عبدالله البصيص
عبدالله البصيص


عبدالله البصيص: الجوائز فقدت سلطتها على القارئ

يرى أن القارئ تطور ولم يعد يتلقى الأحداث باستسلام

أخبار الأدب

الإثنين، 01 فبراير 2021 - 02:07 م

 

حوار: أسامة فاروق

دخل عبد الله البصيص عالم الكتابة من بوابة الشعر كشاعر شعبى متأثرا بقصائد الشعراء من فرسان البدو، عمل على ترسيخ اسمه كشاعر فطبع ديوانه الأول وشارك فى مسابقة شاعر المليون، لكن حبه للروايات غير وجهته واستماله ناحية السرد، حتى انتهى به الحال على أعتاب مجموعة قصصية «عرفت بعدها أننى كتبت كل قصائدى وأنا أفكر بحبكة روائية ولغة شعرية. حتى وجدت نفسى أكتب رواية ذكريات ضالة فشعرت أننى فى مكانى الصحيح«.
الكاتب المولود فى الكويت درس العلوم التكنولوجية، وتخصص فى الطاقة الكهربائية، واستطاع فى زمن قصير نسبيا أن يفرض نفسه كأحد الأسماء المبشرة والواعدة فى الإبداع الكويتى والعربى بشكل عام، بعد أن أصدر روايتين منعتا فى بلده رغم فوز الأخيرة بجائزة أفضل رواية عربية بمعرض الشارقة الدولى للكتاب 2017! لم يركن إلى ضجيج الفوز ولا استسلم لواقع المنع، أصر على أن تصل كتبه لأبناء بلده فساهم مع مجموعة من الكتاب الكويتيين فى تغيير قانون الرقابة على المطبوعات، وإلغاء الرقابة المسبقة، رحلة نضال طويله خاضوها دفاعا عن حقهم وحق القارئ فى المعرفة، تلك الثمرة المحرمة التى يعرفها ويؤمن بها كما آمن بها كل أبطاله، ورغم ذلك لم يتجنبوها وكأنهم يبحثون عما يشقيهم. منهم من واجه مخاوفه وذاق طعم الذئب فعرف نفسه، ومنهم من وقع فى فخ الكتابة فكشفت له حقيقه من يعيش بين ظهرانيهم.. فى «قاف قاتل سين سعيد« روايته الجديدة يقود تحقيق فى جريمة قتل إلى تشريح دقيق للتركيبة الاجتماعية للكويت فى لحظة شديدة الحساسية. عالم معقد نراه بعيون شخصين صدمتهم الحياة، يحاول الأول استعادة عالمه المفقود بعد صدمة الغزو العراقى للكويت، ويجد الثانى حقيقته بين ثنايا حكايات الأول!

 

أبطال رواياته الثلاث مختلفون، وفى أزمنة مغايره، لكن تجمعهم الوحدة، يبحث كل منهم عن ذاته كذئب منفرد، تماما كما مبدعهم نفسه الذى تحركه فقط شهوة الخلق والشعور بالجمال، أسأله عن طموحه من وراء الكتابة، عما إن كان يريد تغيير العالم بكتابته فيقول ببساطة «لا أعرف ما هو دافعى للكتابة، فأنا لست طالب شهرة ولا أسعى فى الكتابة إلى مجد، ولست بجامع مال. هناك شعور بداخلى يشبه شعور تأمل شيء باهر الجمال عندما أكتب، ولا أريد أن أفهم من أين يأتى هذا الشعور كى لا أفقده، لذلك أكتب لأشعر بالجمال«.
هنا يتحدث البصيص عن الكتابة والرقابة والقارئ وسلطة الجوائز..
-لكل عمل قصته الخاصة.. ما حكاية «قاف قاتل سين سعيد«؟ متى فكرت فيها، وكم استغرقت فى كتابتها؟ ومن أين أتيت بعنوانها؟
كانت قاف قاتل فى بدايتها قصة فهد نشوان، وكان الحدث الرئيسى مختلفا عمّا هو عليه الآن، استغرق هذا سنتين تقريبا، لكنها أوقات متقطعة بسبب الدراسة والسفر خارج البلاد، ثم لما عقدت العزم على نشرها وجدت أنها ستكون أفضل لو أضفت شخصية المحقق ماجد وعمه الضابط عادل، فأصبحت بهذا الشكل، ثم طلبت رأى أحد الأصدقاء الذين أثق بهم، فعارضنى على الحدث الرئيس، فقمت بحذف أكثر من مائة صفحة وكتابة أكثر من مائة، حتى صارت بهذا الشكل الذى هى عليه الآن. أما عنونها فقد كان قاتل سعيد، حتى نبهنى صديق أنه عنوان غير جاذب، فقررت أن أستخدم أحد أفكار الرواية وهى فكرة إيحاء نطق الأحرف، فأجمعت الآراء بأنه عنوان لافت ويخدم الرواية أيضا.
-الواضح أنك تتقبل التعديلات ووجهات النظر، من أول من يقرأ مسودات أعمالك؟
-  الصديق الشاعر عبدالله الهذال. وجهات النظر والآراء ليست ملزمة لى بل أراها كإشارة تلفتنى إلى شيء ما ربما غفلت عنه. أو تنبهنى عن قصور يجب تداركه.
-أحداث «قاف قاتل« المتغلغلة فى التركيبة الاجتماعية للكويت ربما حركت فضول كثير من القراء للبحث عن ماضيك الشخصى ككاتب.. قرأت كثير من التعليقات فى هذا الاتجاه. بنسبة كم فى المائة اعتمدت على خبرتك الشخصية فى الرواية؟ إن كنت مهتما بتلبية الفضول.
التركيبة الاجتماعية فى الكويت تنقسم إلى بيئتين، حضرية وقبائلية، بيئة قاف قاتل هى بيئة المناطق التى يسكنها أبناء القبائل، وهى التى نشأت بها. والمنطقة حقيقية والأحداث - فى شكلها الخارجى - موافقة لما شاهدته فى سنواتى الأولى، فقد كتبت عن أشياء كيف ستكون - على ضوء خبرتى -  لو أنها حدثت. كنت أحد الأولاد الذين فى الرواية لكن بشكل أكثر وضوحا مما كان فى الحقيقة.
-الحبكة البوليسية كانت تكأة فى «ذكريات ضالة« و«قاف قاتل« لماذا الإصرار على هذه الطريقة؟
ذكريات ضالة ليست بوليسية، فقد بدأت بإلقاء القبض على لص محترف، ثم تغيرت الأحداث. أما قاف قاتل فقد بدأت بجريمة قتل وتحقيق يقود إلى قصة أخرى، فقاف قاتل اتخذت طابع البوليسية كقشرة رقيقة لموضوع دسم وهو قصة فهد نشوان.
-اللغة فى «قاف قاتل« مختلفة تماما عنها فى «طعم الذئب« لا أقصد بذلك المسميات والمصطلحات فقط لكن حتى على مستوى الإيقاع والتلقى، تبدو الأخيرة جافة خشنة مقابل بساطة الأولى وطفولتها أحيانا..
أحرص عند كتابة أى عمل أن تكون اللغة مشابهة لموضوعة وتستمد كل صورها وتشبيهاتها من بيئته، وأن تسير جنبا إلى جنب مع نفسية الشخصيات والجو العام للحدث. فمن الطبيعى أن تراوح لغة طعم الذئب بين مفردات وعره وأخرى خصبة، تتماشى مع المكان الذى يسير فيه البطل، ونفسيته، وكذلك كتبت قاف قاتل بأسلوب خفيف يناسب أجوائها المدنية، وهذا الأمر يأتى فى عملية التحرير بعدما أكون قد اندمجت فى القصة وتغلغلت فى الشخصيات.
-ظهر غزو الكويت فى «ذكريات ضالة« وفى «قاف قاتل« كيف تنظر للرواية كحامل للتاريخ، وكيف ترى الكتابة الروائية المتفاعلة مع الحدث الجاري، كما حدث مع الثورات العربية مثلا؟
شخصيا لا أفضل الكتابة عن التاريخ ولا يهمنى ذلك، ولم أقم بكتابة ذكريات ضالة وقاف قاتل لأجل توثيقه، كان تاريخا وحسب ولم يكن هو المقصد من كتابة الرواية. أما الرواية كجنس أدبى فهى المكان الذى نختبر به التاريخ ونفهم كيف يعمل، فهى ليست توثيقا له وإنما مرآة نرى فيها حقيقته، وهنا يجب أن تكون الصورة مكتملة ويكون الحدث منتهيا ونكون أحطنا بكل جوانبه، فغزو الكويت، كتبت عنه بعد مرور ثلاثون عاما تقريبا وشاهدت عواقبه واجتراراته على الأمة، فالصورة مكتملة، أما الثورات العربية الحديثة فما تزال صورتها غير مكتملة، وما تزال آثارها تحدث تغيرا هنا وهناك، ولم نحط بكل جوانبها، فلا شك أنها مغامرة صعبة.
-دائما ما تعلى من شأن القراءة. كما فهمت فأنت تراها المعلم الأول للكتابة والملهمة بالتكنيكات وخلافة.. هل فهمتك بشكل صحيح؟ ماذا تقرأ، ما الذى يعجبك، ما العمل الذى تمنيت أن تكون كاتبه؟ فهمت من بعض أحاديثك أيضا أنك تقلل من شأن ورش الكتابة المنتشرة فى العالم الآن، بشأن قدرتها الحقيقة على تعليم الكتابة ..
نعم هذا صحيح، وهو قناعة بالنسبة إلي. فأهم فن من فنون الكتابة هو القراءة. قراءة الأعمال العظيمة تدفع إلى كتابة أعمال عظيمة. أقرأ بشكل يومى لأربع ساعات على الأقل، وأقرأ كل كتاب يعجبني، لا أشترط موضوعا معينا، الكتاب يشدنى أم لا، هذا هو الأهم عندي. أحب قراءة الأعمال السردية المكتوبة بحرفية، ولدى قدرة كبيرة على التسامح مع أخطاءها إذا أعجبتني. أقدر التجريب مهما كان سيئا، شريطة أن يكتب بوعي. العملان اللذان تمنيت أننى كاتبهما هما مئة عام من العزلة، والحرافيش. أما ورش الكتابة فلا أقلل من شأنها، لكن لا أبالغ فى أهميتها. أشبهها بتعليم السباحة، لن تستطيع السباحة إذا تعلمتها من شرح معلم لو جلست على ذلك سنوات طويلة، لكنك قد تتعلم بأسبوع إذا دخلت الشاطئ. الورشة تعرفك على الأدوات ولا تعلّمك طريقة استخدامها.
-ككاتب هل تفكر فى القارئ أثناء الكتابة أم بعدها أم لا تفكر فيه مطلقا؟ وبشكل عام كيف تنظر لوضع القراءة فى الكويت حاليا، وفى العالم العربى بشكل عام، من حيث العدد وأيضا من حيث التلقى حيث يقال إن وسائل التواصل أخذت السلطة من النقد وحتى من الجوائز، وأنها باتت الآن فى حوزة القارئ.
أنا قارئ قبل كل شيء وبعده، وإذا صنفت القراء والكتاب سأعد نفسى قارئ يحب الكتابة. فى كل عمل استخدم القارئ الذى فى داخلى بعد الانتهاء منه، وبعد أن أكون ابتعدت عن النص شهر على أقل تقدير. أحرص على احترام ذكاء القارئ أولا وثانيا ورابعا وعاشرا ثم أحرص على إرضاء ذائقته، لأن الذائقة شيء لا يمكن لأى كان أن يعرف كيف يرضيها، وأعرف أن القارئ العربى تطور فى السنوات الأخيرة وصار يعى ويتذوق، ويشارك الكاتب فى صنع الحبكة ونقاشه فيها، أى أنه لم يعد ذاك الذى يتلقى الأحداث باستسلام. فى الكويت ظهر لدينا جيل جديد من القراء يعرف أهمية الأدب ومكانته. ولدينا مكتبات ساهمة فى صنع هذا الجيل. مدعومة بمثقفين لديهم استعداد دائم للعطاء. قلة القراء يقابلها نوعية هؤلاء القراء، يسعدنى دائما حضور نقاشاتهم الواعية عن الكتب، وأستفيد فى كل مرة. وبخصوص وسائل التواصل الاجتماعي، أتفق مئة بالمئة أنها حركت المياه الراكدة فى الساحة الثقافية فى العالم أجمع، بل وصنعت ساحة عربية لم نكن نحلم بها، فالنقاش الأدبى الذى يدور فى مصر هو نفسه الذى يدر فى السعودية والكويت والجزائر والعراق. على الأقل صار لنا ساحة عربية مشتركة تجمعنا ولا تفرقنا، وهذا هو أحد مقاصد الثقافة. أما الجوائز فما تزال لها بريقها لكنها فقدت سلطتها على القارئ، كم رواية فازت بجائزة البوكر رجمها القراء باستيائهم من جودتها.
-لكن الجوائز العربية أصبحت ترسم وتحدد ملامح الأدب فى منطقتنا..
هذه الأدلجة موجودة فى كل جوائز العالم، لكن فى الآونة الأخيرة فقدت السيطرة على القارئ لأن الوعى المعرفى لديه تطور وصار يناقش فى جدارة الكتب التى تفوز والجوائز التى تمنح. ومع هذا ما تزال تستقطب بعض الكتاب الذين يسعون إلى الأضواء.
-تحدثت عن طفرة فى القراءة فهل يمكن الحديث عن طفرة فى الكتابة الإبداعية بالكويت حاليا؟ هل يصح هذا الوصف؟ وهل يمكن مقارنته بما حدث فى السعودية منذ أعوام وأفرز عدة أسماء رغم أن معظمها اختفى من الساحة؟ ما المختلف فى هذه التجربة من وجهة نظرك؟
- السعودية ماتزال تجود بالأسماء المهمة وفيها شعب واع ومحب للأدب. الكتابة فى الكويت لها تاريخ وخبرة تراكمية، فمن الطبيعى أن يحدث هذا التراكم تغييرا نوعيا كما تقول الفيزياء، لا أفضل المقارنة وأرى أنها لا وجه لها هنا، إذ أن الكويت كانت وما تزال بلد منفتح ومتنوع وخصب فى آن، كما أن لدينا أرضية صلبة فى هذا الجانب، فنحن بلد مجلة العربى وابداعات عالمية والمسرح العالمى وعالم المعرفة، ولدينا مهرجان للثقافة كان سابقا الدول العربية فى مجاله. فالبيئة الأدبية لدينا ليست وليدة قنوات التواصل الاجتماعى بل ممهدة منذ ستينيات القرن المنصرم، والمسيرة التاريخية تقول أننا فى تصاعد.
-هناك تطورات كبيرة فى ملف الرقابة بالكويت بناء على مجهودات شاركت فيها أنت مع بعض الكتاب، كيف ترى المسألة الآن، خصوصا وأن لك تجربة مبكرة مع فكرة المنع، وهل أثر المنع على كتابة روايتك الثالثة؟
شاركت فى هذا الملف بشيء لا يذكر، فى حين قام الأصدقاء من الكتاب والمثقفين بكل شيء حتى أتت هذه الانفراجة، القانون الذى أقر منصف ويخدم الجميع. تجربة المنع سيئة فى كل النواح، عرقلة المبيعات والانتشار، وقد حدثت فى وقت صار لدى القارئ العربى فيه وعيا بأن ليس كل ما يمنع جيد بالضرورة. وحين كتبت روايتى الثالثة قاف قاتل سين سعيد لم يكن القانون قد تغير، وهذا ما جعلنى أضع الرقيب فى الحسبان عند عملية التحرير. يمكن القول أننى كنت حذرا أكثر من المرتين السابقتين.
-هل تكتب نصوصك كدفقة واحدة أم يتطلب الأمر تحضير ما. هل حدث أن بدأت فى عمل ثم قطعة عمل آخر؟
لدى طريقتى الخاصة فى الكتابة، يكون لدى شيء أريد أن أقوله، فأتخيله كقصة أولا، وأختار الشخوص، ثم أضع بداية مؤقتة، ونهاية تقديرية، ثم يتطور العمل فى رأسى حتى يستقر على تصور معين، فأبدأ بكتابته وأغيره مرارا إلى أن يرضيني. غالبا أنقطع إلى عمل آخر  إذا كنت مندمجا فيه.
-لو أتيح لك التراجع عن عمل من أعمالك ماذا يكون؟ ولو أتيح التغيير فما الذى تغيره؟
ليس لدى ما أتراجع عنه، ولا ما أغيره.
-أصبح لك جمهور مصرى كبير مؤخرا. هل تلمس هذا الأمر؟ كيف كانت كواليس الطبعات المصرية ولماذا أقدمت على هذه الخطوة؟
القارئ المصرى مهم، فهو قارئ مخلص للأعمال التى تعجبه، ينشرها وينصح بها، ولديه استعداد للدفاع عنها، لهذا كنت وما زلت أحرص على وصول كتبى إلى مصر. الطبعات المصرية رائعة والدور التى تعاونت معها لم تدخر جهدا دون خروج الطبعة بشكلها الرائع الحالي.
-هل هجرت الشعر؟ هل ستظل مخلصا للرواية؟ ما الذى تطمح إليه على مستوى النص؟
وجدت فى الرواية الذى أريده، فضاء منفتح يمكننى فيه كتابة الشعر والقصة معا. الرواية فى ذاتها قصة، لكنها قصة تهتم فى التفاصيل. وهى قصيدة، لكنها قصيدة سردية متحررة من قيود الوزن والقافية.
-كيف تتعامل مع أزمة كورونا الحالية.. هل عطلت مشاريعك أم حفزتها؟
أتاحت لنا الأزمة وقتا لم نكن نحلم فيه، للقراءة المكثفة والتأمل والكتابة ومشاهدة بعض الاعمال السينمائية العظيمة. كانت فترة رائعة قضيتها فى مكتبتي.
-ما الذى تعمل عليه حاليا؟
أحاول الانتهاء من رواية لا تريد أن تنتهي.

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة