تمثال الثورة للفنان احمد عبد العزيز
تمثال الثورة للفنان احمد عبد العزيز


«25 يناير» : صدق غنائى ومراهقة سينمائية

أخبار الأدب

الإثنين، 25 يناير 2021 - 01:14 م

طارق الشناوى

الفن دائما ما يسبق الواقع بخطوة، يتنبأ بومضة تنير القلب وتغير بوصلة الاتجاه، قبل ثورة 23 يوليو بأيام قليلة غنى ولحن الموسيقار محمد عبد الوهاب بشعر كامل الشناوى (أنت فى صمتك مرغم/ أنت فى حبك مكره) وصادرتها الرقابة ولم تذع إلا بعد الثورة وصارت (كنت فى صمتك مرغم ) ، وقبل ثورة 25 يناير أيضا غنى محمد منير (إزاى) جاءت كلمات نصر الدين ناجى وألحان أحمد فرحات تعزف على الجرح، لم تتحمل الرقابة الكلمات فصادرتها قبل التداول (إزاى ترضيلى حبيبتي/ أتم عشق اسمك وإنتي/  عماله تزيدى فى حيرتي/ إزاى أنا رافع راسك / وإنتى بتحنى فى راسى أزاي/ إزاى سيبانى فى ضعفي/ طب ليه مش واقفه فى صفي) ، عندما بدأت الثورة تفرض إرادتها فى الشارع والبيت، توسعت الفضائيات أكثر فى عرضها، وكلما اقتربت ساعة الذروة لتنحى مبارك، زادت معدلات عرض الأغنية، وتعددت بعدها الأغنيات مثل (يابلادي) رامى جمال وعزيز الشافعى و(صوت الحرية) فريق كاريوكى وهانى عادل، (يا الميدان) عايدة الأيوبى وكاريوكى، و(يناير) أنغام، و(خير أجناد الأرض) محمد رحيم، و(أم الشهيد) محمد أنور، ولم يخل الأمر كالعادة من أغانى تركب الموجة ويعوزها حتى المنطق، مثل حماده هلال (شهداء 25 يناير/ ماتوا فى أحداث يناير) بالتوازى مع كل ذلك عادت أغانينا الوطنية القديمة لتولد مجددا، معبرة عن 25 يناير، مثل (يا حبيبتى يا مصر) شادية و(يا أغلى اسم فى الوجود) نجاح سلام وقصيدة (على باب مصر) التى تقول كلماتها (أنا الشعب لا أعرف المستحيل / ولا أرتضى بالخلود بديل) صارت هى (الموتيفة) الغنائية الأكثر شيوعا فى الفضائيات.
فى نفس السياق كانت السينما ترصد الثورة بالصوت والصورة، واكب الثورة تطور تقنى فى التصوير بالموبايل، وهكذا بدأ يتفتح أمامنا جيل من الشباب المشارك فى الثورة ولديه أيضا رغبة فى توثيقها، ولدت نافذة أخرى، صورت آلاف من الأفلام التى كانت تجد طريقها مباشرة للفضائيات، ومواقع التواصل الاجتماعى، لم تكن تملك إلا القليل جدا من جماليات اللغة الفنية، أيضا امتلأ الميدان بالكاميرات المزروعة فى كل جوانبه.
مع بداية الثورة قررت إدارة مهرجان (كان) أن تلتقط الموجة، وتواصلوا مع يسرى نصرالله ومع المخرج الشاب مروان حامد التقطا مشروع فيلم (18 يوم) وهو عدد أيام الثورة حتى إجبار مبارك على إعلان تنحيه، وشاهدنا الوفد السينمائى المصرى يتصدر المشهد ويصعد العديد من نجومنا على السجادة الحمراء بقاعة (لوميير) بقصر المهرجان، وهى من المرات القليلة التى نحظى فيها بكل تلك الحفاوة.
الفيلم لم يعرض جماهيريا حتى الآن، وكل الملابسات تؤكد أنه لن يعرض، الجمهور أيضا لم يعد على الموجة، الرقيب د. خالد عبد الجليل عندما سألته قال لى لم يتقدم أحد بالشريط حتى نوافق على العرض، كنت من القلائل الذين شاهدوا الفيلم، عند عرضه الرسمى بمهرجان (كان) 2011وتابعت الحفاوة والاحتفالية الخاصة التى صاحبت الفيلم الذى شارك فيه عشرة مخرجين بتقديم كل منهم فيلماً روائياً قصيراً مثل (احتباس) شريف عرفة  و(خلقة ربنا) كاملة أبو ذكرى، (19-19) مروان حامد و(إنجالك الطوفان) محمد على، و(كحك الثورة) خالد مرعى (تحرير 2-2 ) مريم أبو عوف، (شباك) أحمد عبد الله, داخلى خارجي) يسرى نصرالله، (اشرف سبرتو) احمد علاء.
فى البداية وجدنا اندفاعً من شركات الإنتاج، لصناعة أفلام عن الثورة، ومجددا ما أشبه الليلة بالبارحة، قبل نحو 70 عاما وفى أعقاب ثورة 23 يوليو شاهدنا اسماعيل يس سعيدا بعد أن تنبأ له العفريت بالثورة، فى فيلم (عفريت عم عبده) وفى 25 يناير شاهدنا باسم سمرة على صهوة حصانه مشاركا فى (موقعة الجمل) حيث عرض الفيلم فى عام 2012 داخل مهرجان (كان) ، وهى أيضا من المرات القليلة التى تُعرض فيها أفلامنا المصرية داخل المسابقة الرسمية لهذا المهرجان الكبير.
فى فيلم إسماعيل يس «عفريت عم عبده» كان المشهد مقحما والفيلم بوجه عام متواضع،وفى فيلم «بعد الموقعة» بطولة باسم سمرة للمخرج يسرى نصر الله كان الطرح الفكرى لما دأب الاعلام على أن يصفها بموقعة الجمل متسرعا يفتقد العمق فى التحليل الدرامى، الأفلام الروائية التى شاهدناها تباعا، لم تشف غليلنا، بل تم تصوير بعضها قبل ثورة 25 يناير 2011 وأضيفت لها مشاهد بعد الثورة، تم تغيير نهايات وأحيانا تسريب بدايات،من أجل خداع الجمهور قبل ان يكتشفوا أن «أحمد» هو «الحاج أحمد»!!
وهكذا مثلا استقبل مهرجان دولى بحجم « كان» فى قسم (البلاج) عام 2011 فيلم «صرخة نملة»، الفيلم انتهى تصويره قبل ثورة 25 يناير، كان اسمه فى البداية «الحقنا يا ريس»، يروج لهذا المبدأ المرتبط عادة بالحاكم أنه المحبوب وهو أيضا المنقذ، صاحب القلب الكبير، ما أن يعلم بالفساد إلا ويتصدى له فورا، وتغيرت النهاية فى الفيلم من اللجوء للرئيس لإنقاذهم كما هو مكتوب فى السيناريو الأول، إلى محاولة اغتياله، كان الهدف هو أن يتوحد الناس على الرئيس لأنه ينقذهم فى اللحظات الأخيرة، والحقيقة أن الإعلام كان يحرص على تصدير هذه الرسالة للناس حتى فى أبسط أشكاله، كان مبارك يتدخل فى التصريح بالأفلام التى تتناول قضايا ساحنة مثل التطبيع مع إسرائيل «السفارة فى العمارة» أو الفساد مثل «الجردل والكنكة» الجزء الثانى من «بخيت وعديلة»، كل الأفلام التى تعرضت ألمحت لشخصيته وافق عليها أيضاً مثل « طباخ الرئيس» وقبلها « جواز بقرار جمهوري» وهناك أفلام كانت تتناول الرئيس إلا أن مؤسسة الرئاسة كانت مترددة فى قبولها مثل سيناريو «ابن الرئيس» الذى كتبه يوسف معاطى ورشح لاخراجه عمرو عرفة ولم يخرج السيناريو للنور حتى بعد خروج مبارك من الحكم وأظنه سيظل ممنوعا من التنفيذ!!
وتتابعت أفلام مثل «الفيل فى المنديل» « سامى أوكسيد الكربون»  «بيبو وبشير» وغيرها كلها تحيل الثورة الى مجرد نكتة، البعض وجد أن الفيلم هو بمثابة تبرئة لمواقفه قبل الثورة المؤيدة لمبارك والمبشرة لتوريث الحكم لابنه جمال، إلا أن هذا لا ينفى تنفيذ أفلام تسجيلية هامة (الطيب والشرس والسياسى)، عُرض فى مهرجان (فينسيا) وأيضا (الميدان) لجيهان نجيم والذى وصل للترشيحات النهائية لجوائز الأوسكار 2014.
وتبقى الأفلام التى صنعها مخرجوها من داخل ميدان التحرير وهى ما بين الأفلام الروائية القصيرة والتسجيلية.. نلاحظ أن قسطا وافرا من هذه الأفلام وكأنه مصنوع على مقاس الثورة تكرر خلالها نفس المواقف والكلمات اشبه «بالكليشيه» ولم ينج من هذا التوصيف سوى عددا محدودا من الأفلام، من بينها(نوارة) لهالة خليل و(اشتباك) لمحمد دياب و (آخر أيام المدينة) لتامر سعيد.
لا تزال الكثير من الحقائق غائبة عن المشهد، ولا أتصور أن الاحتفال بمرور عقد من الزمان على الثورة سوف يفتح شهية المخرجين لتقديم أفلاما عنها، أغلب ما تصورنا أنه جرائم موثقة نال عنها فاعلوها البراءة، الفيلم الروائى يجب أن يبنى على حقيقة ثابتة، بينما لا تزال أغلب ما تصورنا أنها حقائق تُثير حولها الكثير من الشكوك، فلا تنتظروا الآن أفلاما عن 25 يناير.

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة