إيهاب الحضرى
إيهاب الحضرى


ابتكرها المصريون قبل ألف سنة لمواجهة «حظر تجوال النساء»

خدمة «الديليفرى».. صناعة فاطمية!

إيهاب الحضري

الأحد، 31 يناير 2021 - 11:49 م

قبل‭ ‬سنوات‭ ‬ظهرتْ‭ ‬خدمة‭ ‬توصيل‭ ‬الطلبات‭ ‬للمنازل، ‬وتعامل‭ ‬معها‭ ‬المصريون‭ ‬كإنجاز‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬الأمر‭ ‬يتطلب‭ ‬جُهد‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬لشراء‭ ‬السلع،‭ ‬وتكفى‭ ‬مكالمة‭ ‬من‭ ‬التليفون‭ ‬الأرضى،‭ ‬ليحصل‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬على‭ ‬احتياجاته‭. ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬الهواتف‭ ‬المحمولة‭ ‬تطورت‭ ‬الخدمة،‭ ‬لتشمل‭ ‬تطبيقات‭ ‬تُوفّر‭ ‬على‭ ‬اللسان‭ ‬مشقة‭ ‬الكلام،‭ ‬وتنقل‭ ‬المهمة‭ ‬للكتابة‭. ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬الكسل‭ ‬البشرى‭ ‬سبب‭ ‬ازدهار‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الخدمات،‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬التطور‭ ‬الطبيعى‭ ‬الذى‭ ‬يمنح‭ ‬الإنسان‭ ‬رفاهيات‭ ‬تتزايد‭ ‬تدريجيا،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الغالبية‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬أن‭ ‬خدمة‭ ‬‮«‬الديليفرى‮»‬‭ ‬أطول‭ ‬عُمْرا‭ ‬بكثير،‭ ‬وتعود‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬عام‭! ‬كما‭ ‬أن‭ ‬ابتكارها‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬الرفاهية،‭ ‬بل‭ ‬تحايُلا‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬عجيب،‭ ‬لحاكم‭ ‬اتهمه‭ ‬الكثيرون‭ ‬بالجنون‭!‬

جامع الحاكم بأمر الله.. بناه أكثر الخلفاء إثارة للجدل

فى الليل يبدو جامع الحاكم بأمر الله أكثر جاذبية، بإضاءته التى تمنحه قدرة إضافية على الإبهار. زائرو شارع المُعز من جهة باب الفتوح، سينشغلون بالمشهد الخلاب عن حكايات لم يتم حسم حقيقتها من زيفها، فقد امتدت التفسيرات المتعارضة إلى الكثير من قرارات الحاكم، الذى تولى الخلافة الفاطمية فى طفولته، ولم ينته الجدل الذى أثارته رغم مرور أكثر ألف سنة على رحيل صاحبها. وعلى رأسها أنه منع النساء من الخروج إلى الشوارع! بالتأكيد سبّب قراره ارتباكا فى المنازل، لأن المرأة هى المسئولة عن شراء الاحتياجات اليومية، وبطريقة ما تم ابتكار خدمة" الديليفري".

حيث كان الباعة يتكفلون بنقل السلع إلى باب البيت، لتُدلى المرأة حبلا تسحب به مشترياتها. وهى وسيلة استمرت تُستعمل لمئات السنين بعدها، حتى بدأتْ تنقرض فى ثمانينيات القرن الماضى. لكن كيف كانت المرأة فى العصر الفاطمى تطلب احتياجاتها من البائع، قبل قرون من اختراع" التليفون"؟ لا معلومات محددة تجيب عن هذا التساؤل، لكن يمكن افتراض أن الطلب كان يصل للبائع فى محله عن طريق أحد الأطفال، أو يقوم رب البيت بتسليمه خلال توجهه لعمله. ازدهرت خدمات التوصيل مع الإجراءات التعسّفية التى اتخذها الحاكم بأمر الله، ضد أى امرأة تتجرأ على مخالفة قراره، الذى تابع تنفيذه بنفسه، عبر حملات مفاجئة يشنها على الشوارع، وذات جولة تفقدية مرّ بحمام عام، وسمع ضجيج عدة سيدات به، فأمر ببناء جدار يسُدّ بابه، وظلت تعيسات الحظ محبوسات بداخله حتى الموت!

تعددتْ قرارات الحاكم المثيرة للجدل، ومن بينها منع زراعة الملوخية والقرع، وحظر بيع الزبيب والعسل الأسود، والنهى عن صيد أسماك القراميط! وغيرها من" فرمانات" توحى بأن صاحبها يعانى من الجنون، أو شذوذ فى التفكير حسبما يرى وول ديورانت فى كتابه" قصة الحضارة". لكن المدافعين عنه فى عصرنا يطلقون مبررات لقراراته، ويؤكدون أنه منع زراعة النباتات الورقية مثل الملوخية، لتصبح الأراضى كلها مخصصة للحبوب، بعد أن تراجع الإقبال على زراعتها بشكل كبير، مما أدى إلى أزمة غذائية، أما الأسماك غير القشرية مثل القراميط فتتغذى على الحشائش التى تعوق انسياب المياه، وبهذا فإن عدم صيدها يجعل نظام الرى أكثر كفاءة، وقد يضيفون سببا صحيا يثبتون من خلاله أن الحاكم كان سابقا لعصره، وأنه عرف مخاطر تناول القراميط على صحة المواطنين، مما جعل الأطباء المعاصرين يحذرون من أكلها، نظرا لما تحتويه من سموم. معارضوه لم يقتنعوا بدفاعات مريديه، فأكدوا مثلا أنه منع زراعة القرع لأن أبا بكر الصديق كان يحبه، كما كانت السيدة عائشة تميل إلى الملوخية، وبهذا يكون القرار فى إطار حربه الطائفية على السُنّة، بوصفه أحد خلفاء الشيعة!


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة