ريتشارد فان ليون:
ريتشارد فان ليون:


ريتشارد فان ليون: ألف ليلة وليلة أثرت فى هاندكه وتوكارتشوك

أخبار الأدب

الإثنين، 01 فبراير 2021 - 02:29 م

حوار:  أليكس كريون
ترجمة: رفيدة جمال ثابت

• فاز كتابك «ألف ليلة وليلة وسرديات القرن العشرين» بجائزة الشيخ زايد للكتاب عن فرع الثقافة العربية فى اللغات الأخرى. ما الذى دفعك إلى دراسة الثقافة العربية فى المقام الأول؟ وما الذى ألهمك بدراسة ألف ليلة وليلة وربطها بالأدب الغربى؟
ــ بدأت دراسة اللغة العربية وثقافتها فى عام 1974، حينما كان الشرق الأوسط بؤرة انتباه العديد من وسائل الإعلام، لاسيما لأسباب سياسية واقتصادية. لاحظت وجود افتقار إلى معرفة التاريخ والثقافة العربية، وفى ذات الوقت استكشفت مجالاً خصباً فى التاريخ العربى وسياسته وثقافته وأدبه. بالإضافة إلى أنى سافرت حينها إلى الشرق الأوسط مكتشفاً أجزاءً جديدة مثيرة للاهتمام فى العالم. شرعت فى ترجمة الأدب العربى إلى الهولندية أثناء دراستى، وأكملت الترجمة الهولندية الأولى لألف ليلة وليلة مباشرة من العربية فى عام 1999. وبينما عكفت على الترجمة، أخذت فى تجميع الأعمال الأدبية التى استلهمت من ألف ليلة وليلة كنموذج سردى.
• ما العمل الأول الذى دفعك للربط بين ألف ليلة وليلة والأدب الغربي؟ وكيف ارتبط هذا العمل بقصص شهرزاد وألهمك تدوين كتابك؟
ــ حينما شرعت فى ترجمة ألف ليلة فى عام 1991، اعتدت أثناء عودتى من الجامعة إلى المنزل المرور يومياً أمام مكتبة مختصة ببيع الكتب القديمة والنادرة. وذات يوم وقعت عيناى على كتاب معروض فى واجهة المحل بعنوان (الرحلة الأخيرة لبحار) بقلم جون بارث؛ مما أثار فضولى وأشعل حماسى لتعقب آثار قصص شهرزاد فى الأدب الحديث. لكنى دهشت حينما لم أجد أبحاثاً كثيرة فى هذا المجال. فشرعت فى تجميع المواد، التى تراكمت عبر السنين متمخضة عن مجموعة غزيرة من الكتب. لم تراودنى على الفور فكرة جمعها فى كتاب، بل آثرت أولاً فحص الأمثلة المهمة. غير أن المادة الموجودة تضخمت، ورأيت أن البحث الموجود غير كاف، فبدأت أفكر فى تدوين كتاب. ما ألهمتنى بشكل خاص هى الطرق المتنوعة التى تناول بها الأدباء القصص، وهذا التناول لم يأت من الغرابة واهتمام بالشرق فحسب، بل وأيضاً باعتباره جزءاً من منظومة من الأساليب الأدبية واستراتيجيات السرد والأنماط الثقافية والخطاب السياسي. كانت (ألف ليلة وليلة) تحملنى إلى عالم أدبى كامل. بجانب شبكة الانترنت، كانت مكتبات بيع الكتب القديمة فى جميع أنحاء العالم مصدراً ثرياً لمواد أبحاثي، لذلك اشعر بالامتنان العميق لوجودها، بالإضافة إلى المترجمين الذين أتاحوا إمكانية الوصول إلى هذه المواد.
• ما أمتع رابط وجدته فى تلك الكتب وكتبت عنه؟ هل تمكنت من تحليل كتاب من كتبك المفضلة؟
ــ لقد وجدت عدة اكتشافات مثيرة للاهتمام حتى أننى أجد صعوبة فى إفراد كتاب أو مؤلف بعينه. قرأت لمؤلفين لم أسمع بهم من قبل، مثل كرودى جويلا أو عبد الكبير الخطيبي، كلاهما شخصيتان رائعتان. كما أعدت اكتشاف العبقرية الأدبية لفلاديمير نابوكوف، واستمتعت بالتعقيدات السردية لمؤلفين من أمثال جيمس جويس وإيتالو كالفينو. وقد أثار دهشتى بشكل خاص استعانة أدباء مثل إرنست يونجر باستعارات من (ألف ليلة وليلة) فى فترة ما بين الحربين فى ألمانيا، والإشارات إلى علاء الدين فى الأدب الاسكندينافي، بصفته تجسيداً لمشاكل الحداثة. من كان يتصور أن تصير (ألف ليلة وليلة) قوالب محورية لكتاب ذوى خلفيات ونوايا متنوعة؟ كان من الواضح أن آثار شهرزاد يمكن تعقبها فى صميم الخيال الحداثى الناشئ، لم تكن مجرد شكل من أشكال الغرابة، بل وسيلة لتناول موضوعات جوهرية من حيث الشكل والمفهوم. إن نشوء الحداثة وما بعد الحداثة وطبيعتهما فى الأدب لا يمكن فهمهما دون الرجوع إلى (ألف ليلة وليلة).
•ذكرت فى حوار عبر شبكة الانترنت مع مجلة (ذا بوكسيلر) أن (ألف ليلة وليلة) هى النموذج المثالى للأدب العالمي. ما الذى تعنيه بذلك تحديداً؟
• (ألف ليلة وليلة) هو عمل يشرح الآلية الرئيسية للسرد القصصي، وبهذا يسمو فوق الحدود الثقافية. بالإضافة إلى كونه مجموعة نصية متدفقة ومتنوعة، يطبق السحر الذى «اكتشفه» ويبوح به فى القصة الإطارية؛ وهو أن السرد مطلوب للتخفيف من الصدمات، ومقاومة العنف، وبقاء الإنسان على قيد الحياة. من البداية صار الكتاب نموذجاً مثالياً للسرد، وأداة للمواد السردية، تم تطويعه وتحويله وإعادة تشكيله ليتخطى جميع أنواع الحدود ويُعاد ابتكاره فى ظروف ثقافية وأدبية جديدة. إنه ينتقل بين الحقول الأدبية، ويعيد تشكيلها، وبذلك يعتبر معيناً لا ينضب من التقنيات والأساليب السردية. ولهذا السبب مازال المؤلفون فى جميع أنحاء العالم يستلهمون من (ألف ليلة وليلة) فى فترات الابتكار والتجريب الأدبى.
• ناقشت فى كتابك الآراء المتضاربة للواقع التام فى القصة الإطارية لألف ليلة وليلة. كيف أثر السرد على واقعك؟ وكيف يمكن أن يؤثر على الواقع الجمعي؟ وهل هذا هو بيت القصيد من الكتابة والقراءة؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه نقل وقائعنا الشخصية فى الوقت الحاضر كى نغوص فى أعماق الأدب؟
ــ الفكرة الأساسية لألف ليلة وليلة هى التوتر والتفاعل بين التباين والتناسق، والتنافر والتضافر. استطاعت شهرزاد، عن طريق السرد، تفكيك نظرة شهريار الأحادية، التى تتسم بالظلم والعنف، واستبدالها برؤية قوامها التنوع والخيال. وهى بذلك تميط اللثام عن سر التماسك الحقيقي، وهو أنه ليس هناك واقع واحد، بل ثمة وقائع شتى لا يمكن احتواؤها سوى بالخيال. بهذه الطريقة يمكن للقيم الإنسانية والتنوع الإنسانى أن يحلا محل الخطاب الاستبدادي. وبذلك تتضح أهمية الدور الذى يقوم به السرد والقصة والخيال فى البقاء الإنساني، ليس لشهرزاد فقط، بل وللمجتمع كذلك. كان من المهم بالنسبة لى اكتشاف الطرق العديدة التى ابتكرها المؤلفون لمقاربة المشكلة الرئيسية المتمثلة فى التنوع مقابل التماسك. وجدت أن كل مؤلف يمتلك طريقة جديدة مدهشة لخلق ميدانه الخاص، آملاً فى النجاة فى النهاية. الحياة نفسها مزيج من القصص المستمرة حتى الممات، وهو ما يمثل فكرة البقاء والاستمرار.
• تستخدم شهرزاد فى (ألف ليلة وليلة) شكلاً سردياً متداخلاً لتسلية شهريار كل ليلة. ما النظير المعاصر لأسلوب شهرزاد القصصى الذى تتمنى رؤيته يتطور إلى أسلوب أدبى؟ وهل هناك نماذج حديثة؟
ــ آلية السرد المتداخل إحدى «الأسرار» المهمة التى كشفت عنها شهرزاد بصفتها إستراتيجية سردية جوهرية. الشكل يخلق تنوعاً فى الاتساق، وجدلية بين المستويات المختلفة من الإدراك. هذه الآلية تضع الواقع «الخيالي» و»الحقيقي» جنباً إلى جنب بطريقة تجذب انتباه القارئ نحو القصة، كما لو أن هذا الواقع هو المستوى التالى المنطقى من الواقعية التى تشير إليها طبقات السرد. وقد استعان جورج بيريك بهذه الإستراتيجية فى روايته (53 يوماً)، والتى تضمنت عدة قصص بوليسية متشابكة، تشير فى النهاية إلى أن القارئ يشتبه به فى قتل بيريك.
• ما العمل الأدبى الذى تعتقد أن يكون النظير المعاصر لألف ليلة وليلة من حيث تأثيره المحتمل على تطور عالم الأدب، بغض النظر عن آليته السردية؟
•ما زال تأثير (ألف ليلة وليلة) على الأدب مستمراً، على سبيل المثال فى الأعمال الحديثة للفائزين بجائزة نوبل أولجا توكارتشوك وبيتر هندكه. لكن الزمن لن يجود بألف ليلة وليلة أخرى، بل لن يكون هناك عمل يتمتع بنفس الأهمية. ربما تعتبر (عوليس) و(يقظة فينيجان) لجيمس جويس نقطتى تحول رئيسية فى المستقبل، غير أنه من الصعب وصولهما إلى جمهور عريض. ولعل المرحلة التالية تكمن فى الوسيط الرقمى الجديد، فمن ينجح فى الكشف عن آلية سردية رئيسية مشابهة لآلية شهرزاد، ومتعلقة بوسائل الإعلام الرقمية ربما يحظى بتأثير مماثل على طريقة السرد والخيال فى المستقبل. غير أنه من المحتمل أن يُعاد اختراع سحر قصص شهرزاد وتطويعها فى أشكال جديدة من التواصل.
* نشر الحوار فى مجلة
 (الأدب العالمى اليوم).

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة