دونالد ترامب
دونالد ترامب


محاكمة ترامب والعزف على آلام وحدة الشعب أمريكا 

منال بركات

الثلاثاء، 26 يناير 2021 - 12:20 م

لن ينسي التاريخ بل العالم السنوات الأربع التي عاشها في ظل وجود الرئيس الأمريكي الذي يحمل رقم 45 دونالد ترامب، ليس بوصفه كان رجلا عشوائيا في قراراته، أو لأنه ليس محنكا سياسيا، دائما وأبدا تحكمه نوازع شخصية في معظم خطواته، أو لأنه ضرب كل الأعراف في مقتل وأدار البلاد كما لو كانت شركة من شركاته، أو لأنه عرج إلى اختيار أهل الثقة وليس أهل الخبرة، أو لأنه كان يطيح بكل من عارضه بضغطة من إصبعه علي تويتر، أو لأنه شوهة السلوك المؤسسي للبلاد الذي وضعه أسلافه من عشرات السنين وصار نهجا عالميا يحتذى ويضرب به المثل في الديمقراطية.

لن ينسي التاريخ تلك الحقبة الترمبية من عمق الآثار التي خلفها وراءه، رغم خروجه من السلطة، مازال ذكره يستحوذ على الأجواء، وبالتأكيد، ليست سيرة عطره، إنما سيره تسد الأنوف من هول المفاجأة التي صدرت عنه. 

تسببت دونالد ترامب، في انقسام كل ما أحاط به، الحزب الذي تبناه ورفعه إلى منصب الرئاسة انقسم على نفسه بين مؤيد لعزله ومحاكمته خشية من ظهوره مرة ثانية في الساحة السياسية، وبين معارض للقرار خوفا من سقوط التبعة على الحزب الجمهوري لاختياره من البداية، وفريق ثالث من الحزب وهم الطفيليون والعنصريون المتشددون اللذين وجودوا في السلوك الترمبي، هوى يوافق ما في نفوسهم، ولا يستطيعوا الجهر به خشية من التوازنات السياسية التي لو اقدموا عليها لخسروا العديد والعديد من الأصوات الانتخابية، فجاء الاندفاع الترمبى، بمثابة طوق النجاة.

الحزب الديمقراطي انقسم على نفسه أيضا، رغم أن الكل يؤمن بضرورة محاسبة ترامب على مجمل أخطائه، غير أن الانقسام يتبلور في فريق يصب كل اهتمامه على المضي في إصلاح ما أفسده من قرارات خاطئة خلفت ورائه كوارث على مستوى العالم والقائمة طويلة، وفريق يتمسك بمبدأ الثواب والعقاب حتى لا تتكرر مثل تلك الكارثة الرئاسية في الزمن القادم، وفريق ثالث تتملكه نوازع غضب من جنوح أفكار من تحكم في مقاليد البلاد وشوهه الأخضر واليابس. 

لم تقتصر الانقسامات التي توالت على الأحزاب السياسية في البلاد، إنما تسبب البعد الترمبي في انقسام الأمة والشعب الأمريكي على نفسه، وحتى لا نحمله وزر كل شيء، واحقاقا للحق يمكن القول إن هذا الانقسام على وجه الخصوص، كان انقساما دفينا، يحكمه القانون ويسيطر عليه، لكنه وجد ضآلته في العصر الترمبي، الذي فجر الأحقاد الدفينة والفتنة النائمة منذ الحرب الأهلية، فظهر علي سطح المجتمع الأمريكي مرة ثانية وبقوة، مصطلح القومية البيضاء، والحركات أو التنظيمات العرقية التي تتبنى الاعتقاد بأن البيض هم عرق، سعى بكل ما أوتى من قوة إلى محاولة للحفاظ على هوية عنصرية وعرقية بيضاء للهيمنة علي المجتمع بأسلوب نازي ودموي. انتهي كما شاهد العالم بأحداث السادس من يناير 2020، والمعروف باسم اقتحام الكابيتول.


تلك الانقسامات السابقة، وإن كانت خطيرة في مجملها ولها تبعات وأثار سيعاني منها المجتمع الأمريكي لفترة، غير أن هناك كارثة كبيرة أعمق من كل تلك الخروقات التي خلفتها الحقبة الترامبية، وهى ترسيخ المبادئ الميكافيلية، «الغاية تبرر الوسيلة» الذي لا يرتكز علي قيم وأسس في التعامل النزية، ويفتح كل الأبواب أمام رياح الفساد. تلك الرياح وإن هبت على أمة أتت فيها على الأخضر واليابس، فما بال الحال بأمة قامت على أساس الهجرة من كل شعوب العالم، وليس قوامها الوحدة في العرق إنما الوحدة في الفكر والمبادئ. 

 أمام كل هذا الزخم من القضايا الشائكة، وحتى تستقيم الأوضاع على ما كانت عليه، فإن المحاكمة العادلة قد تعيد الأمور إلى جزء مما كانت عليه من حبكة للتطرف الذي أطل برأسة من براثنه الدفينة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة