«السوشيال ميديا» منصة غزو العقول السريع.. برلمان شعبي موازي
«السوشيال ميديا» منصة غزو العقول السريع.. برلمان شعبي موازي


«السوشيال ميديا» منصة غزو العقول السريع.. برلمان شعبي موازي

إسراء كارم

الجمعة، 29 يناير 2021 - 05:05 م

على مدار سنوات أثبتت منصات التواصل الاجتماعي، قدرتها على تحريك العالم والتأثير السريع على العقول وتحويل الأفكار والاتجاهات، الأمر لم يقتصر على نشر الأفكار وإنما أيضا محاكمة الجميع للجميع، وكانت السوشيال ميديا بمثابة محكمة الجميع فيها قضاة، كما شهدت العديدي من النقاشات فيما يشبه بجسلات البرلمان، كما حركت المياه الراكدة في العديد من القضايا الشائكة التي وجدت من يتبناها.

 

راجي عامر: المواقع الاجتماعية بمثابة "مجلس نواب موازي" يراقب ويحاسب

وعن هذا، قال راجي عامر، المتخصص في وسائل التواصل الاجتماعي، إن المواقع الاجتماعية تمتلك تأثير تجاوز الإعلام التقليدي نتيجة غياب القيود التي ترسم إطار عملها مما جعلها موضع اهتمام قطاعات كبيرة من الجمهور تستطلع الأخبار من خلالها بغض النظر عن دقتها، وهو ما يعني قدرتها على التأثير وتشكيل الرأي العام بل وتضليله في بعض الأحيان من خلال نشر المعلومات المغلوطة. 


وأوضح "عامر" أن المنصات الاجتماعية بمثابة "أدوات تمكين" تساعد المستخدم في التعبير عن رأيه ونقل الأحداث التي يشعر بأنها تنتقص من كرامته أو حقوقه أو تسئ إليه لذلك يجب أن تستفيد منها المؤسسات المختلفة في قراءة مشاعر الجمهور ورصد الأخطاء بغرض العمل على معالجتها قبل تفاقم الأزمات مستكملًا بأن محاولة أي مؤسسة منع الشائعات المنتشرة عبر المواقع الاجتماعية من خلال التعتيم سيكون أمرًا محتومًا بالفشل بل تواجه شائعات المواقع الاجتماعية بالمزيد من الشفافية وتدفق المعلومات.


واستشهد بقرار وزارة الصحة المتعلق بمنع التصوير داخل المستشفيات وعدم السماح بوجود هواتف نهائيًا داخل العناية المركزة مع السماح لبقية المرضى بحيازة هواتف بدون كاميرات، وهو القرار الذي جاء في أعقاب انتشار فيديوهات عبر المواقع الاجتماعية تزعم نقص الأكسجين في بعض المستشفيات.


واستكمل "عامر" إنه بعيدًا عن مدى دقة هذه الفيديوهات من عدمه وهو الأمر الذي فندته جهات التحقيق، فإن إصدار وزارة الصحة لقرار منع التصوير يكشف عقلية بعض المسؤولين في التعامل مع المواقع الاجتماعية حيث لا يدركون كونها فرصة للتواصل مع الجمهور، وبناء الصورة الذهنية، وتوضيح حجم الجهود التي تبذلها الدولة في ملفات صعبة إنما كشف هذا القرار نظرات الشك والريبة من جانب وزارة الصحة تجاه المواقع الاجتماعية حيث بات بعض المسؤولين يتمنون إغلاقها بدلًا من استخدام البعض لها في الضغط والمطالبة بإستجلاء الحقائق وكأنها مجلس نواب موازي يحاسب ويراقب.


واختتم المتخصص في المواقع الاجتماعية، بأن منصات التواصل الاجتماعي تلعب أحيانًا أدوار البطولة عند كشفها عن مخالفات أو أخطاء للمطالبة بتصحيحها مثلما حدث في العديد من القضايا مثل الكشف عن واقعة "طفل المرور" الذي قاد سيارة بدون رخصة أو ما عرف إعلاميًا بـ "جريمة فيرمونت" حيث ظهرت تلك القضايا وغيرها من خلال المواقع الاجتماعية قبل أن تصل إلى ساحات النيابة والقضاء مؤكدًا أن المواقع الاجتماعية ليست وسيلة للإدانة أو البراءة لكنها تساهم في تسليط الضوء على بعض القضايا بغرض التحقيق فيها من جانب الجهات المعنية.


نجم: اجعلوا من وسائل التواصل منابر لنشر القيم لا القبح

 

وقال الدكتور إبراهيم نجم – مستشار مفتي الجمهورية والأمين العام للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، إنه يجب أن نجعل من وسائل التواصل الاجتماعية وسيلة أو منبرًا لنشر القيم والأخلاق النبيلة، ونتجنب القبح وتتبع عورات الناس وإهانتهم وهتك ستر الله عنهم. 


وأضاف نجم، لبوابة أخبار اليوم، أن المتتبع للتاريخ البشري والتطور الحضاري يعلم جيدًا أن أي ابتكار أو صناعة سواءً أكانت فكرية أو تكنولوجية يصاحبها اضطراب في استخدام هذه الصناعة، وهذا الاضطراب ناشئ عن سواء استعمال، مما يؤثر على الأفراد والمجتمعات، فمثلًا على سبيل المثال اكتشاف الطاقات الذرية، فنحن نجد أنه في الوقت الذي حاول البعض أن يجد لها استخدامًا إيجابيًّا لخدمة البشرية، وجد آخرون أساءوا استخدامها في إبادة الشعوب وتدمير الأرض، وهكذا الأمر بالنسبة لأي صناعة أو اختراعات أخرى.

 

 

وأشار إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست بمعزل عن هذا المثال، فهي صناعة وابتكار، حيث تعد من أهم الوسائل المستحدثة في التواصل ونقل المعلومات والتعارف والتسويق وغيرها، وخلقت مساحة كبيرة من التعارف بين الناس لا ينكرها الإسلام قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}، حيث أوجدت نوافذ متعددة ومفتوحة تساعدهم على التواصل والعمل وتسهيل المعايش، وهذا من إيجابياتها الكثيرة التي لا ينكرها أحد، لكن لا ننسى أيضًا أن لها سلبيات ناتجة عن سوء الاستخدام تمثلت في نشر الفساد والشائعات المغرضة والطعن في الناس وفي أعراضهم واغتيالهم والوقوع في الأمور المحرمة ومحاولة تصدير صور مشوهة للواقع من خلال عرض نماذج قليلة جدًّا وترويجها على أنها تمثل الثقافة السائدة وهذا أمر لا يقبله لا عقل ولا دين.   


وأكد أنه لا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي قد حققت في الآونة الأخيرة ثورة معلوماتية هائلة وأصبحت ذات تأثير مهم، ومثلت القوة الناعمة التي يمكن من خلالها التأثير على رأي الناس وإقناعهم بالعديد من الأفكار والآراء بأسرع وقت ممكن، بل والتغيير في سلوكيات الناس واتجاهاتهم بشكل قوي، وأصبحت وسائل التواصل تعج بالكثير من الصفحات التي تحمل مضامين مختلفة، وتتبع أساليب متعددة لترويج الأفكار مستخدمة في ذلك أساليب ترويج السلع، حيث يتفنن البعض في طريقة عرض المعلومة لضمان وصولها إلى المتلقي بأسهل الطرق، مما أصبح يشكل خطورة فكرية على المجتمعات، والتي تتطلب مواجهة من نوع خاص لمراقبة هذه الأفكار والرد عليها.

 

ولكن بجانب الإيجابيات الكثيرة لهذه الوسائل نجد أن قلة الثقافة في التعامل معها والتعاطي مع أفكارها أوقع الكثير في الأخطاء والسلبيات، خاصة في ظل وجود طائفة من الباحثين عن التريند، الذين حولوه إلى غاية حتى ولو كان على حساب القيم الدينية والمجتمعية، فلا أحد ينكر أن آفة البحث عن التريند على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل البعض قد نالت من بعض القيم الدينية والمجتمعية هذه الأيام.

 

ومع التأثير الكبير لهذه الوسائل على القيم سواء الثقافية أو الدينية أو المجتمعية تطلب الأمر نوعًا من المواجهة الرشيدة لوقف نزيف القيم، وأساليب المواجهة في الفضاء الإلكتروني تحتاج إلى نوع خاص من التعامل، أولها وأد الشائعات والأكاذيب والفتاوى المضللة، لأنها تمثل تهديدًا على أمن المجتمعات واستقرارها، وثانيها بناء ثقافة واعية ورشيدة تدفع الأفكار الغثة من أن تترسخ في عقول الناس.

 


ولا يخفى أن وسائل التواصل أنتجت بعض الظواهر مثل المنابر الإلكترونية والذباب الإلكتروني والتي ارتبط لها ترويج الأفكار المغلوطة سواء عبر هذه المنابر أو دعمهما من قبل الكتائب الإلكترونية أو الذباب الإلكتروني، وأن الجماعات الإرهابية وجدت الملاذ لها عبر وسائل التواصل تجششيًا وتمويلًا وبثًّا لسمومها، وهذا يعزز من أهمية سبل المواجهة الفكرية لمثل هذه الظواهر.

 

وتتمثل أشكال المعالجة في تحري أمور ثلاثة هي الأمانة وتحري الصدق والنزاهة؛ فالأمانة في نقل المعلومات ونشرها والتثبت من صدقها مطلب مهم للغاية وهو متسق مع الخطاب القرآني في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}، كما أنه يجب أن ينزه الإنسان نفسه عن نشر أي شيء سلبي يسيء له أو للآخرين محافظة على القيم المجتمعية واتباعًا لقيمة الستر التي حث عليها الإسلام وجميع الأديان.

 

ونحن في دار الإفتاء والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم نتعامل مع وسائل التواصل من باب نشر الوعي والتصدي لدعوات الهدم وتغيب الناس، فنقوم بنشر الفتاوى بشكل تفاعلي لتوفير مساحة آمنة للناس يتعرفون فيها على أمور دينهم، كما نقوم بمحاربة الأفكار الهدامة من خلال رصدها والرد العلمي عليها منعًا للبلبلة ودرأ لأي فتنة تنشأ عنها، والاستفادة القصوى من أي منجز علمي يسهل الرسالة التي تقوم بها الدار والأمانة، ومواكبة ركب التقدم وإعطاء المثل والقدوة من أنفسنا وعدم الانعزال عن وسيلة مهمة ترصد قضايا الناس ومشاكلهم، ومحاولة خلق مساحة من الطرح العلمي الصحيح بأسلوب يتوافق مع هذه الوسائل المستحدثة.

 

ما دور وسائل التواصل الاجتماعي في توجيه الرأي العام؟


من جانبه، قال الدكتور أحمد رجب أبو العزم مدير السوشيال ميديا بدار الإفتاء المصرية، إن وسائل التواصل الاجتماعي تساهم في نقل الرؤى والأفكار الخاصة بقضية ما أو جماعة ما، لعدة أشخاص في مختلف قارات العالم وبلغات مختلفة، وهو ما قد ينتج عنه صدى إيجابي في بعض الأحيان، وفي المقابل فإن هذه الوسائل قد تقع في فخ الأكاذيب ونشر الشائعات؛ وهو ما يؤثر بدوره سلبًا في الرأي العام.


وأوضح لـ«بوابة أخبار اليوم»، أن تأثير تلك الوسائل الاجتماعية الأشد فتكًا يكون عند توظيفها في المجال الديني عبر نشر خطابات الكراهية والتطرف، ولعل أوضح مثال على تلك الصفحات والتطبيقات ما تلجأ إليه التنظيمات الإرهابية من «جروبات الموت» لبث سمومها وأيديولوجياتها واجتزاء ما يُنشر من جانب الهيئات الدينية الرسمية واستغلاله أسوأ استغلال.

 

 


وحول أسباب انتشار تلك المواقع والتطبيقات بين التنظيمات الإرهابية، قال إنها تجد فيها الأمن بعيدًا عن عيون رجال الأمن، بالإضافة إلى تنوع الوسائط المختلفة التي تتيحها تلك الوسائل «من نشر صور – فيديوهات – محادثات مشفرة – خطب حية..إلخ»، بالإضافة إلى إمكانية الظهور بأسماء وهمية أو مستعارة.


كيف نواجه الأكاذيب والشائعات التي تُروج عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟


وعن هذا السؤال، قال إنه رغم الثورة الرقمية التي نحياها اليوم، ومع أهمية دور شبكات التواصل الاجتماعي في إيصال الرسائل الفورية للمجتمعات، إلا أنه يجدر بنا العمل بشكل صارم على الاستفادة منها باعتبارها وسائل الإعلام الحديثة التي تعد ذاكرة الأمم والشعوب، مع السير جنبًا إلى جنب في تنظيمها كيلا تصبح غرفًا مغلقة لنشر التعصب والمذهبية وخطابات العنف والإرهاب وبث الشائعات والتضليل.

 

وأفاد بأنه لا بد من دراسة حية لمقترحات قُدمت بالفعل لمواجهة فوضى الأكاذيب والشائعات والمعلومات الدينية المغلوطة، والتي بلا شك أهمها تطبيق أشد العقوبات على مثيري تلك الأفعال من الأشخاص والجماعات، مع توفير الحلول العلمية لمحاصرة كل ما يؤدي إلى زعزعة واستقرار الدول والشعوب، وتأهيل الشباب للاستخدام الآمن للسوشيال ميديا، مع رصد أبرز التجارب الخاصة بهذا الشأن وتعظيم الاستفادة منها.


روشتة علاج


وأوضح أن معالجة أزمة بث الشائعات والمعلومات المغلوطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تكمن في: «تأهيل كوادر إعلامية وطنية شابة للتيقن من النشر الإلكتروني عبر منصاته المختلفة، وتعظيم دور المنظمات والهيئات التي تهدف للكشف عن تلك الأخبار الكاذبة، مع الإعلان عنها في وسائل الإعلام بصفة دورية،   وتدشين مراكز أبحاث يكون أبرز أدوارها رصد تلك الأكاذيب والرد عليها بأسلوب علمي دقيق، وعدم السعي وراء سوق الفضاء الأزرق لتحصيل (اللايكات والشير والتعليقات)».

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة