محمد بركات
محمد بركات


الزيادة السكانية.. غول يهدد مصر!!

محمد بركات

الثلاثاء، 02 فبراير 2021 - 08:47 م

 

الزيادة السكانية عندنا.. أصبحت خطراً يهدد مصر، وتحولت إلى غول يلتهم حصاد التنمية، ويعوق البناء والتطور والتحديث، بعد أن وصلت إلى مليونين ونصف المليون سنويا.

فى البداية .. لابد أن نقول بصراحة تامة، إن الخوض فى هذا الموضوع الشائك وتلك القضية المحبطة، أصبح ضرورة قصوى على المستويين الوطني والتنموي،..، خاصة بعد أن تحولت إلى مرض عضال استعصى على الحل على مر السنوات الماضية، رغم كثرة المحاولات التى بذلت للتعامل معها والتخفيف من غلوائها، وبالرغم من تكرار الحديث عنها بصفة دائمة ومستمرة، من كل الحكومات التى توالت على مقاعد المسئولية والحكم طوال السنوات السبعين الماضية،..، بل وأطول من ذلك بكثير.

ولكن قبل أن نغرق فى التفاصيل الخاصة بالمشكلة السكانية، الناجمة عن الزيادة الكبيرة والخارجة عن السيطرة فى تعداد السكان عندنا،..، لابد أن نشير إلى أهمية وضرورة الإبتعاد عن السقوط فى دائرة إثارة القلق، أو السقوط فى دائرة إشاعة اليأس والإحباط فى النفوس، نتيجة لتكرار الفشل  فى التعامل الإيجابى مع المشكلة طوال السنوات الماضية، حتى تحولت الآن إلى مشكلة شبه مستعصية أو تكاد.

أرقام مفزعة!!

والآن وقد مهدنا للدخول فى قلب وجوهر الحقائق المتعلقة بالقضية السكانية، والزيادة الخارجة عن السيطرة فى التعداد السنوى المتزايد للمواليد فى مصر، والتى أصبحت بالفعل على قدر كبير من الإزعاج والتعقيد والضرر،..، علينا أن نبدأ بالإشارة إلى ذلك الرقم المؤكد من جميع المصادر الرسمية فى الدولة، وعلى رأسها جهاز التعبئة والإحصاء، الذى يؤكد أن عدد السكان فى مصر الآن قد تجاوز "١٠١" مليون نسمة التى كان قد وصل إليها فى أكتوبر "٢٠٢٠"، وأن تعدادنا يواصل الزيادة بمعدل "٢٫٦٪" دون توقف، أى أنه يزيد بمقدار اكثر من "٢٫٥" مليون نسمة  كل عام، وهو ما يؤدى إلى زيادة متوقعة فى عدد السكان بمصر المحروسة خلال العشر سنوات القادمة فقط، يصل إلى ما يزيد عن الخمسة والعشرين مليون إنسان.. فى عين العدو.

ولو تأملنا هذا الرقم لوجدناه يصل إلى ربع عدد السكان الحالي،..، وإذا أضفنا عشر سنوات أخرى بنفس نسبة الزيادة السنوية الحالية، فإن الرقم يصل بالقطع إلى ما يقارب أو يزيد عن الخمسين مليونا من الأطفال والصبية والشباب،..، وهو ما يعنى إضافة إجمالية توازى تعداد خمس دول متوسطة الحجم السكاني، تحتوى كل منها على عشرة ملايين نسمة.

ولكننا لم نتوقف أمام ما إذا كانت هذه الزيادة تمثل عشر دول تضم كل منها خمسة ملايين نسمة، أو خمس دول تضم كل منها عشرة ملايين نسمة، فهذه كلها حقائق تؤدى بنا إلى طريق واحد ونتيجة واحدة، وهى أن هؤلاء الملايين الخمسين من الأطفال والصبية والشباب، الذين سيضافون إلى أبناء وطننا خلال العشرين عاما القادمة، يحتاجون إلى أشياء كثيرة واحتياجات كثيرة فى جميع مناحى وسبل الحياة، فى المأكل والمشرب والصحة والخدمات والمرافق والتعليم، والطرق والمساكن والطاقة والمدارس والجامعات، وغيرها.. 

وقبل أن نستطرد فى استعراض جوانب هذه القضية وبيان خطورتها وتأثيرها الشديد على الدولة المصرية بصفة عامة، وكل فرد من الأفراد وكل أسرة من الأسر المصرية سنتوقف قليلا أمام هذا الرقم كى نتأمل فى معناه وتداعياته وأثره على كل منا.

الارقام تقول.. إنه إذا استمر معدل الزيادة كما هو الآن سنويا، يصبح تعداد مصر خلال عشرين عاما فقط أكثر مما هو عليه الآن بخمسين مليون نسمة،..، أى أننا فى عام ٢٠٤٠ سيصل تعدادنا إلى ما يقارب المائة والخمسين مليونا.. وهو رقم يحتاج إلى إدراك واع وحكيم لمعناه ومتطلباته، وما يفرضه ذلك من جهد كبير وعمل مكثف للوفاء بالاحتياجات الأساسية اللازمة لتوفير الحياة الكريمة لهم جميعا،..، وهذه مهمة ثقيلة لا نقول عنها إنها مستحيلة أو غير ممكنة، ولكننا نقول إنها صعبة وشاقة، وتتطلب منا جميعا أن ننظر إليها بكل الجدية والاهتمام وأكبر قدر من المسئولية.

الصراحة واجبة

وإذا ما أردنا الصراحة.. وهى واجبة وضرورية لابد من التمسك بها، فيجب إن نقول أن هذه الزيادة السنوية فى عدد السكان، تمثل مشكلة حقيقية بالنسبة لأى دولة ولنا بالطبع، إذا ما ظلت على ما هى عليه الآن، ولم نعمل على ترشيدها قدر الإمكان أو السيطرة عليها قدر المستطاع، حتى لا تظل كما هى الآن عقبة جسيمة فى طريق نمونا الاقتصادى الذى نسعى إليه،..، وبحيث لا تتحول إلى غول يلتهم كل الجهد المبذول على طريق التنمية، ويحبط كل المحاولات الجارية للخروج والانطلاق على طريق التنمية والنهضة الاقتصادية الشاملة.

وحتى يكون الأمر واضحا والصورة ظاهرة بالقدر الكافى أمامنا جميعا دون لبس أو خطأ فى الفهم، علينا أن نقول بوضوح إن أى زيادة فى الإنتاج لن تكون محسوسة فى ظل الزيادة السكانية الجارية الآن، وأن الخطر من استمرار هذه الزيادة الكبيرة، يمكن أن يفاقم الحالة الاقتصادية ويزيدها سوءاً على كل المستويات.

هذه للأسف هى الحقيقة التى يجب أن نقولها صراحة، والتى يجب أن نعترف بها دون مواربة، والتى يجب أن نعمل بكل الجهد على مواجهتها والحد منها، حتى نستطيع الخروج من عنق الزجاجة، الذى حشرنا أنفسنا فيه طوال السبعين عاما الماضية، عندما غفلنا عن أخطار الزيادة الكاملة غير المرشدة وغير المنضبطة، وتركناها تكبر وتتضخم بصورة عشوائية، حتى أصبحت غولا يأكل الأخضر واليابس على أرض مصر، وأصبحت تمثل تهديدا كبيرا لكل خطط وبرامج التنمية، التى كنا ولازلنا نأمل ونتمنى أن تؤتى ثمارها.. ولكن ذلك لم يحدث للأسف.. نظرا لأن غول الزيادة السكانية كان ولايزال يلتهم أى زيادة فى الانتاج.

الحقائق تتكلم

وما يجب أن نعلمه فى هذا هو أن غول الزيادة السكانية، الذى تركناه ينطلق بصورة عشوائية ودون سيطرة أو تنظيم، ظل يضيف إلينا ملايين الأطفال كل عام، وهؤلاء يحتاجون إلى عشرات الآلاف من المدارس الجديدة كل عام ويحتاجون إلى مئات الآلاف من المدرسين وعشرات الآلاف من وسائل النقل والمواصلات، ووسائل الاتصال وملايين الملابس، والآلاف من المستشفيات ودور العلاج والأطباء وهيئات التمريض،..، وغيرها وغيرها من أدوات ووسائل الخدمات والمرافق والإنتاج الزراعى والصناعى ولوازم الحياة المختلفة والضرورية من مأكل وغذاء.

وقد يتصور البعض خطأ أننا نبالغ فيما نقول.. ولكن ذلك بالقطع غير صحيح فلا مبالغة فى ذلك على الاطلاق.. بل لابد أن نعرف وندرك، أننا عندما نزداد كل عام ما يزيد على المليونين ونصف المليون طفل كل عام، فإن ذلك يعنى بالضرورة أننا نحتاج إلى متطلبات أساسية لازمة وضرورية، لابد من توافرها من الطعام والشراب والملبس والمسكن والتعليم والعلاج والسكن والانتقال والعمل.. وغيرها.

وكل ذلك يعنى الحاجة الماسة والضرورية إلى المزيد من المصانع، والمزيد من الأراضى الزراعية المنتجة للغذاء والطعام،..، وهذا هو الأمر الطبيعى كى يتم توفير الاحتياجات الضرورية لهؤلاء القادمين الجدد، وتلك أبسط حقوقهم كأبناء لهذا الوطن،..، ولكن فى ذات الوقت هذه مسألة تحتاج إلى تكاليف ومليارات الجنيهات أو الدولارات، لبناء المصانع وبناء المدن الجديدة وإقامة المصانع والمساكن وإنشاء المدارس وتوفير المدرسين.. وغيرها.. وغيرها.. وكذلك تحتاج أيضا استثمارات هائلة فى مجالات الإنتاج والمشروعات لتوفير فرص العمل لهؤلاء الملايين الذين يضافون سنويا إلى سوق العمل بعد أن يكبروا وينضجوا.

المواجهة ضرورة

وفى ظل ذلك كله، قد تبدو هذه الرؤية من وجهة نظر البعض قاتمة أو تشوبها بعض القتامة،.. وهى فى حقيقتها غير مضيئة بالقدر الكافى ولا تدعو للتفاؤل أيضا، ولكن العذر فى تناولنا لها وتأكيدنا عليها هو الحرص على المصداقية، وإيماننا بأنها ضرورة حتى ولو كانت قاتمة نوعا ما،..، وذلك على أمل أن يؤدى ذلك لتوافر الرغبة لتغيير الواقع، والإصرار على السعى الجاد لدينا جميعا للعمل على التحسين والإصلاح والترشيد لهذه الزيادة غير المحتملة، حتى يكون الغد أفضل من اليوم والمستقبل أكثر إضاءة وإشراقا.

وفى ذلك يجب ألا نفقد الأمل ولا نحب أو نرغب فى إشاعة جو من عدم التفاؤل، بل على العكس من ذلك نحن نريد تسليط الضوء على هذه القضية الخطيرة ذات الأثر السلبى على جميع مناحى الحياة، وذات التأثير السيئ على الحاضر والمستقبل بهدف إثارة اليقظة العامة فى المجتمع كله، ودفعه للسعى الجاد لمواجهة المشكلة وعلاج السلبيات المتراكمة نتيجة تجاهلنا لها طوال السنوات الماضية.

ونحن لا نقول إن هذه المواجهة ستكون سهلة أو ميسرة، بل على العكس من ذلك تماما، لأنها قضية اجتماعية وثقافية فى المقام الأول، حيث إنها تتصل اتصالا وثيقا بالمفاهيم الاجتماعية والموروثات الثقافية، كما أن لها ارتباطا فى أذهان المواطن من عموم الناس بالبعد العقائدى والديني،..، هذا بالإضافة إلى المفاهيم والأبعاد المادية والمعنوية المتصلة بتصور أن كثرة الأبناء "عزوة" خاصة فى المجتمعات الزراعية والريفية بصفة عامة،..، وهو ما يحتاج إلى جهد كبير لنشر الوعى وتصحيح لبعض المفاهيم الثقافية والاجتماعية وأيضا الدينية، لدى عامة الناس من أهلنا فى الريف والمدن ايضا، التى تعتبر أن التدخل بالتنظيم أو الترشيد للنسل هو تدخل مكروه أو مذموم دينيا، إن لم يكن من المحرمات،..، وذلك يحتاج إلى جهد مكثف وصادق ومستمر للتصحيح والتوضيح يقوم على الإقناع وشرح الحقائق ومعالجة السلبيات.

كما يجب أيضا النظر فى استخدام بعض الحوافز الإيجابية وأيضا السلبية التى أخذت بها بعض الدول الأخرى لمعالجة المشكلة.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة