جمال الشناوي
جمال الشناوي


جمال الشناوي يكتب: الثورة جاية امته ...؟

جمال الشناوي

الإثنين، 25 يناير 2021 - 04:47 م

 

25 يناير هو يوم أحمد رائف ومصطفى رفعت وأحفادهم ..شادي مجدي ووائل طاحون ومئات آخرين.. طابور طويل من الرجال ..منذ يناير 1952 وحتى الآن قدموا حياتهم طواعية.. حتى تحيا بلادهم

كثيرون منا يعيشون عبيد الأفكار وأيديولوجيات، يفنون حياتهم في الدفاع عنها والترويج لها ، ولا يرون العالم إلا من خلف ستار أفكارهم، وتشير حركة التاريخ إلى ضرورة مراجعة النفس كل فترة، وأن يحيا الإنسان متفاعلا مع التطورات التي يشهدها المجتمع والعالم ..ولنا في الإتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية أسوة حسنة.

وإذا لم نراجع أفكارنا  كل فترة ستتحول وتعيش كائنا إخوانيا أو يساريا مجمدا يرفض كل حوار أو نقاش.. كنت محظوظا في بداياتي أن عشت بالقرب من أفكار أهل اليمين وشعب اليسار، حتى استيقظت من ثباتي الفكري على صدمتين.. الأولى: من شخص تأثرت به كثيرا، وهو العظيم المجهول الذي لا يعرفه الكثيرون محسن لطفي السيد المناضل والثوري سلسيل الباشاوات.. والثاني: هو الأخ الأكبر والمعلم اللواء المحترم سمير محمد غانم.. وكلاهما من أبطال المقاومة الشعبية للإنجليز.. الأول ابن الباشوات والبكاوات لم يستسلم لحياة اللهو، فانضم للصفوف الأولى في مقاومة الاحتلال، ينقل المتفجرات بسيارته.. وروى لي تفاصيل عملية اختطاف القائد الإنجليزي مور هاوس «سلسيل العائلة الحاكمة فى بريطانيا تمت باستخدام سيارته الخاصة».. والثاني كان من مسئولي التنسيق مع أبطال المقاومة الشعبية ضد لتنظيم عمليات التضييق على المحتل الإنجليزي في مدن القناة وقاعدته الكبرى هناك، اللواء سمير غانم ورفاقه، نسقوا وقادوا وقاتلوا الإنجليز لإرغامهم على الجلاء تحت وقع خسائر لم تعد بريطانيا قادرة على تحملها.

بين دهاليز اليسار لم أسمع خيرا عن تاريخ  الباشا فؤاد سراج الدين واكتشفت من شهود العيان أن الرجل – رحمه الله وكل أبطالنا - كان وطنيا حتى النخاع.. بل علمونا في دهاليز اليسار أن حكومات ما قبل الثورة كلها خانت وتآمرت على مصر مع المحتل الغاشم.. وروى لي الراحلان.. كيف أن فؤاد باشا وزير الداخلية قدم كل الدعم لضابط الشرطة البطل احمد رائف الذي رفض الاستسلام للإنجليز.. وقاوم ورجاله الإنجليز.. تعجبت من الرواية التي أحاطها كثير من التعتيم الثوري الناصري.

المرة الثانية هى رحلتي الأولى إلى أمريكا.. لأكتشف أنها ليست الشيطان الأعظم.. وليست رمز الإمبريالية سوى في بعض إداراتها.. وأن مجتمع الـ5 % الذي يحكم ويدير لا يمثل شعبا لا يعرف شيئا عن العالم الخارجي.. أُناس مثلنا مسالمون في الأغلب.. ودودين ربما إلى حد السذاجة.. لكن مراكز التفكير والإدارة تختلف تماما عن شعب يحب الحياة والآخرين.

نعم يناير شهر رجال الشرطة، والحقيقة أن مشهد بطولات رجال البوليس في يناير 1952 تكرر في 30 يونيو.. ففي المرتين كان قرار البطولة نابعا من الدفاع عن وطن يجرى تمزيقه وإذلاله.. ففي المرة الأولى كانت الشعب قد قرر طرد المحتل من مواقعه الأخيرة في مدن القناة.. ولم تستطيع حكومة الوفد إلا دعم روح الاستقلال.. وأراد الإنجليز عقابها بطرد كل من يمثل الدولة المصرية.. ورفض جنود وضباط الشرطة إنذار الانسحاب.. ودعمهم وزير الداخلية وقتها.. وخاض الإنجليز – كعادتهم - مجزرة ضد الشرف الوطني المجسد في رجال الشرطة.

في 30 يونيو وما بعدها عاشت مصر نفس الظرف محاولة احتلال عبر حفيد الإنجليز المدلل لدى «ماما أمريكا».. وعلينا أن نفهم ونعترف أن كثير الدول تسعى لتحقيق مصالحها، حتى ولو بالتآمر والقتل والتدمير، وتطورات آليات الحروب من الدبابة إلى الفكرة الشيطانية، فأنهار الدم التي سالت في بلادنا كانت بفعل شلال من الأفكار الشيطانية.. وهنا على الدول اليقظة «الفكرية» حتى تحمى أنفسها ولو بالهجوم  المضاد الإجباري في كثير من الأحيان.. كان الأمريكان يسعون إلى الانسحاب من المنطقة بعدما امتلأت مخازنهم بالنفط.. وتعيين وكيل «إخواني» ظنوا أن له الشعبية التي تمنحه الاستمرار وأنهم سيتحكمون في البلد الأم للمنطقة بـ«الريموت كنترول».

لم يكن رجال الشرطة، سوى مصريين ثاروا.. بعضهم حمله الشعب على الأكتاف في الطريق لطرد سكان الاتحادية خدم الإنجليز– حسب الوثائق البريطانية ذاتها ..ونجح الشعب وعاد إلى حياته بعد إسقاط حكم العصابة، أما رجال الشرطة فهرعوا إلى الصفوف الأمامية في مواجهه إرهاب العصابة، الذين سعوا بدعم مطلق من «ماما أمريكا».. لتفكيك البلد الأم في المنطقة، بنشر التفجيرات والتخريب في كل مكان وكان من بين جرائهم هو استهداف رجال الشرطة حتى ف منازلهم، وبدت رسائل التهديد العلنية ضئيلة وتافهة أمام إرادة الرجال.. الذين كانوا هدفا لانتقام لكنهم تصدوا لها بفداء يندر وجوده.. ووطنيه أعادت لمصر سيادتها .

ذات يوم استيقظ سكان العاصمة التشيكية «براج» على الدبابات السوفيتية في شوارع المدينة.. لوأد أول الثورات المصنوعة في التاريخ الحديث.. نعم إنه «ربيع براج» 1968 الذي صنعته إذاعة «أوروبا الحرة».. كانت أشبه بـ«النيوميديا» حاليا.. بها متخصصون وخبراء يعملون على تضخيم أخطاء الحكم الاشتراكي.. ويفضحون الجمود والسكون الاجتماعي، وقبلها قمع الحريات الأساسية للإنسان.

وفشل «ربيع براج».. لكن صانعوه درسوا الأخطاء.. وبعد عشرين عاما عادوا الكرة.. وعادت الثورات الملونة تجتاح أوروبا الشرقية.. وبنجاح سقطت الشيوعية في شرق أوروبا، دولة بعد أخرى.. حتى وصلت إلى العاصمة الأم موسكو «المتجمدة» هى الأخرى سقطت.

لا ينكر أحدا أن كثير من طوائف الشعب شاركت احتجاجات الغضب في 25 يناير.. وتم إعادة استنساخ الثورات الملونة فيما سمي بـ«الربيع العربي».. الذي أسال دماء مئات الآلاف من العرب وشرد الملايين وهدم عشرات المدن.

وتم تسمية تلك الاحتجاجات بالثورة.. نعم شروط اندلاع ثورة على نظام أصابه الموات والجمود كانت موجودة لكن ما حدث لم يكن ثورة بالمعنى الأكاديمي.. وشهدنا الخداع والتضليل والأكاذيب التي تدغدغ مشاعر وأحلام الملايين.. مثل ثروة مبارك أو الـ70 مليار التي سيتم توزيعها على الشعب فورا.. مرورا باستخدام الكيماوي ضد المتظاهرين في التحرير.

الآن يناير يغادرنا إلى أعماق التاريخ.. ولازال سؤالي إلى صديقي المسئول السابق قائما ..«الثورة الجاية أمتى..؟» كنا نسير قرب ميدان التحرير يومها وقد سقط الإخوان وتم فض اعتصامات وبلطجة أتباعهم.. من الميادين وبدأت الدولة بمكوناتها تعود تدريجيا.. رغم أنه اعترف بانشغاله وفريق عمله بالإجابة على السؤال ..سألته ماهى الوسيلة التي قد تفاجئا على غرار السوشيال ميديا ..أو إذاعة أوروبا الحرة قديما ..؟

لم يجبني صديقي ولا أعرف هل نجح في تشغيل «أواكس» فكري أو إنذار مبكر فكري.. ليحمي مصر مستقبلا.. أمريكا احتاجت عشرين عاما لمعاودة الهجوم بالأفكار على دول حلف وارسو العسكري.. حتى تمردت وانضمت إلى حلف الناتو المعادي لها سابقا.. الفكرة قد تكون وسيلة للهدم والتفكيك للأوطان، كما أن الفكرة المضادة تكون حتما خط الدفاع الأول عنها.

اصنعوا مراكز للتفكير في كل مكان ولا تمنحوا مقعدا فيها لأنطاع الواسطة.. وأقارب وأبناء المحظوظين عليكم منح الكفاءة الأولوية الوحيدة حتى نحمي مصر من هجمات من نوع جديد وأسلوب جديد.. فلطالما بقيت مبررات الهوجة الأولى، سيبقى الدافع لديهم في بلاد «ماما أمريكا» لضرورة التفكيك للدول الرئيسية في المنطقة.

والحقيقة أن أجهزة المعلومات في وزارة الداخلية، باتت الأكثر كفاءة في علوم التطرف، بما تملكه من خبرات تراكمت على مدى سنوات الحروب الجديدة، وباتت تعلم الكثير بعدما كشفت الكثير من عصابات تجار الدين الذين تخفوا لعقود.

وحتى لا تأتي ثورة مباغته علينا استخدام كل علوم القوة الذكية.. في حل وابتكار حلول غير تقليدية لمشكلات بعضها بدأ يصنع عوامل إحباط.علما بأن التقوقع الفردي ..الذي خلفته هجمات «السوشيال ميديا» سيكون حاكما في المصالح الشخصية للأفراد في الحكم على السياسة العامة للدولة خاصة الاقتصادية والتنموية منها .

فكروا تأمن أوطانكم

وأخيرا وفى أثناء الاحتفال بعيد الشرطة تابعت على الشاشات كلمة وزير الداخلية، مستعرضا حصاد عمل لا يتوقف، وماكينات إنتاج الأمن، باتت قادرة على خفض معدلات الجريمة الجنائية، كما نجحت في اقتلاع جذور الإرهاب تقريبا.. وأذكر أن مسئولا أمنيا أمريكا بعد تفجير مركز التجارة العالمي، أتى طالبا لقاء الراحل العظيم أحمد العادلي، ليجلس ليسمع ويعي .

لدينا خبرات عظيمة وقدرات فائقة على الاستباق في المواجهة، ونحتاج فقط التركيز على السبق في التفكير .

وتبقى كلمة أخيرة.. أقولها دون مصلحة خاصة، ولكنه الواجب المهني، والضمير الشخصي لو كان للتاريخ كلمة، وهى أنه لو جاء السيسي على رأس ثورة يوليو 52، لكانت مصر الآن في الصفوف الأولى لدول العالم الأول.. ولكن أن يأتي القدر به رئيسا شريفا لا يتوقف على العمل، متأخرا، خير من ألا يأتي.

فعلا دولة محتاجة دولة.. كما قالها الصديق والأستاذ الشريف عبد الحليم قنديل قبل أكثر من عشر سنوات.. وفريق الإدارة الحالية قادر على أن يفعلها.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة