جلال عارف
جلال عارف


فى الصميم

تطوير الريف.. و«المستر حسين»

جلال عارف

الجمعة، 05 فبراير 2021 - 10:10 م

كلاكيت للمرة الألف. "مستريح" جديد وقعة قديمة تتكرر منذ أكثر من أربعين سنة.. ربما تتغير بعض التفاصيل والأسماء وأرقام الأموال التى استولى عليها النصاب أو "المستريح" والتى تجاوزت فى القضية الأخيرة مليارات الجنيهات.. لكن جوهر القضية يبقى كما هو: من ناحية نصاب يعرف جيداً الواقع الذى يترك فيه، ويحرك نوازع للكسب السريع لدى الضحايا ليستولى على ما يستطيع من أموال ومن ناحية ثانية ضحايا لا يتعلمون من دروس الماضى، ويخضعون لإغراءات المحتالين الذين يستعينون بكل أدوات التضليل وادعاء التقوى لتكون النتيجة أن يجمعوا "شقا العمر" أو يبيعوا ما يملكون أو يستدينوا من البنوك على أساس أن تدعمهم فى مشروعات صغيرة لا تتم، بل تذهب الأموال كلها إلى النصاب أو "المستريح" الذى حملت آخر طبعة منه اسم "المستر حسين" وكان مسرح عملياته فى محافظة المنيا وما جاورها!!.

 

لا شك أن جهوداً هائلة تبذل لمواجهة هذه الأنشطة الضارة بالمواطنين وبالدولة تحققت نجاحات فى ضبط تحويلات العاملين بالخارج التى كانت قبل ذلك مصدراً لشركات توظيف الأموال فأصبحت تتم داخل المصارف الرسمية.. الرقابة صارت أكثر صرامة على التعاملات البنكية لمطاردة أى أنشطة غير مشروعة. الحرب ضد الفساد لا تتوقف وهو ما يجعل نشاط الأنشطة الخفية وغير المشروعة "مثل احتيال توظيف الأموال" أكثر صعوبة وليس كما كان الأمر فى زمن الفساد حيث كان أشباه الريان والسعد يرتكبون جرائمهم علناً وينسجون التحالف بين الفساد وبعض من وضعوا نفوذهم وسلطاتهم يومها فى خدمة الضلال المبين!!.

 

ولا شك أن التحقيقات مع "مستر حسين" وأعوانه سوف تكشف الكثير من الحقائق عما جرى خلال سنوات من نشاط هذا التشكيل العصابى، وكيف ظل يعمل ويتوسع ويجمع كل هذه الأموال ثم كيف يظل الألوف − بعد أربعين سنة من الحرب ضد هذه الظاهرة − يتعاملون معها ويقبلون بالمغامرة حتى بما يستدينونه ليقامروا به عند "المستريح" ودون تفرقة هنا − للأسف الشديد − بين فلاح يبيع البقرة أو قيراطين الأرض وبين "عمدة" يضع فى يد "المستريح" عشرات الملايين!!.

 

هذه "الثقافة المريضة" مازالت موجودة − للأسف الشديد − فى ريف مصر. ومازالت تمثل حجر عثرة أمام أى جهود حقيقىة للإصلاح والتنمية والأمر هنا لا يتوقف عند حدود تبديد مدخرات المواطنين أو التلاعب بأموال البنوك وإنما الخطر الأكبر مع هذه "الثقافة المريضة" التى تخلت عن قيم العلم والعمل وأشاعت − على مدى سنين طويلة − أساليب السمسرة والفهلوة والجرى وراء الثراء السريع ولو كان غير مشروع.

 

هذه "الثقافة المريضة" مازالت موجودة وإذا كنا الآن نبدأ فى مشروعنا الكبير لتطوير الريف، فعلينا أن نواجه الحقائق ونتعامل مع الواقع وندرك أن التطوير الحقيقى لن يتم إلا مع ثقافة جديدة تعيد الاعتبار لقيم العمل والعلم، وتجعل الكل شركاء فى عملية التنمية التى ينبغى أن تتوجه لها كل الجهود. "المستريح" وأى "مستريح" آخر مجرد عناوين فرعية تشير إلى أن حجم العمل المطلوب كبير لكى يكون الإصلاح حقيقياً، ولكى لا نترك هذه الثقافة المريضة بكل أدواتها من سماسرة توظيف الأموال وسماسرة التجارة بالدين، يبددون فرص التقدم الذى لن يتحقق إلا بالعلم والعمل والتخطيط الكفء والتوزيع العادل لثمار التنمية الحقيقية.. وليس انتظار ما لا يجىء مع "مستر حسين" وأمثاله.. وما أكثرهم منذ الريان وحتى الآن!!.

 

الجزء الثقافى فى معركة تطوير الريف سيكون الأصعب، لكنه الأهم لأنه يعنى تحرير أكثر من تهدف شعب مصر من سطوة تحالف لصوص المال مع تجار الدين ويفتح الباب أمام التقدم الحقيقي الذي لابد أن تتكتل جهودنا من أجل إتمامه ودور الدولة هنا أساسى فى تقديم النموذج وتمهيد الطريق نحو الإصلاح المطلوب.

 

لو أن "العمدة" الذى جمع عشرات الملايين ليضعها لدى "المستريح" الأخير قد وجد الطريق الصحيح ليبدأ بهذه الأموال مشروعاً حقيقياً لتنمية قريته وفتح أبواب الرزق أمام أبنائها.. لو حدث ذلك لما وجدنا من يبيع القيراطين اللذين يملكهما أو يسحب شقا سنوات الغربة من البنك ليضعها فى يد النصاب الذى بدأ يوماً بـ"الحاج الريان أو الشريف" ولا ينتهى اليوم مع "المسترحين"!!.

 

ولو أن ثقافة التنمية الحقيقية وصلت للناس، لما وجدنا أموال دعم المشروعات الصغيرة تنتهى إلى دعم "المستر حسين"!! ولو أن هناك درساً ينبغى أن نلتفت إليه فهو أن تطوير الريف يحتاج أولاً − وقبل كل شىء − إلى ثقافة تستعيد احترام العقل وتجعل العلم والعمل وسيلتنا لتنمية حقيقية بعيداً عن دجل تجار الدين وسمسرة أشباه المستر حسين!!.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة