صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


مراسيل| بركان من الحب الصامت

إسراء مختار

الإثنين، 25 يناير 2021 - 09:32 م

لا أعرف لماذا أكتب لك بالرغم من أننى أعرف أن الكلمات لن تغير شيئا فى حكايتى التى بدأت منذ عشرين عاما حينما كنت فى الجامعة وارتبطت بزميل لى، عشنا قصة حب كبيرة، عرفت معه معنى الحياة والحب، كنت أكثر إشراقا وإقبالا على الحياة، حتى جاء اليوم الذى تنتظره كل فتاة.

تقدم حبيبى مع أسرته البسيطة لوالدى، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن، وكما هى العادة فى مجتمعنا الطبقى رفض والدى الذى كان نائبا برلمانيا أسرة زميلى وأهانهم، ثار زميلى لكرامته وكرامة أهله، وحاولت كثيرا الدفاع عنه والتمسك به، امتنعت عن تناول الطعام، هددت بالانتحار، قررت العزوف عن الزواج، وبالفعل رفضت الكثير من الشباب الذين تقدموا لى بعدها، لكنى لم أستطع الصمود طويلا أمام والدى الذى كان ذا سطوة ونفوذ، وأجبرنى على الزواج من شاب من أسرة ثرية ولديه وظيفة مرموقة، والحقيقة أنه كان إنسانا مهذبا وخلوقا ولم أر منه شرا قط.

تزوجت الشاب المثالى الذى اختاره لى أبى، عشنا حياة طالما رأيتها روتينية وشديدة الملل، كثيرا ما كنت أتشاجر ولكنه كان يتعامل معى بطبيعته الهادئة، بمرور الوقت اكتشفت فيه الكثير من المميزات التى جعلتنى أحترمه، فهو شخص صادق ومهذب ويتحمل المسئولية ويحبنى، أنجبت منه ٣ أبناء، ولم تتغير معاملته الرقيقة بمرور السنوات، بل ازداد تقديره لى، وحبه الصادق لى ولأولادنا، ولكن كل هذا الاحترام لم يمنعنى من التفكير فى حياة أخرى موازية مع الإنسان الآخر الذى فرقتنا الأقدار، كنت أتخيله هو زوجى، وأبنائى أبناءه، وأعيش فى خيالى الحياة التى تمنيتها، والتى تخلو بالطبع من زوجى المحب.

خيالاتى المريضة امتدت إلى واقعى، ووجدت نفسى دون وعى منى أبحث عن حبيبى على صفحات السوشيال ميديا، ولم يكن من الصعب أبدا العثور عليه، ووجدته قد أصبح إنسانا ناجحا وتزوج وأنجب العديد من الأبناء، وللأسف بدأت أقارن زوجى به، وبدأت أشعر أن زوجى لم يحقق أى إنجازات، ندمت سريعا على تصرفى هذا وعاهدت نفسى ألا أكرر الأمر، وأن أتقبل ما أنعم الله على به، وأنه لا يمكن أن أتذمر بعد كل هذه السنوات، لأن كل شىء نصيب.

كما ذكرت لك أن زوجى لم يحقق إنجازات كبيرة فى حياته، فقد ظل يتدرج وظيفيا فى عمله المرموق، وقبل أن يبلغ سن المعاش بأعوام قليلة تلقيت اتصالا هاتفيا من مكتبه، أخبرونى أن زوجى تعرض لأزمة قلبية وتم نقله للمستشفى، توجهت مسرعة إليه لكنه كان قد فارق الحياة، مات زوجى الذى طالما ظننت أنه حظى السيئ من الحياة.

لا أعرف كيف مرت الأيام الأولى علىّ من الصدمة، كنت أتصل على هاتفه بجوارى وأنتظر أن يرد كنت أرسل له رسائل وأنتظر أن يفتحها، بكيت كما لم أبك من قبل فى حياتى، الآن عرفت معنى الفقد، فقدت الرجل الوحيد الذى أحببته، لا أعرف متى أو كيف أحببته كل هذا الحب، عامان مرا ومازلت أحيا صدمة رحيله، غير مصدقة وعاجزة عن تقبل فكرة موته، لقد اكتشفت أننى لم أحب أحدا سواه فى حياتى، ولكن فيما يفيد الندم الآن.

فى كل يوم أكتشف مئات التفاصيل الصغيرة التى كانت تعكس حبه العميق لى بالرغم من أنه لم يكن يتحدث، كان يهتم بشدة بكل ما يتعلق بى دون كلام، كان ممتازا فى عمله ومحبوبا بالرغم من أنه لم يحقق نجاحا باهرا إلا أنه كان أيضا ناجحا ومتقنا لعمله.

لا أخفى عليك أيضا أننى أصبحت أكره هذا الشخص الذى أحببته وأنا فى الجامعة، تمنيت لو كان زوجى هو أول حب فى حياتى، لو أننى بادلته الحب بصدق كما أحبنى، أصبحت أكره حبى الأول بشدة لأن وجوده غير المقصود سبب دمارا كبيرا لحياتى التى أصبحت الآن مزيجا كئيبا من الندم والكراهية، لا أعلم ماذا أفعل، ووقت الفعل قد ولى وفات.

الـرد‭: ‬

عزيزتى، لابد أنك تشعرين الآن بالندم والحزن، وأنك لم تقدرى الزوج الصالح الذى أنعم الله به عليك طوال السنوات الماضية، ومن الجيد أنك لم تكابرى ولم تنكرى مشاعرك تلك أو تحاولى تبرير سوء تصرفك، لكنى أرفض المزايدة على مشاعرك، صحيح أن زوجك قد رحل دون أن يعرف قدر حبك له، لكنك مازلت على قيد الحياة، لذلك لم يفت الأوان أبدا، وكما يقول الشاعر "إن معنى موتنا مهما انطوت أيامنا بدء الخلود"، فالوفاء للحبيب يا عزيزتى لا يتعلق أبدا بحضوره، بل يستمد سموه وقيمته الحقيقية من الإخلاص فى الغياب قبل الوجود وإلا ما سمى وفاء، من الجيد أنك أدركت كل ما قدمه لك هذا الرجل فى حياته وندمت على جفائك له، لا تهدرى عمرك فى الندم على ما مضى، وحان الوقت لرد الدين لهذا الزوج المحب، قومى بعمل خيرى له أو صدقة جارية باسمه، عبرى عن حبك وتقديرك له بإحياء سيرته وعمل الخير والدعاء له، أذكرى زوجك دائما بالخير أمام أبنائه واجعليهم فخورين بأبيهم.

أما حبك الأول لا يعدو كونه وهما فى رأسك وحدك، أفيقى منه فورا، ولا تحاولى التواصل أبدا مع هذا الرجل، فلا داعى لمزيد من خراب البيوت، ولا داعى لتكرهى أو تحبى رجلا لم يفعل لك شيئا من الأساس، لا خيرا ولا شرا، فقد اختفى من حياتك منذ ٢٠ عاما ومضى فى حياته قدما، بينما توقفت أنت عند قطاع عرضى من الزمن لا يسمن ولا يغنى، فأهدرت أسعد أوقاتك فى وهم كبير، ومن الجيد أنك لم تحاولى العودة للتواصل معه أو هكذا أتمنى، أطوى تلك الصفحة للأبد، وأكرمى زوجك المحب المخلص الذى أفنى حياته لأجلك وأبنائك، وأخلقى لنفسك حياة جديدة سعيدة، وبدلا من العدمية التى بدأت بها حديثك حول أن الكلام لن يجدى ولن يغير الواقع، أشكرى الله أنه أنعم عليك بمشاعر الندم التى دفعتك لإدراك أخطائك والسعى لتصحيحها.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة