المحيط إلى الخليج !! 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة