التصدى بشجاعة من أبطال الشرطة بالإسماعيلية
التصدى بشجاعة من أبطال الشرطة بالإسماعيلية


الداخلية تشعل شرارة طرد المستعمر الإنجليزى فى معركة الإسماعيلية

25 يناير 1952.. يــــــوم نضــــــــــال الرجــــــــــال

محمد راضي

الأحد، 24 يناير 2021 - 08:47 م

25 يناير 1952 يوم لن تنساه ذاكرة المصريين.. يوم سطر فيه رجال الشرطة ملحمة وطنية دفاعا عن أرض الوطن..25 يناير 1952 تاريخ محفور فى ذاكرة كل أبطال وزارة الداخلية.. يوم يسترجعون فيه تاريخ بطولة وما أكثر أمجادها.. فهم رجال عاهدوا الله على التضحية من أجل الكرامة.. ضربوا اروع الأمثلة فى الفداء.. بطولات خالدة فى ذاكرة الوطن يوم أن وقف رجال الشرطة فى وجه الاحتلال الانجليزى بمحافظة الاسماعيلية ببنادق بدائية فى وجه أحدث العتاد ليرفع لهم العدو التحية تقديراً واحتراما لبسالتهم ورفضهم الاستسلام.. رجال ضحوا بدمائهم لتظل مصر أبية عصية على اى مستعمر.. معركة الصمود لرجال الشرطة فى وجه المستعمر البريطانى اصبحت عيدا نسترجع معه التضحيات التى مازالت شعار رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

رجال‭ ‬الشرطة‭ ‬ببنادق‭ ‬بدائية‭ ‬يصدون‭ ‬العدو‭ ‬بأسلحته‭ ‬الثقيلة‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬الكرامة

مع بدايات دخولك الى المحافظة التى تربط بين شرق وغرب قناة السويس تستشعر انك امام حدث جلل.. تذهب بك الذاكرة الى مبنى المحافظة الذى حاصرته قوات الانجليز بأكثر من 7 الاف ضابط ومجند بحوزتهم اسلحة ثقيلة بالاضافة الى محاصرة مديرية الامن.. هناك دارت المعارك.. هناك سالت دماء الشهداء دفاعا عن ارض الوطن.. هناك سطر رجال الشرطة أروع البطولات.

اهالى المحافظة يتذكرون التاريخ جيدا بعدما اصبحت ارضهم رمزا للصمود فى تاريخ مصر الحديث.. فوفق سجلات وزارة الداخلية وصلت قمة التوتر بين مصر وبريطانيا الى حد مرتفع عندما اشتدت أعمال التخريب والأنشطة الفدائية ضد معسكراتهم وجنودهم فى منطقة القنال فكانت الخسائر البريطانية نتيجة العمليات الفدائية فادحة وكذلك أدى انسحاب العمال المصريين من معسكرات الإنجليز إلى وضع القوات البريطانية بمنطقة القناة فى موقف حرج.

وجاء اعلان الحكومة عن فتح مكاتب لتسجيل أسماء عمال المعسكرات الراغبين فى ترك عملهم مساهمة فى الكفاح الوطنى حيث سجل 91 572 عاملاً أسماءهم فى الفترة من 16 أكتوبر 1951 وحتى 30 من نوفمبر 1951 وتوقف المتعهدون عن توريد الخضراوات واللحوم والمستلزمات الأخرى الضرورية لإعاشة 80 ألف جندى وضابط بريطانى.. لتقدم القوات البريطانية على الانتقام من خلال مجزرة الاسماعيلية التى تعتبر من أهم الأحداث التى أدت إلى غضب الشعب والتسرع بالثورة لإجلاء المستعمر عن مصر عام 1952

ووفق ما تم تأريخه أقدمت بريطانيا على مغامرة أخرى لا تقل رعونة أو استفزازً عن ممارساتها المعروفة متذ بداية الاحتلال وفى صباح يوم الجمعة 25 يناير 1952 استدعى القائد البريطانى بمنطقة القناة البريجادير أكسهام ضابط الاتصال المصرى وسلمه إنذارًا بأن تسلم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية وتجلو عن المحافظة والثكنات التى تعسكر بها وترحل عن منطقة القناة كلها والانسحاب إلى القاهرة بدعوى أنها مركز إخفاء الفدائيين المكافحين ضد قواته فى منطقة القنال

وكان الرد حاسما ورفضت المحافظة الإنذار البريطانى وأبلغته إلى وزير الداخلية انذالك فؤاد سراح الدين باشا الذى أقر موقف الشرطة وطلب منها الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام.

اندلاع المعركة

ففى يوم الجمعة ‏25‏ يناير ‏1952‏ اقدم الاستعمار البريطانى على ارتكاب مجزرة وحشية لا مثيل لها من قبل‏..‏ حيث تحركت القوات البريطانية فجر هذا اليوم من معسكراتها الى شوارع الاسماعيلية وكانت تضم عشرات من الدبابات والعربات المدرعة ومدافع الميدان وعربات اللاسلكى وقوات تقدر بـ 7 الاف ضابط ومجند واتجهت هذه الحملة العسكرية الكبيرة الى مبنى محافظة الاسماعيلية وثكنة بلوكات النظام التى تجاورها اللتين لم تكن تضمان اكثر من‏850‏ ضابطا وجنديا حيث ضربت حولهما حصارا محكما‏.‏

وقدم الجنرال اكسهام قائد القوات البريطانية فى الاسماعيلية فى منتصف الساعة السادسة صباحا انذارا الى ضابط الاتصال المصرى المقدم شريف العبد، طلب فيه ان تسلم جميع قوات الشرطة وبلوكات النظام فى الاسماعيلية اسلحتها وان ترحل عن منطقة القناة فى صباح اليوم نفسه بكامل قواتها‏‏ وهدد باستخدام القوة فى حالة عدم الاستجابة الى انذاره‏

اوامر الوزير

‏ وقام اللواء احمد رائف قائد بلوكات النظام‏ وعلى حلمى وكيل المحافظة بالاتصال هاتفيا على الفور بوزير الداخلية انذاك فؤاد سراج الدين فى منزله بالقاهرة فامرهما برفض الانذار البريطانى ودفع القوة بالقوة والمقاومة حتى اخر طلقة واخر رجل‏ وفى السابعة صباحا بدات المجزرة الوحشية انطلقت مدافع الميدان من عيار ‏25‏ رطلا ومدافع الدبابات الضخمة من عيار‏ 100‏ ملليمتر تدك بقنابلها مبنى المحافظة وثكنة بلوكات النظام بلا شفقة أو رحمة‏.‏

وعندما استشعر القائد البريطانى فى القناة الاهانة برفض القرار امر قواته ودباباته وعرباته المصفحة بمحاصرة قسم شرطة الاسماعيلية مديرية الامن حالياـ بعد أن أرسل إنذارا لمأمور قسم الشرطة يطلب منه تسليم أسلحة جنوده وعساكره غير أن ضباط وجنود الشرطة رفضوا قبول هذا الانذار.. ووجه العدو نيران دباباته ومدافعه صوب القسم وأطلقت القوات البريطانية نيران قنابلهم بشكل مركز وبشع بدون توقف ولمدة زادت عن الساعة الكاملة ولم تكن قوات الشرطة مسلحة بشىء سوى البنادق العادية القديمة

غروب الشمس

وقبل غروب شمس ذلك اليوم امر الجنرال اكسهام بوقف الضرب لمده قصيره لكى يعلن على رجال الشرطة المحاصرين فى الداخل انذاره الاخير وهو التسليم والخروج رافعى الايدى وبدون اسلحتهم والا فان قواته ستستأنف الضرب باقصى شده‏.‏

الوضع الميدانى يقول ان 7 آلاف جندى بريطانى مذودين بالأسلحة تدعمهم الدبابات والعربات المصفحة ومدافع الميدان بينما كان عدد الجنود المصريين المحاصرين لا يزيد على 800 فى الثكنات و80 فى المحافظة لا يحملون غير البنادق واستخدم البريطانيون كل ما معهم من الأسلحة فى قصف مبنى المحافظة ومع ذلك قاوم رجال الشرطة واستمروا يقاومون ببسالة وشجاعة فائقة.. دارت معركة غير متكافئة القوة بين القوات فى الخارج والمحاصرين داخل القسم ولم تتوقف هذه المجزرة حتى نفدت آخر طلقة معهم بعد ساعتين طويلتين من القتال وبعد ان تقوضت الجدران وسالت الدماء انهارا تملكت الدهشة القائد البريطانى المتعجرف حينما جاءه الرد من ضابط شاب صغير الرتبة لكنه متاجج الحماسة والوطنية وهو النقيب مصطفى رفعت حيث صرخ فى وجهة فى شجاعة وثبات‏:‏ لن تتسلموا منا الا جثثا هامدة.. واستانف البريطانيون المذبحة فانطلقت المدافع والدبابات واخذت القنابل تنهمر على المبانى حتى حولتها الى انقاض بينما تبعثرت فى اركانها الاشلاء وتخضبت ارضها بالدماء‏ الطاهرة. ‏

وبرغم ذلك ظل ابطال الشرطة صامدين فى مواقعهم يقاومون ببنادقهم من طراز "‏لى انفيلد‏" اقوى المدافع واحدث الاسلحة البريطانية حتى نفدت ذخيرتهم وسقط منهم فى المعركة ‏50‏ شهيدا و ‏80‏ جريحا‏‏ بينما سقط من الضباط البريطانيين‏13‏ قتيلا و‏12‏ جريحا واسر البريطانيون من بقى منهم على قيد الحياه من الضباط والجنود وعلى راسهم قائدهم اللواء احمد رائف ولم يفرج عنهم الا فى فبراير‏ 1952.

تحية للرجال

ولم يستطع الجنرال اكسهام ان يخفى اعجابه بشجاعة المصريين فقال للمقدم شريف العبد ضابط الاتصال‏:‏ لقد قاتل رجال الشرطة المصريون بشرف واستسلموا بشرف ولذا فان من واجبنا احترامهم جميعا ضباطا وجنودا

وقام جنود فصيلة بريطانية بامر من الجنرال اكسهام باداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطة المصريين عند خروجهم من دار المحافظة ومرورهم امامهم تكريما لهم وتقديرا لشجاعتهم‏.‏

وانتشرت أخبار الحادث فى مصر كلها واستقبل المصريون تلك الأنباء بالغضب والسخط وخرجت المظاهرات العارمة فى القاهرة واشترك جنود الشرطة مع طلاب الجامعة فى مظاهراتهم فى صباح السبت 26 من يناير 1952.. وانطلقت المظاهرات تشق شوارع القاهرة التى امتلأت بالجماهير الغاضبة ينادون بحمل السلاح ومحاربة الإنجليز وكانت معركة الأسماعيلية الشرارة لنار تشتعل وتغير مجرى التاريخ

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة