كرم جبر
كرم جبر


إنها مصر

الدولة وعدالة الحياة

كرم جبر

الثلاثاء، 26 يناير 2021 - 08:36 م

ليس المستهدف من إنشاء شبكة الطرق هو "فقط" أن تسير عليها السيارات وتسهيل حركة المرور، ولكن كل طريق يتحول على جانبيه إلى مجتمع عمراني فى المستقبل، يستوعب عشرات الآلاف من المصريين.

اتخنقنا

وأصبحنا كمن نعيش جميعاً فى شقة صغيرة، بينما نترك مساحة البلاد دون إشغال، فأصابتنا كل أمراض الزحام.

أخطرها "التلوث الأخلاقي"، فالشاب الذى ينشأ فى مكان يشبه علبة سردين، تصيبه الأمراض العضوية والنفسية، وتنكسر فى أعماقه متعة الحياة.

والبنت التى تطاردها عيون الجيران، لأن الشبابيك والبلكونات متقاربة جداً، تصيبها حمى التلصص وما وراءها من أعراض وسلوكيات غير سوية.

وهكذا أحياء كثيرة فى القاهرة المحروسة، يعيش الناس فيها وكأنهم فى الحشر، ومنازل متقاربة لا تدخلها شمس ولا هواء، وكأنه كتب عليهم العذاب.

لم يكن غريباً منذ فترة أن تهيج الثعابين الكبيرة على اللودرات أثناء هدم أحد الأحياء الآيلة للسقوط فى المقطم، فقد كانت المنطقة التى يمتد تاريخها مئات السنين، تعيش فوق أنفاق للثعابين الساكنة تحت العشش السكنية، وحشرات أخرى ضارة كثيرة.

وانتقل قاطنوها من "العدم" إلى "الأمل"، ورغم ذلك سمعنا من يحاول التهييج والتحريض، ويؤلب السكان لعدم الانتقال لمناطق أخرى نظيفة تشبه الأحياء الراقية.

وعندما تكسر الدولة "خنقة الأماكن" المفروضة على مواطنيها، فهى تعيد "ترسيم جودة الحياة"، فمن حق الفئات الأكثر احتياجاً أن يكون لهم نفس الحق فى الحياة، وهو المعنى السامى لحقوق الإنسان.

المشروعات الكبرى كلها تحقق نتائج غير مباشرة أبرزها إعلاء شأن القيم الإنسانية، بجانب الهدف الأساسى من إنشائها وهو النمو الاقتصادي والتنمية المتسارعة.

البارون إمبان البلجيكى الجنسية، عندما أراد إنشاء حى مصر الجديدة، وكانت صحراء تستوطنها الذئاب والكلاب المسعورة، مدّ المترو من أمام دار القضاء العالى الآن، وحوله تم تخطيط حى سكنى هو الأرقى والأجمل فى القاهرة كلها.

وفى مصر الآن آلاف الطرق مثل ما فعله البارون إمبان، وكانت الدولة حريصة على تأمين الأراضى المحيطة بها، حتى لا يقتنصها أصحاب الأذرع الطويلة، مثلما حدث فى طريق الإسكندرية الصحراوي الذى تم تقطيعه كالكعكة الكبيرة، فمنعت الاعتداء عليها لمسافة 2 كيلو متر على الجانبين.

فالأرض لكل المصريين وليس لفئة واحدة، والخير الذى يعم على الجميع أفضل مليون مرة، ومضى عصر تنتفخ كروش بعينها بكل شيء، وتحرم الغالبية من أى شيء.

الدولة العادلة هى التى ترعى جميع أبنائها، وإذا اختارت فليكن للمحتاج والفقير ومن ضاقت بهم سبل الحياة، وإذا جاملت فليكن للفقراء، وإذا منحت فليكن لمن يستحق وليس لصاحب سطوة أو نفوذ.

وأعلى مراتب العدالة إتاحة فرص الحياة الكريمة للناس، ومن مآثر سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه "حكمت فعدلت فأمنت.. فنمت".

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة