عمل فنى من روح «يناير» للفنان فريد فاضل
عمل فنى من روح «يناير» للفنان فريد فاضل


25 يناير والظواهر الأدبية

أخبار الأدب

الإثنين، 25 يناير 2021 - 01:16 م

 

محمد سليم شوشة

الثابت فى دراسات تاريخ الأدب أن فترات القلاقل والتحولات الاجتماعية والحركات السياسية وكافة التغيرات المفصلية فى المجتمع تطال الحياة الأدبية، بل إن الظواهر الأدبية هى بالأساس انعكاس لما هو حاصل فى الحياة من متغيرات شاملة وفى كافة جوانب الحياة وأبعادها. وكما هو معروف فقد مرت المنطقة العربية بفترة استثنائية ومختلفة تماما على مدار العقد الفائت، منذ 2011 وحتى اللحظة على المستوى السياسى والاجتماعى والاقتصادى، فقد تغيرت مصر سياسيا بين ثلاثة أنظمة للحكم فى عقد واحد، بما يساوى ثلاثة عقود سابقة عليها من قبل، وهذه التحولات السياسية هى نتاج تحولات كبرى فى العالم وليس فى مصر فقط. حيث هناك ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وثورة الانفتاح على الآخر وتداخل الثقافات العالمية، وثقافة الصورة أو الكاميرا التى صارت فى أيدى كافة البشر بعد أن كانت مقصورة على الفن أو الإعلام من صحافة وتليفزيون.

 

وهناك ثورة اقتصادية كذلك تابعة لهذه الديناميكية الشاملة فى الحياة، ذلك أن أنماطا معيشية كثيرة اختلفت وصناعات تبدلت ووظائف جديدة ظهرت فى حين اندثرت أخرى. وبشكل عام فإن التحولات السوسيولوجية والثقافية وما بينهما من تقاطعات ربما يحتاج إلى درسات مطولة ومتخصصة، ولكن المهم هنا أن نشير إلى حتمية امتداد فاعلية هذه المتغيرات للحياة الأدبية واجتياح تأثيرها للأنواع والنصوص الأدبية، فقد ترسخ على سبيل المثال لدينا بدرجة أكبر لون أدبى جديد نسبيا هو القصة القصيرة جدا التى تناسبت مع ثقافة اللقطة أو الصورة أو ثقافة الموبايل والسليفى فوتو أو التصوير الذاتى، كما تعاظم حضور قصيدة النثر ووجدت ما يدعمها فى هذا السياق الذى تطغى عليه بعض السيولة والانفكاك من المركزية، ذلك أن قصيدة النثر بالأساس نشأت منفلتة من الأطر التقليدية والمدرسية والطابع الكلاسيكى المحافظ، المعيارى فى غالبه.
هذه الحالة من الثورات أو الحراك الثقافى والاجتماعى والسياسى دعم قصيدة النثر فى مستوى ما وهو مستوى النشر والفضول لدى القارئ وزادت مساحة ترجمتها أو نقلها إلى اللغة العربية من اللغات الأخرى.
تغذت قصيدة النثر كذلك على النزعة الفردية المتنامية وحضور الهامش فى المتن عبر ثقافة الفيس بوك والواتس، حيث أصبح لشعراء الأقاليم حضور أقوى من السابق. ذلك أن الحوارات التى دارت فى ميدان التحرير على هامش هاتين الثورتين نتج عنها تحلق كم كبير من شعراء الأقاليم الوافدين الذين تنامت أدوات اتصالهم وارتباطهم وتنامت وحدتهم حول هذا النوع الأدبى الناشئ، وربما يكون التجلى الأكبر لهذه الظاهرة هو ما تمثل فى مؤتمر قصيدة النثر الذى ظل يعقد فى أتيليه القاهرة، ثم تحول إلى مهرجان طنطا الشعرى وهو المقصور على قصيدة النثر والشعر الجديد بشكل خاص عن قصد أكيد، لأنه مثّل صرخة تحدى للشعرية المركزية المهيمنة بطابعها الكلاسيكى والمعيارى وظلت سلطة راسخة لا ترغب فى أن تتزحزح بأى شكل من الأشكال لصالح الأشكال الشعرية أو الأدبية الجديدة.
لكن هنا تحديد يجب أن نشير – من باب أمانة التناول- إلى ظاهرة سلبية اقترنت بهذا الحضور للهامشى والإقليمى وتصاعد الفردية وتصاعد حضور أصوات كانت دائما مستبعدة بشكل طبيعى نتيجة الجغرافيا أو التصنيف الأيديولوجى أو التصنيف الطبقى، وهو أن أصبح هناك نوع من الاستعلاء لأصوات جوفاء أو ليست ذات قيمة، وتصاعد تيارات من المتوهمين الذين سَهُل عليهم أن يدشنوا أصواتهم بوصفها أصيلة وحقيقية بأدوات لا تبتعد كثيرا عن التظاهر أو التحرك فى جماعات أو مجموعات منظمة. الأمر أقرب لأن يكون فى بعض الحالات لمسيرات أدبية تجوب شوارع الفيس بوك مثلا أو غيره من المنصات أو الفضاءات الإفتراضية، فيتحقق لديهم الشعور بالقوة والتأثير وأنهم بالفعل يصنعون حالة أدبية أو ظاهرة ثقافية مهمة وفاعلة، فى حين أنهم ربما لا يفعلون شيئا أكثر من التشويش على أصوات أخرى أكثر أصالة، ووسط هذه الحالات من الركام المتدافع من الأقاليم والهامش توارت وضاعت ودُفِنت أصوات أدبية مهمة، وهنا تتصاعد مهمة الناقد الأمين وهو ما غاب وتأثر سلبا هو الآخر بالظاهرة نفسها أو غيرها من الظواهر.
لقد كانت الثورات والحراك الاجتماعى والسياسى ذات تأثير سلبى كبير على الأكاديمية أو الفكر الأكاديمى الذى كان متضررا بالأساس منذ الانفتاح وهجرة كثير من العقول سواء للخليج أو إلى أوربا وأمريكا، ففى تصورنا أن هذه الثورات أعلت من صوت الغوغائية وفكرة المساواة المطلقة التى لم تكن موجودة أو صحيحة فى أى مجتمع أو لدى أى أمة فى أى مرحلة أو حقبة تاريخية، وأن المساواة المطلقة وفق الفهم الثورى الغاضب والمندفع هو نوع من الهدم الكامل للمنجز الإنسانى فى فكرة الدولة والنظم الاجتماعية والعلمية، وهى حالة طبيعية نتجت عن تراكمت الحضارة الإنسانية من آلاف السنين، فلا يمكن مثلا لأى حضارة فى العالم أن تساوى بين المهندس الذى بإمكانه أن يعرف الأبعاد والنسب والتصميمات وبين العامل الذى لا تتسع رؤيته لأكثر من المساعدة فى نقل حجر أو أى مادة تستخدم فى البناء.
بيد أن هذه الحال من الاندفاع الإنسانى الغاضب وغير المعتاد على المراجعة للذات أو الفكر العقلانى والمنطقى فى مجتمعات ماتت فيها الفلسفة من قرون يسهم بدرجة كبيرة فى خلخلة بقايا أركان النقد الأدبى التى كانت تتأرجح بالأساس ولا تحتاج لسقوطها التام لأكثر من بعض الرياح الخفيفة. فى تقديرنا أن كثيرا من الأنواع الأدبية تضررت فى المجمل بفعل الثورات وعقبها مباشرة، فقد تخلخلت الأنواع وصنع الزحام الناتج عن اندفاع مجموعات غاضبة من الأقاليم والحواشى والهوامش إلى موت واختناق كثير من التجارب الجادة ودفنها مبكرا إلا ما توافر لها كم إعجازى من الإصرار والمعاندة والموهبة الطبيعية التى ساعدتها على الصمود.
فى الرواية مثلا ظهرت آلاف النصوص الأدبية التى خلخلت النوع الأدبى فى اتجاهين متناقضين، أحدهما يسهم فى مزيد من رحابة الفن الروائى واتساعه واستكشاف قدرات أكبرله، مثلما حدث وتجلت الرواية الجديدة بتمثلاتها العديدة مثل المعرفية والرواية المحتفية بالصورة والطابع السينمائى والرواية التفكيكية ورواية التشظى والتبئير الداخلى الفردانى وعودة رواية الأجيال بصورة جديدة ما بعد حداثية، وغيرها من التطوير، أما الاتجاه الثانى فكان سلبيا تماما ذلك لأنه صنع ركاما من النصوص الروائية التى هى لا تزيد عن كونها مجرد خواطر أو بوح وحكايات شخصية مكررة ومتشابهة وليس فيها ما يستحق، وأذكر أنه قد ظهرت عديد النصوص لبعض الشباب الذين مازالوا فى مرحلة الدراسة الجامعية هى مجرد حكايات يمكن أن يكتبوها على صفحاتهم على الفيس بوك أو بعض المدونات، إذ نتج عن المظاهرات السياسية شعور بأن كافة الأصوات يجب أن يتم الاستماع لها وأنها بالضرورة ذات قيمة ومهمة، وكذلك كثرت دور النشر بشكل كبير جدا واستغل كثير منها وسائل التواصل والميديا فى الترويج وصناعة الظاهرة أو الحالة. حتى إن الحالة نفسها امتدت إلى شعر العامية الذى أصبح له حفلات يقوم فيها الشاعر بإلقاء قصائده على جمهور يدخل بتذاكر مدفوعة الثمن وبحجز مسبق، ويكون أداء الشاعر مسرحيا، فى حين أن الواقع أقرب لأن يكون حالة من الضعف العام فى شعر العامية.

 

 

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة