محمد الشماع
محمد الشماع


يوميات الأخبار

هكذا فشل القذافي فى خطف إبراهيم سعده !

الأخبار

الثلاثاء، 26 يناير 2021 - 08:49 م

 

بقلم/ محمد الشماع

لم يحسم الموقف سوى تحذير الرئيس الأسبق  موجها كلماته للعقيد.. «خلاص يامعمر ده فى حمايتي»

كثيرا ما كان الكاتب الكبير الراحل إبراهيم سعده يعتذر عن عدم مرافقة الرئيس الأسبق مبارك فى جولاته وزياراته الداخلية والخارجية، على عكس رؤساء التحرير وكبار الكتاب الذين كانوا يحرصون على مرافقة الرئيس الأسبق  بمجرد الدعوة أو السفر بطريقتهم الخاصة إلى حيث يوجد رئيس الدولة!

كان الرئيس الأسبق  مبارك يحرص على تواجد الأستاذ  إبراهيم  سعدة إلا أن ذلك لم يكن يتحقق إلا إذا تم إبلاغه بأن الرئيس أمر بضرورة تواجده.. خلال فترة الحظر على ليبيا، ألح العقيد معمر القذافى فى دعوة الرئيس الأسبق  مبارك لزيارة ليبيا مع وجود الحظر الجوى، ووافق الرئيس الأسبق على تلبية الزيارة وتمت الترتيبات على وجه السرعة وإبلاغ رؤساء التحرير ومحررى الرئاسة بموعد السفر وأن التواجد فجرا بأحد المطارات العسكرية وتم إبلاغ الأستاذ إبراهيم  بأن السفر إلى سويسرا وليس ليبيا تنفيذا لتوجيهات الرئيس الأسبق وذلك لأن السيدة حرم الكاتب الكبير سويسرية حتى يضمن عدم اعتذاره أو تخلفه عن موعد السفر الحقيقي!

أحنا رايحين فين؟

كنت أحد الصحفيين المرافقين لتغطية الرحلة التى لم نكن نعلم مكانها أو مدتها، اكتمل تواجد الجميع بالمطار الخامسة فجرا وفوجئت بوجود الأستاذ  إبراهيم  سعده جالسا فى الاستراحة ونادى عليّ فألقيت عليه التحية ورد مبتسما طالبا جلوسى إلى جواره، ثم سألنى باعتبارى محرر شئون الرئاسة.. إحنا رايحين فين؟

قلت: مادام سيادتك احنا حنسافر من هنا يبقى الأمر لا يخرج عن السفر إلى مرسى مطروح أو السلوم ومنها الى ليبيا؟

فإذا به يرد بسرعة وقد بدت عليه علامات التوتر.. لا.. لا أنت ماتعرفش حاجة!!

قلت: إحنا سافرنا من هذا المكان أكثر من مرة وبيكون السفر داخل الحدود المصرية.. لم يرد الأستاذ  وظل صامتا، حتى أنه لم يكمل فنجان القهوة وبعد دقائق طلب منا مسئول المراسم التوجه معه إلى الطائرة.

سرنا جميعا مترجلين فى اتجاه طائرة عسكرية ضخمة يقف على مقربة منها عدد من الطائرات، وإذا بالأستاذ  إبراهيم  يهمس فى إذنى متسائلا.. فين الطائرة، فأشرت بيدى إليها قائلا.. انا قلت لسيادتك.. ولم يرد الأستاذ .. صعد الجميع وأغلقت الأبواب وجلسنا على مقاعد أشبه بالكنبة البلدى المغطاة بقماش "الكيريتون" لم نشعر بشيء إلا بعد هبوط الطائرة وتوقف صوت محركاتها عن الضجيج فى مطار السلوم.

وجدنا رتلا من سيارات الميكروباص فى انتظارنا وصعد أعضاء الوفد من المسئولين ورؤساء التحرير والصحفيين وجلست مجاوراً للأستاذ إبراهيم  الذى بدا عليه القلق والتوتر بصورة واضحة ولم يتحدث طوال الطريق الفردى من السلوم حتى طبرق بمسافة طوال ١٥٠ كيلو مترا والطريق أقرب ما يكون بالمدقات بسبب ذوبان طبقة الرصف منذ سنوات مع كثرة المطبات والمنحنيات التى يمتلئ بها الطريق الذى كثيرا ما كانت السيارات تخرج منه إلى المناطق الرملية نتيجة قلة النوم التى كان يعانى منها سائقو السيارات والخوف الذى كان يعترى الجميع من حدوث كارثة انقلاب تلك "الحافلات" التى كانت عنوان مقال الأستاذ  إبراهيم  الذى يعد من أجمل وأعذب وأقوى المقالات التى كتبها الكاتب الكبير فى أخبار اليوم.

شفت عرفت أجيبك!

لم يكن ما حدث هو المفاجأة لكن الأكثر مفاجأة هو نتيجة العقوبات وفرض الحظر على ليبيا بسبب اتهامها بإنتاج وامتلاك أسلحة كيمائية فى بداية التسعينات من القرن الماضى واستمر الحظر سنوات طويلة كلف ليبيا خسائر فادحة على كافة الأصعدة، بدا ذلك واضحا بمجرد وصول الوفد المصرى إلى مطار طبرق على الحدود المصرية الليبية، حيث تقف طائرة قيل لنا إنها طائرة العقيد الرئاسية ولم تقلع منذ سنوات طويلة ولم تجر لها أى عمليات صيانة حقيقية، صعدنا الطائرة وفى المقدمة الرئيس الأسبق مبارك متجهين إلى طرابلس وخلال تلك المسافة أصابنا الرعب بسبب الأصوات المرعبة ورجرجة الطائرة والمطبات الهوائية التى كادت تخلع قلوبنا، إلى أن هبطت الطائرة أرض مطار طرابلس وتنفسنا الصعداء جميعا.

عندما رأى الرئيس الأسبق  وجه الأستاذ  إبراهيم  سعده ابتسم بصورة واضحة وموجها كلماته له قائلا: شفت عرفت اجيبك ازاي!

وحاول الأستاذ  أن يضع ابتسامة على وجهه كإجابة بدون تعليق على كلام الرئيس الأسبق !

كان الرئيس الأسبق  مبارك يعرف ويفهم العقيد القذافى أكثر من أى شخص أو مسئول فى العالم، وكان يصفه بأنه أعقل واحد.. ويضيف.. لما نتفق معه على شيء يلتزم به..والتعامل معه أفضل من التعامل مع الكثيرين!

من يصف الكلام؟

وفى المقابل كان القذافى يعشق مصر ويحرص على زيارتها وكان هو الذى يحدد موعد زيارته لمصر، كما كان يطلب من الرئيس الأسبق زيارة ليبيا دون أسباب وكان الرئيس الأسبق  له مبعوثه الخاص صفوت الشريف فى أحيان كثيرة لعدم تمكنه من تلبية زيارة ليبيا.. لمعرفة ماذا يريد، وكان القذافى يستقبله فى الخيمة ويجلس معه بالساعات دون أن يناقش معه قضية أو مشكلة محددة أو يشرح له سبب الزيارة.. وطوال هذه الفترة الزمنية داخل الخيمة يتم تبادل كلمات الترحيب ويكون الرد بالشكر يتلوها كلمات من القذافى للمبعوث −بلهجته المعروفة− تشب شاى فيرد المبعوث.. نشرب شاى  ويتكرر ذلك عدة مرات وفى نهاية المقابلة يقول القذافى وهو يضحك.. صفوت يصف الكلام من عنده! وبالفعل تنطلق تصريحات صفوت حول المقابلة التى تناولت العلاقات الثنائية والتعاون بين البلدين والقضايا الإقليمية والدولية كما نقل رسالة الى العقيد القذافى من الرئيس الأسبق  مبارك حول المستجدات على الساحة الإقليمية والدولية والتعاون بين البلدين وسبل دفعها للأمام!!

كانت سعادة العقيد القذافى تبدو واضحة اثناء المؤتمرات التى كان يطلب عقدها مع شباب الجامعات وكبار الكتاب والصحفين ليشرح لهم أفكاره وآراءه وكانت تلك المؤتمرات واللقاءات تستغرق ساعات طوالا، كما كانت زياراته للعديد من محافظات مصر فى القاهرة والإسكندرية ومرسى مطروح والفيوم وغيرها من المناطق، حيث كانت تتم معظم تلك الزيارات بالطريق البرى بالسيارات التى كان يصعب حصر أعدادها وأنواعها، وكان يقيم الخيام الفاخرة بالقصور الرئاسية التى ينزل بها فى مصر ثم يترك هذه الخيام عند المغادرة!

احنا نعتقلك الحين

أما المفاجأة أو لنقل المواجهة التى تمت خلال الزيارة ولم يكن يتوقعها أحد على الاطلاق هى عندما شاهد معمر القذافى الأستاذ  إبراهيم  سعده وإذا بعلامات الغضب تظهر على وجه القذافى واختفت ابتسامته التى استقبل بها الرئيس الأسبق  مبارك والوفد المرافق.. اتجه القذافى نحو الأستاذ  إبراهيم  الذى بدا عليه التوتر واضحا.. وبكلمات مفضوحة تفهم بصعوبة رغم قربى الشديد من الرئيس الأسبق  والقذافى والأستاذ  إبراهيم وكبار المسئولين فى ليبيا والوفد المصرى حيث لامراسم استقبال ولا بروتوكول!!

القذافى موجها كلماته للاستاذ إبراهيم : ايش الكلام اللى كنت تكتبه وتصفه.. ايش اللى كنت تقوله.. ايش اللى ترسم.. الحين احنا نعتقلك الحين!!

تكهرب الموقف.. وانفجر الرئيس الأسبق  بالضحك والعقيد يتحدث بمنتهى الجدية  والإصرار. والأستاذ  إبراهيم  يحاول أن يقترب من الرئيس الأسبق  وعليه علامات الاضطراب− ربما نذكر فى تلك اللحظة كيف اختفى الزعيم الشيعى موسى الصدر فى ليبيا ولم يظهر حتى الآن.

لم يحسم الموقف سوى تحذير الرئيس الأسبق  موجها كلماته للعقيد.. "خلاص يامعمر ده فى حمايتي" قالها بحسم وقوة جعلت العقيد يتوقف عن تهديده الذى ختمه قائلا: احنا نتركه الحين شان مبارك!

ربما لا يعرف الكثيرون من الاجيال الحالية أن السبب الذى دفع القذافى لمحاولة اعتقال الكاتب الكبير هو ما كان يكتبه ضد معمر القذافى الذى ارتكب عدة أخطاء جسيمة فى حق شعب مصر وتصريحاته الصادرة للرأى العام إضافة لما كان يقدمه الكاتب المبدع أحمد رجب والعبقرى مصطفى حسين من رسومات كاريكاتورية فى صحف مؤسسة أخبار اليوم وتناقلتها عنها الفضائيات والصحف العالمية. ردا على هجوم القذافى على مصر وقائدها البطل أنور السادات!

لا تتحرك من غرفتك

توجهنا للفندق المخصص للوفد وقال لى الأستاذ  إبراهيم  "لاتتحرك من غرفتك إلا بعد أن تخبرني" بينما ظل الأستاذ  فى غرفته طوال الرحلة، واذهب انا إلى متابعة المباحثات والزيارات واكتب الموضوع وكنت أجد مشقة بالغة فى الاتصال بالجريدة أو استخدام الفاكس الذى كان عليه قيود مشددة داخل الفندق. ثم أقدم له ملخصا لما حدث حتى يكون على معرفة تامة بما حدث ولكى تكون لديه المعلومات عند كتابة مقاله الأسبوعى.. وحتى لا يترك غرفته أو يخرج من الفندق!

وكنت اتصل بالأستاذ  صباحا وعدة مرات يوميا طوال الرحلة التى استمرت ثلاثة أيام طوال! وكان يطلب منى الانتظار حتى نتناول الإفطار ثم يصعد غرفته.

موقف لا أنساه اثناء وجودنا فى مقر إقامة الرئيس الأسبق  وهو عبارة عن كمبوند على مساحة شاسعة ويضم عددا كبيرا من الفيلات والقصور الفاخرة لإقامة الوفود الرئاسية التى تزور "الجماهيرية الليبية الديمقراطية الشعبية العظمى" التى تحكمها اللجان الشعبية.. اثناء وجودنا فى المقر المزدحم بسيارات كبار المسئولين والوزراء −أمناء اللجان الشعبية− رأيت وسمعت هذا الحديث بين أمين اللجنة الشعبية للشئون الخارجية −وزير الخارجية الليبي− يطلب من سائقه أن يفتح له الباب ليستعد للانصراف.. فإذا بالسائق يقول له بحدة انتظر الحين انتظر! فما كان من الوزير إلا أن انتظر!!

جميع أعضاء الوفد كانت تؤرقهم رحلة العودة الى مصر التى تغير طريقها وتوفير سيارات  رئاسية ليبية لنقل الوفد والرئيس الأسبق  من طرابلس الى مطار جربة على الحدود الليبية جنوب تونس على بعد٢٠٠ كيلو متر وفى المطار كانت الطائرة الرئاسية المصرية فى انتظار الوفد المصرى لتنقله الى تونس العاصمة ظهرا حيث استقبلنا الرئيس التونسى الراحل زين العابدين  بن على وأجريت مباحثات بين الرئيسين أعقبها مأدبة غداء بقصر الرئاسة التونسى.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة