إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد


مصر الجديدة

آلة الزمن

إبراهيم عبدالمجيد

السبت، 30 يناير 2021 - 09:23 م

منذ أن كتب هربرت جورج ويلز رواية "آلة الزمن" فى نهاية القرن التاسع عشر، وصار الموضوع مغرياً. حقًا كم هى ممتعة العودة إلى الوراء لترى بشرًا وحياةً من نوع مختلف، وكم هو مممتع أن تتقدم إلى الأمام لتستطلع ما يمكن أن يحدث فى المستقبل.

انتقل الموضوع إلى السينما وصارت أفلام التحرك فى الزمن من أفلام المغامرات المثيرة التى لا يختلف الجمهور على مشاهدتها، لكن فى النهاية ظل ذلك كله خيالاً فنياً، وإذا أخذ مساحةً أكبر فى الانتقال إلى الأمام يمكن أن يطلق عليه خيالاً علمياً ونبوءات، ولم يحدث أبدًا أن ذهب أحد إلى الخلف ولا إلى الأمام وعاد يحكى لنا ما رأى، لكنها متعة الفن. كثيرًا ما أتذكر ذلك حين أرى الحديث حولى محتدمًا عن قداسة التراث، وكيف يجب أن يكون أساسًا لحاضرنا، وأقول فى نفسى ضاحكا: هل لو عاد أحد من هؤلاء الذين يكرسون وقتهم لتدشين التراث أرضية لنا، وقابل الناس منذ ألف عام سيجدهم مثلنا؟ لن يرى أحدًا يرتدى بدلة أو معطفًا وكرافتة، ومؤكد لن يرى أحذية فى الأقدام بل صنادل أو ما يشبهها، ولن يرى بنطلونات جينز ضيقة.

وسيجد لو كان الجو شتاء الكثيرين منهم يبحثون عن أخشاب ليشعلوها فى المساء ليفوزوا بالدفء، وإذا قال لأحد منهم لماذا لا تشترى تكييفاً أو مدفأةً؟ سينظرون إليه باعتباره شخصًا مجنونًا، وقد يشيرون إلى بعضهم ليلتفوا حوله ويأخذوه إلى الوالى باعتباره شيطانًا حل بينهم. وهكذا فى كل شيء رغم أنه يتحدث نفس اللغة التى يتحدثونها لكنهم سيرون مفرداته وما تحمله شيئًا من عمل الشيطان. أى أنهم لن يقبلوا ما يقول رغم أن ما يقترحه لهم سيقفز بهم قفزات هائلة فى الزمن، ولن ينتظروا مرور السنين لتطور الآلات ولا اكتشاف الكهرباء ولا الطائرات لتعبر الزمان والمكان.. سيقفزون ألف سنة إلى الأمام لكنهم لن يقتنعوا أبدًا إلا فى رواية.

فى الحقيقة سيجد نفسه غريبًا بينهم.. على الإجمال شكل الحياة كله لا يناسبهم وما يقوله لهم سيكون خرافات من عالم الجن.. لا أحد ممن يتحدثون عن الحفاظ على التراث يقول ذلك أو يفكر فيه.. فقط تقديس التراث وعلينا أن نعيش كما عاش آباؤنا فنغير أزياءنا وسلوكنا لنكون مثلهم.. طيب ألا يوجد شيء فى الماضى عابر للزمان؟ يوجد طبعًا.. ما هو؟ هو ما يتسق مع العقل فلا طرق الثأر القديمة مثلاً تظل كما هى؛ لأن هناك قوانين وصل إليها الإنسان، ولا طرق التعامل مع الحاكم ولا طرق التعليم والجلوس على الأرض بعد أن صارت هناك مدارس وجامعات، ولا أى شيء غير ما يتناسب مع العقل فى كل زمان ومكان.

هكذا يصبح التراث قصصاً وحكايات مسلية، لكنه فى النهاية يستحق الشفقة، فلقد كان الناس يعانون أكثر مما نعانى نحن فى حياتنا.. ما يتفق مع العقل فى السلوك وفى الحكم وفى كل شيء هو ما يجب الإعلاء منه فى الإنجاز الفكرى والديني، بمعنى الآراء فى الدين، فعبارة واحدة مثل عبارة الإمام على بن أبى طالب حين رفع جنود معاوية المصاحف لإيقاف المعركة بينه وبين معاوية بن أبى سفيان فقال: "حقًا إن هذا القرآن لحمّال أوجه"، جملة مثل هذه تتفق مع العقل فمن يومها انشق المسلمون ونسوا الجملة العاقلة عابرة الزمان وصارت داعش وجبهة النصرة وبوكو حرام هم المسلمون وغيرهم يتم قتلهم، وضاعت العبارة العاقلة للإمام العظيم على بن أبى طالب التى جوهرها إبعاد الدين عن السياسة.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة