مدير مستشفى العزل بالعجوزة خلال حديثه مع فريقه الطبي - تصوير: طارق إبراهيم - أحمد حسن
مغامرة داخل العزل| ضريبة التضحية.. الفيروس يهاجم مدير عزل العجوزة وأسرته
الأربعاء، 27 يناير 2021 - 09:50 م
واجه الدكتور طارق السيد مدير عام مستشفى العجوزة المخصصة لعزل حالات كورونا موجتين من فيروس كورونا على مدار 10 أشهر منذ بداية تخصيص المستشفى للعزل، ربما تكون الموجة الثانية الأشد، كان ضريبتها أن يصاب الطبيب وزوجته وأبناؤه الثلاث بالفيروس ، منهم اثنان أصيبا مرتين بكورونا فى الموجتين الأولى والثانية.
على أصوات سرينة الإسعاف بدأت جولتنا مع الطبيب، فى أقسام المستشفى بعد أن ارتدينا ملابس العزل، بدأنا بزيارة المصابين بكورونا والأطقم الطبية ليشرف عملهم، وفور وصولنا لاقسام المرضى اجتمع بالفريق الطبى من أطباء وتمريض وعاملين اعطى توجيهاته بمراعاة قياس العلامات الحيوية للمرضى من ضغط ونبض والحرارة ومعدل التنفس ونسبة الاكسجين وهى الأهم وفى حال تعرض المريض لأى نقص فى الأكسجين يتم استدعاء الطبيب فورا للتدخل الطبي، مضيفا كل المرضى مثل اخواتكم وابائكم وابنائكم وامهاتكم وكلنا عائلة واحدة وفريق واحد وبحكم الاتحاد انتم اقوياء.
يرى مدير العزل أن التعامل كأسرة واحدة فى المستشفى هو ما يساعدهم كفرق طبية ومرضى على مواجهة الفيروس، العامل النفسى أهم شئ، وهو ما يحرص عليه فى إدارته للمستشفى، وبحكم عمله يفسر لنا الطبيب الاختلاف بين الموجتين الأولى والثانية فيقول أثناء تفقد المستشفى : فى الموجة الأولى كانت الأمور مختلفة بشكل كبير عن الوضع الحالي، الناس كانت تهتم بشكل أكبر ولا تعرض نفسها للعدوى بالصورة الفجة التى نراها فى هذه الأيام، أما الموجة الثانية الناس تجرأت فى التعامل مع المرض سواء على المستوى الشعبى ولم يعد يلتزمون بالواقيات وفى نفس الوقت الأطباء الذين يتعاملون مع المرض خارج المستشفيات تجرأوا ايضا فى التعامل مع المرض، ويصبرون على المريض وقتا أطول فى المنزل، والنتيجة أن معظم الحالات المحجوزة فى المستشفيات حالات شديدة تحتاج لرعاية أكبر، وخاصة الأكسجين وتدخل الرعاية المركزة بشكل أكبر.
ويضيف: انه من الناحية الطبية الأطقم الطبية اكتسبت خبرة بشكل أكبر، فى التعامل مع الحالات، ففى بداية انتشار الفيروس كانت هناك أشياء كثيرة مجهولة حتى على مستوى الأدوية، ونغير الأدوية طبقا للتغيرات فى المرض واستجابة المريض، وحاليا يوجد استقرار فى العلاجات ومراحل التعامل مع المرض، حسب شدة الحالات، فلكل حالة ادوية حسب شدتها، ونحن كأطباء أيضا تجرأنا بعد اكتساب الخبرة فى التعامل مع المرض.
أثناء جولتنا يشرح الدكتور طارق مراحل استقبال المريض، فور خروجه من سيارة الإسعاف يتم توجيه لقسم الطوارئ ويتم فحصه طبيًا، وتقييم الحالة والاطلاع على التقارير الطبية التى أجريت له فى مستشفيات الفرز وبعدها يتم توزيع المريض حسب حالته سواء غرفة عادية أو رعاية مركزة حسب شدة حالته، ويوجد فى المستشفى حوالى 115 سريرا لاستقبال المرضى.
الحديث تطرق إلى اختلاف أعراض الفيروس فى الموجتين الأولى والثانية حيث قال إن الموجة الأولى كانت الأعراض تنفسية والسخونية وتكسير الجسم وفى الموجة الثانية، بدأت الأعراض تختلف مثل أعراض جهاز هضمي، واختلال نسبة السكر فى الدم، وأعراض اعتلال فى وظائف الكلى، وبالنسبة لمستشفيات العزل الحالات أكثر شدة فى الموجة الثانية، وتحتاج الى رعايات مركزة واكسجين صناعى ولاحظنا أن التدهور فى الحالات الحرجة يكون سريعا جدًا، خاصة فى كبار السن واصحاب الأمراض المزمنة، لكن نسبة التعافى أكبر.
ربما كانت تجربة إصابته بالمرض هو وعائلته دافعًا للمرور على المرضى يوميا حيث كانت جولته معنا الثانية التى يتفقد المرضى فى يوم واحد فيقول: تجربة المرض تجعلك أقرب للمرضى وتشعر بما يعانون به، فأصيبت أنا وزوجتى واولادى الثلاث منهم اثنان اصيبا مرتين، والحمد لله ربنا من علينا بالشفاء.
ويتابع استشارى المناعة: كنت متضايقا جدا عند اصابة اسرتى زوجتى وأولادى (عمر الأكبر خريج امتياز اسنان، محمد خريج تجارة جامعة القاهرة، والأصغر أسامة فى أولى ثانوي) لقلقى عليهم والحمد لله كنت مطمن بعض الشئ لأن الاعراض لم تكن شديدة فابنى عمر ومحمد اصيبا مرتين، وأنا وزوجتى اصبنا بالتزامن والتزمنا بإجراءات العزل المنزلي، ولم نذهب للمستشفى الا للتشخيص فقط.
ويضيف: تجربة الإصابة كان كرما من الله والأمور كانت وقتها صعبة فى البلد كله وكانت هناك قلة خبرة فى التعامل مع المرض، وقمت بعمل عزل منزلى لى ولزوجتى ولأولادى رغم أن كان متاح لى العزل فى المستشفى، وكنت اتابع حالتنا مع زملائى من اطباء الأمراض الصدرية.
وبنبرة تحمل حماسًا قال: الاصابة ضريبة عملنا كأطباء، وسبحان الله الاصابة اعطتنى عزيمة وتحد أكثر للعمل فى مواجهة الوباء، ولدى خبرة الإصابة كطبيب ومريض، والادارة، ولو بخلت بهذه الخبرة أو تخاذلت وانسحبت من ميدان المعركة يكون حراما عليّ.
يبدأ الدكتور طارق عمله فى الثامنة صباحا بالمستشفى يتبع الإجراءات الوقائية وتطهير الأسطح والتباعد الاجتماعي، وارتداء الجاون فوق الملابس والماسك، وبدل العزل عند الدخول للمرضى، وقبل الخروج من المستشفى يعقم نفسه ثانية، ويغادر في الثامنة أو التاسعة مساء لمنزله ليجد اجراءات اخرى لا تقل عن السابقة، تبدأ بمروره على شئ كمطهر للحذاء، وبعد الدخول يخلع الحذاء، وخلع ملابسه لوحدها للغسيل، وبعدها دخول الحمام للاستحمام وبعدها ابدا التعامل فى المنزل، لكن يحرم نفسه من احضان أولاده مع التعامل بحذر فى المنزل حيث لم يعد الوضع كما كان فى السابق بحسب وصفه.
ويضيف: لذلك ازور والدتى على فترات متباعدة رغم أنها تسكن بالقرب مني، هى أكثر شخص اخاف عليه لأن مناعتها أضعف، وأول ما اشعر بأى اعراض كما شعرت بها أول أمس انقطع عن زيارتها حتى يتبين الأمر، ولو احتكيت كثيرا فى عملى لا اذهب اليها.
يحرص مدير مستشفى العزل على دعم الفرق الطبية خاصة مع مرور فترة كبيرة فى العزل فيقول: أى شخص لديه مشكلة نحلها سويا فمثلا عندما يصاب والد أو والدة طبيب أو ممرضة بكورونا نعالجه فى المستشفى فى الأطقم الطبية الجنود التى نحارب بها، فمستحيل ان تخسر الجندي، واذا لم تقف بجواره فى هذا الوقت متى تقف بجواره، على الأقل يعمل وهو يراعى والده أو الدته، بالإضافة إلى أننا نجلس سويا فى غير فترات العمل نأكل سويا وفى نهاية كل فترة عمل للأطقم الطبية تنظم حفلة لهم لرفع الروح المعنوية وتوزيع هدايا عليهم.
ما رأيناه من صعوبات فى مواجهة الوباء من داخل العزل، وبعد عودتنا لمكتبه بالمستشفى دفعنا لسؤال طوال فترة عملك كطبيب هل قابلتم أزمة مثل وباء كورونا فأجاب: قابلت ازمة مثل التى نعيشها حاليا فى ظل الجائحة لكنها لم تكن طويلة الوقت مثل كورونا، فعند خدمتى كطبيب فى القوات المسلحة كلفت بمهمة فى تركيا كقائد مستشفى ميدانى أثناء حدوث زلزال مدمر عام 1998 هناك، وكعادة مصر فى الوقوف بجوار الدول الأخرى، سافرنا خلال 4 ساعات، ومعى الأطباء، وتجهيزات المستشفى الميداني، وإعاشة لمعسكر كامل به 100 أسرة، تكفى لمدة شهر، ومكثت هناك 3 أشهر.
ويضيف : صعوبة المهمة كانت فى كم الضحايا الكبير دخلنا المدينة فى تركيا الفجر كنا نشم رائحة الموت فقط، والمدينة عبارة عن أكوام تراب وأسفلها الضحايا وكانت مهمتنا اغاثة وانقاذ الضحايا الزلزال، وكانت من المهام الانسانية الشاقة التى وقفت فيها مصر بجوار تركيا.
لكن بالمقارنة عن اللحظات الانسانية الصعبة ايضا فى مواجهة الوباء قال: تعرضنا كثيرا للحظات صعبة فى مواجهة الوباء اصعبها عدم القدرة على إنقاذ حياة مريض لتدهور حالته، وهذه اصعب لحظة تمر على طبيب تحاول انقاذه وهو يروح منك.
سألته هل لذلك علاقة بنقص الاكسجين فأجاب: أن درجة احتياجات الحالات المصابة للاكسجين فى الموجة الثانية كبيرة جدا خصوصا الحالات الحرجة، فنعطى كم اكسجين مهولا فالمستشفى تستهلك ما بين 4500 الى 500 لتر اكسجين يوميا، واصبح الاساس الآن اعتماد المريض على الاكسجين على الحالات لحين تعافيه، ولذلك شغلنا القسم الداخلى فى المستشفى كأنه رعاية مركزة، بدل أن كان القسم الداخلى مجهزا لـ20 مريضا يحصلون على الأكسجين و80 من دونه أصبح الآن كله لمرضى يحتاجوا لأكسجين لان الالتهابات والتجلطات فى الجهاز التنفسى تغلق الحويصلات الهوائية وقدرة الرئة تقل على استهلاك الاكسجين فنعطيه اكسجينا صافيا صناعيا بنسبة اكبر.
ويؤكد أن الاكسجين متوافر فى المستشفى من خلال شبكة الاكسجين الخاصة بالمستشفى بالاضافة الى وجود اسطوانات احتياطية، وتوجد درجة كبيرة من الاحترافية فى التعامل مع الموجة الثانية ولا نعانى من أى نقص من المستلزمات وهذا يدل على التخطيط الجيد من الحكومة والوزارة لتحديد الاحتياجات وتوفيرها مباشرة .