إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد


مصر الجديدة

الخطأ والصواب

إبراهيم عبدالمجيد

السبت، 23 يناير 2021 - 07:07 م

 

كل هذه الخبرات التى مر بها البشر ولا يزال الحديث يملأ الدنيا عن الخطأ والصواب. تكتشف فى النهاية أنه يتحدث عن شىء تعرفه وتحفظه ويعرفه الجميع. حتى الآخرة التى يتم بالحساب فيها إرهاب الناس فى حياتهم كأن الجحيم ينتظر الجميع، بينما يعرف أى شخص أنها فى النهاية من صنع الانسان ولا تحتاج كل هذا الرعب، وكل يستطيع ان يحدد لنفسه مكانه بين الجنة والنار بسلوكه فى الدنيا. وأكرر بسلوكه فى الدنيا وليس بالواسطة والمال. الخير والشر موجودان فى النفس البشرية، لكن يتسع الخير نتيجة للتربية فى البيت والمدرسة والعدل فى الدنيا، فكثير من المجرمين يشجعهم على الإجرام قدرتهم على الهروب من القوانين أو رؤيتهم لمن يستطيعون ذلك بما لهم من نفوذ.

أى أن العيوب فى الفرد تنفجر حين تكون العيوب فى المجتمع نفسه ونظامه السياسى والقانوني. حين تكون المدرسة مكانا كافيا للعلم لا يحتاج التلميذ فيها إلى دروس خصوصية، لن يتشجع التلاميذ على "التزويغ" والغياب، ولن يتشجع المدرسون على الإهمال. حين تصبح هناك مستشفيات مجانية كافية فى كل محافظة لن ترتفع أسعار الكشف فى العيادات ولا العلاج فى المستشفيات الخاصة. حين تكون هناك عربات تجمع الزبالة من الشوارع كل مساء لن يتشجع أحد على إلقاء القاذورات فى الطرقات. فى كل دولة عيوب مهما كانت شعاراتها من حرية وإخاء ومساواة، لكنها تتفاوت من دولة إلى أخرى، وبقدر هذه العيوب تنفجر النفوس إلى الشر.

اذهب إلى أوربا مثلا وانظر إلى الأشياء البسيطة مثل عبور الطريق، ستجد دائما أن أحدا لا يعبر الطريق إلا حين تتوقف إشارة المرور أمام السيارات، وستجد نفسك تفعل مثلهم أنت الذى تعودت على المشى فى الشارع نفسه لأنه لا يوجد رصيف، وإذا وُجد الرصيف تراه قد فرشته المحلات والمقاهي. هذا مجرد مثل بسيط على كيف يكون نظام الحياة حول الإنسان مشجعا على الصواب أو العكس طريقا للخطأ. تستطيع أن تدرك ذلك فى كل شىء، ولن أمشى مع الأمثلة لأنها كثيرة جدا.

لماذا يصبح سلوك من ذهب إلى هناك من هنا حيث تتسع مساحة الفوضى سلوكا جيدا؟ لأن ما حوله يدعوه إلى ذلك دون حديث وكلام يصدع الدماغ. كل التابوهات −الممنوعات− يزيد منها الحديث فيها ليل نهار ولا يقلل منها. بعد خطبة عصماء فى الجامع تخرج بعد الصلاة إلى الشارع فترى ما حولك يدعوك للعكس فما فائدة الكلام؟! أضف إلى ذلك ما يحدث الآن من نقاش على صفحات الميديا التى صارت كأنها غرفة للفضائل يجتمع فيها الناس فالكل فيها أولياء، ويقفز إلى ذهنك سؤال: مادام الناس جميعا هكذا فمن الذى يفعل الشر فى هذا العالم؟ والمدهش أنك تجد حوارات لا معنى لها عن قضايا لا معنى لها تأخذ من الناس كل هذا الوقت والجهد العصبى والعقلي، وهى فى النهاية الصمت عنها أكثر فائدة. ينجذب الناس للحديث عما يرونه خطأ أكثر مما يرونه صوابا فيزيد الخطأ فى البلاد، ويصل إلى درجة ادعائه للحصول على اهتمام يصل أحيانا للصحافة والمواقع الإلكترونية التى تضع بعض عناوين لموضوعاتها لا علاقة لها بالمتن، لكنها تقع فى منطقة جذب القراء الباحثين عن تشويق لا العقلاء.

يدهشنى جدا أن دار الإفتاء صارت تقول رأيها فى كل شىء تافه، كأن الناس لا تعرف الخطأ من الصواب. الف وخمسمائة سنة من الإفتاء ألا تكفى لمعرفة الخطأ من الصواب؟ هل يغيب عنها أن الناس عرفت ذلك بالتجربة عبر آلاف السنين، وينقصها فقط أن ترى الصواب شائعا أكثر فى البلاد، والقانون يتم تطبيقه على الكبير والصغير؟!

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة