عبدالله البقالى نقيب الصحفيين المغاربة
عبدالله البقالى نقيب الصحفيين المغاربة


حديث الأسبوع

تعددت الأسباب وخلفيات التقارير والدراسات واحدة

الأخبار

السبت، 06 فبراير 2021 - 08:06 م

بقلم/ عبدالله‭ ‬البقالى

لا جدال فى الجزم بأن سنة 2020 التى لفظت أنفاسها قبل أسابيع، قدمت للعالم بأسره عرضا مفصلا وواضحا لطبيعة الأخطار التى تهدد مستقبل البشرية جمعاء، لكنها لم تنجح، على ما يبدو، فى إقناع الرأى العالمى بترتيب دقيق لأولويات هذه الأخطار. فقد يكون الإجماع حاصلا على اعتبار وباء كورونا أثار الانتباه إلى أن أحد أهم الاخطار المحدقة بالبشرية يتمثل فى السلوك الإنسانى نفسه، بمعنى أن الخطر أضحى مرتبطا بسلوك ونشاط الفرد والجماعة، فقدرة الإنسان على إحداث ضرر فردى لنفسه وجماعى للآخرين تنمو وتتسارع منذ مدة ليست وجيزة، بسبب التنوع المذهل للأنشطة الإنسانية، لكن الاتفاق لم يحصل فيما يتعلق برزمة الأخطار الأخرى المرتبطة بتداعيات الأزمة الصحية التى هزت أركان العالم طيلة سنة، ولا تزال تداعياتها متواصلة إلى أجل لا يقدر أحد على تحديده.

فى هذا السياق تسابقت أوساط متعددة فى إصدار تقارير تتعلق بتقدير حجم الأخطار المتوقعة فى ضوء سنة استثنائية كانت قاسية بجميع المواصفات، تسابق كشف عن حجم التباينات والتناقضات بين الأوساط المصدرة لهذه التقارير، وقد يكون أزاح الستار عن الخلفيات التى حكمت إنجاز كل تقرير من هذه التقارير، وهى خلفيات قد تكون مرتبطة باعتبارات سياسية أو اقتصادية صرفة.

فمثلا، حينما نتوقف عند التقرير الذى أصدرته )لجنة المستقبل البشرى( وهى هيئة أسترالية تضم فى عضويتها أكاديميين ومفكرين وقادة سياسات، وهى تعنى )بتعزيز الحلول للتهديدات التى تواجه البشرية والكوكب(، نجد أن الأخطار محددة فى )انخفاض الموارد الطبيعية، خاصة المياه، وانهيار النظم البيئية، وفقدان التنوع البيولوجى، ونمو تعداد السكان فى العالم بما بات يتجاوز القدرة الاستيعابية للأرض، والاحتباس الحرارى، والتلوث الكيميائى لنظام الأرض، بما فى ذلك الغلاف الجوى والمحيطات، وتزايد معدلات انخفاض الأمن الغذائى وضعف جودة الغذاء، وانتشار الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، وظهور أوبئة جديدة ليست قابلة للعلاج، وظهور تكنولوجيا جديدة ليست خاضعة إلى المراقبة( وهى أخطار كانت معلومة قبل جائحة كورونا وأثناءها، اللهم الا إذا اعتبرنا أن الأزمة الصحية العالمية الحادة التى اجتاحت العالم بصفة مباغتة، وتسببت فيما تسببت فيه من تداعيات خطيرة على الانسان والاقتصاد، فرضت فهما جديدا لهذه المخاطر وفرضت معالجات عميقة وبصفة مستعجلة مغايرة للمعالجات التقليدية التى لم تزد كل هذه التحديات إلا استعصاء وخطورة.

لكنا حينما ننتقل إلى التقرير الصادر مؤخرا عن )مجموعة يور آسيا( وهى هيئة أمريكية مختصة بتقييم الأخطار السياسية فى العالم، نجد أنه يحصر أهم المخاطر التى تهدد مستقبل البشرية فى المجال السياسى الصرف. من ذلك أنه يعتبر الانقسام فى الولايات المتحدة بعد انتخاب الرئيس الأمريكى جو بايدن أحد أبرز هذه الأخطار. كما يتوقع معدو هذا التقرير أن ينتقل موضوع المناخ من فضاء للتعاون العالمى إلى مجال للمنافسة العالمية، وستتجلى هذه المنافسة فى سعى أطراف كثيرة إلى قيادة الاشتغال العالمى فى هذا المجال والتحكم فى غرفة هذه القيادة. كما يقدر أصحاب التقرير أن التوتر الصينى / الأمريكى ستكون له تداعيات على الأوضاع فى العالم، ناهيك عن أخطار أخرى حددها التقرير فى الأمن الإلكتروني، والعزلة التركية، وانخفاض الاعتماد على الطاقة وتنحى ميركل، وتدهور الأوضاع فى أمريكا الجنوبية.

وحينما نتوقف عند تباينات فى هذا الحجم فى استعراض وتحديد الأخطار التى تحدق بالبشرية لدى أوساط تدعى الاختصاص والدراية الكبيرة والخبرة الموثوقة، فإننا نفهم لماذا يعجز العالم عن مواجهة الأخطار المعروفة والتحديات الطارئة والإكراهات المستجدة التى يواجهها، وتتضح كثير من المؤشرات التى تكشف عن حقيقة مذهلة تفيد بأن رزمة كبيرة من التقارير التى تمطرنا بها الأوساط الدراسية والبحثية والأكاديمية فى العالم، إنما تتم وتنجز تحت الطلب لخدمة أجندات سياسية أو اقتصادية ذات أبعاد ربحية صرفة. وليس غريبا أن تكون الشركات التجارية والاقتصادية العملاقة وراء كثير من الدراسات والأبحاث والتقارير التى تنجز لتحقيق أهداف ما بعد إعداد ونشر هذه الدراسات، قد يكون أبرزها فرض قناعة معينة على الإنسان المستهلك، أو تحويل وجهة اهتمام الرأى العام من قضية مركزية معينة إلى قضية أخرى لا تحظى بنفس الأهمية، ولا تكون لها أية تأثيرات على الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

أما عن الأخطار الحقيقية التى تهدد مستقبل البشرية فليست فى حقيقتها وجوهرها غير تكريس نظام اقتصادى عالمى يخلف ملايين الضحايا من بنى البشر، الذين لم يستطيعوا التكيف مع هذا النظام، ووجدوا أنفسهم فى الهامش، يعانون ظروف الفقر والجهل والجوع والحاجة إلى الرعاية الاجتماعية، بيد أن موارد الثراء فى العالم كافية لتلبية احتياجات جميع سكان العالم دون تمييز أو فرز. وهذه القضايا الشائكة، والإشكاليات المستعصية التى لا تقترب منها الدراسات، ولا تجد لها موقعا فى اهتمامات التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية وعن مراكز الأبحاث والدراسات الكبرى التى تستثمر أموالا طائلة لإنجاز دراسات قد لا تحظى بنفس الأهمية، بيد أن الموضوع فى غاية البساطة من حيث المبدأ، وتتمحور أهم الأسئلة المرتبطة به حول كيفية التوزيع العادل للثراء العالمى بما يحقق ويضمن سيادة نظام عالمى عادل بالنسبة لجميع سكان الأرض.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة