د. جمال سلامة خلال حواره مع «الأخبار»
د. جمال سلامة خلال حواره مع «الأخبار»


د. جمال سلامة رائد «الواقعية السياسية»:علاقة مصر وفرنسا فى عهد السيسى فاقت عصر عبد الناصر وديجول

منى الحداد

السبت، 06 فبراير 2021 - 08:32 م

‮«‬الإرث‭ ‬الترامبى‮»‬‭ ‬سيشغل‭ ‬بايدن‭.. ‬ومصر‭ ‬تقف‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬صلبة

الموقف‭ ‬فى‭ ‬ليبيا‭ ‬أقل‭ ‬تأزماً‭ ‬من‭ ‬اليمن‭ ‬وسوريا‭.. ‬وإخراج‭ ‬المرتزقة‭ ‬‮«‬التحدى‭ ‬الأكبر‮»‬

يميل السياسيون دوماً إلى الآراء الدبلوماسية التى تحاول إمساك العصا من المنتصف، ولا تعطى لمتلقيها إجابة شافية تشبع نهمه للمعرفة، ولكن الوضع يبدو مختلفا عند د. جمال سلامة، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة قناة السويس، والذى دوماً ما تكون آراؤه مصبوغة بصبغة مدرسته الفكرية، والتى تتخذ من الواقعية نهجاً فى تحليل الظواهر السياسية، فتفاجئك تلك الآراء أحيانا، ولكنك فى النهاية لا تملك إلا أن ترفع القبعة لقائلها، لأنه توصل إليها استناداً إلى تحليل معلوماتي.. وبينما تموج منطقة الشرق الأوسط بأحداث سياسية متلاحقة، جاءت مترافقة مع وصول ساكن جديد للبيت الأبيض، وهو الرئيس الأمريكى الجديد "جو بايدن"، وسعى مصرى لمزيد من التفاهم مع الاتحاد الأوروبى عبر بوابة فرنسا، يكتسب الحوار مع الدكتور سلامة المستند إلى الواقعية السياسية أهمية كبيرة، ليس فقط بسبب توقيت الحوار، ولكن لأن هذه المنطقة وقضاياها تدخل فى نطاق اهتمامه البحثي، وله العديد من الكتب والبحوث والدراسات والتحليلات فى هذا الإطار.. وإلى نص الحوار.

- بداية كيف تابعت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى الأخيرة إلى فرنسا، وما دلالة التوقيت من وجهة نظرك؟

فرنسا لها أكثر من وزن سواء سياسياً أو حضارياً أو ثقافياً، ففرنسا بالنسبة لأوروبا مثل وزن مصر بالنسبة للشرق الأوسط، فمصر دولة قوية ولها وزن حضارى، وفى الميزان العسكرى هى أقوى من تركيا، وأقوى من إسرائيل، وبالرغم من امتلاك إسرائيل للسلاح النووى ولكنها بالتبعية أصبحت رهينة لهذا السلاح الذى لا تستطيع أن تستخدمه إلا لأسباب محددة.

وبالتالى فإن زيارة الرئيس السيسى لفرنسا مهمة لأكثر من سبب، أولها: التغيرات التى تحدث على الساحة الإقليمية حيث تشهد المنطقة العربية فوضى شديدة جداً، وثانيا، بالنسبة للساحة الدولية فنحن بصدد غياب إدارة أمريكية ومجىء إدارة جديدة، وأعتقد أن الاتحاد الأوروبى يمكن ان يلعب دورا فعالًا فى قضايا الشرق الأوسط فى الفترة القادمة عبر فرنسا التى ستتصدر المشهد.

السهم الفاعل

- لماذا رجحت أن تكون فرنسا هى بوابة الاتحاد الأوروبى لتفعيل دوره فى الشرق الأوسط ؟

بالنسبة لألمانيا هى دولة اقتصادية كبيرة جداً، ولكننا لا ننتظر منها أن يكون لها دور سياسى فاعل فى القضايا التى تعنى المنطقة العربية إلا بقدر ما يمس مصالحها، فهى معنية أكثر بتركيا بسبب وجود علاقات خاصة تربطهما من بعد الحرب العالمية الثانية، ووجود عمالة تركية كبيرة بها.

أما إنجلترا فسياستها مازالت تابعة للسياسة الأمريكية إن لم تكن " ذيلاً " للسياسة الأمريكية مهما تغيرت الإدارات، ففى إنجلترا يوجد "حزب العمال" و"حزب المحافظين"، وفى أمريكا يوجد نفس الشئ "الحزب الجمهورى" و"الحزب الديمقراطى".

إذن فالسياسة واحدة ولا تستطيع إنجلترا أن تخرج عن الصف الأمريكى، وحتى خروج إنجلترا من الإتحاد الأوروبى هو خروج إقتصادى ولكن له دلالات سياسية، كما أنه منذ بداية الخمسينيات لم يكن لإنجلترا دور سياسى فعال فى الشرق الأوسط، بينما الذى كان يقود آنذاك هى فرنسا.

لذلك أعتقد أن الرئيس السيسى يرى أن السهم السياسى الذى يستطيع أن يكون له دور فاعل فى أوروبا هو فرنسا، هذا بالإضافة إلى أن العلاقة الخاصة التى دشنها الرئيس السيسى مع فرنسا سواء على المستوى العسكرى والاقتصادى لم تكن موجودة من قبل حتى أيام الرئيس عبد الناصر وديجول، فقد كان هناك نوع من التفاهم والعلاقات الجيدة ولكنه لم يترجم على المستوى الاقتصادى أو العسكرى.

- ما مردود هذه الزيارة حول التنسيق بين مصر وفرنسا فيما يخص الشأن الليبى ؟

مصر هى الدولة صاحبة المصلحة الأكبر فى حل الأزمة الموجودة بليبيا، وهى تحاول أن تدشن تكتلاً دولياً على المستوى السياسى فى حل الشأن الليبى، وطبعاً تعقدت الأمور بسبب دخول تركيا، كما كان من وراء الستار أكثر من طرف دولى سواء طرف مباشر كمرتزقة تركيا، أو أطراف تدعم سياسياً أو لوجيستياً كالولايات المتحدة، التى كانت تدعم حكومة الوفاق بشكل أو بآخر عبر مرتزقة أردوغان، أما روسيا كانت تدعم معنوياً ومادياً المشير خليفة حفتر.. ومن ثم أتوقع عدم انسحاب الولايات المتحدة فى المرحلة المقبلة، ولكن أعتقد أنه يمكن إحداث نوع من التفاهم بشأن الأزمة فى ليبيا، وهذا لن يحدث إلا من خلال التحركات المصرية.

- أشرت فى بداية حديثك إلى أن الاتحاد الأوروبى سيكون له دور فاعل فى منطقة الشرق الأوسط.. فماذا عن الولايات المتحدة الأمريكية وما هى رؤيتك لتأثير إدارة بايدن الجديدة؟

أرى تأثيرها بشكل إيجابى، لأن الولايات المتحدة الأمريكية متخمة بملفات كثيرة جداً، ومعظمها ملفات داخلية، لأننى أعتبر أن فترة إرث ترامب لأمريكا فترة مأسوية بسبب تراجع هيمنة ونفوذ الولايات المتحدة، ليس فقط على الشرق الأوسط، بل على العالم، فسياسة ترامب غير العقلانية أدت إلى نفور الحلفاء الأوروبيين منه بسبب تهكمه وتحلله من العديد من الاتفاقيات مثل الملف النووى الإيرانى، ناهيك عن سياسته مع الصين والتى كان يسعى من خلالها إلى تحجيم نفوذها عبر إلغاء اتفاقية التجارة، فنرى اليوم نفوذ الصين يتنامى.

كذلك فإن فكرة البراجماتية التى كان يتبعها ترامب أخدت من مكانة الولايات المتحدة التى تقوم سياستها على الإنفاق وليس " الجباية " فألغى كل المساعدات للدول النامية، وبدأ يهدد الدول التى بها نوع من التحالف، لذلك أظن أن المهمة الأولى لجو بايدن ستكون هو إصلاح ما أفسده ترامب.

قضايا المقايضة

- إذن كيف تنظر الولايات المتحدة الأمريكية للقضايا الإقليمية ؟

هى قضايا للمقايضة سواء كنا نتحدث عن سوريا أو ليبيا.. طبعاً الموقف فى ليبيا يمكن إيجاد حل له، فهو أقل تأزماً من الموقف فى اليمن وسوريا وأظن أن الطرفين فى ليبيا سواء كنا نتحدث عن حكومة الوفاق بقيادة السراج أو قوات حفتر على إستعداد للوصول إلى حل بمساعدة مصر، ونجحت مصر فى عقد أكثر من لقاء جمع الفرقاء، وبالتالى فإن إيجاد حل سياسى للأزمة فى ليبيا هو أمر ممكن أن يحدث على المدى القريب، لكن تبقى مشكلة الإرهاب فى ليبيا، وكيفية إخراج ميليشيات الجماعات المرتزقة التى عششت وأوجدت لنفسها ملاذاً خصباً حتى ولو تخلت عنها تركيا، هذا هو التحدى الأكبر بالنسبة لأى حكومة حتى ولو كانت حكومة وحدة وطنية.

- ألا ترى من إيجابيات لزيارة الرئيس السيسى لفرنسا فى مواجهة التدخلات السافرة لتركيا فى ليبيا والبحر المتوسط ؟

بالتأكيد لأنه كان من أهداف الزيارة مواجهة خروقات تركيا لسيادة الدول سواء كنا نتحدث فى ليبيا أو فى سوريا أو بالنسبة لتحركاتها فى شرق البحر المتوسط التى تعتبر خرق لإتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، والتى لم توقع عليها تركيا حتى يومنا هذا، ولكن أعتقد أن صانع القرار فى تركيا وصلته رسالة الرئيس السيسى من فرنسا ويعى مضمونها جيدا، فالرئيس فى حديثه لصحيفة الفيجارو الفرنسية، عندما سئل إذا كان يتوقع أن يكون هناك صدام عسكرى بين مصر وتركيا رد أن "سياسة مصر هى سياسة ضبط النفس وأننا لن نبدأ ولكننا جاهزون "، والرئيس وهو يقول ذلك يستند إلى واقع يقول أن ترتيب البحرية المصرية هى رقم 6 على مستوى العالم، والجيش المصرى رقم 10.

أردوغان بلا مبادئ

 - دأب أردوغان على تحول سياسته بين المتاجرة بالدين والكر والفر.. كيف تتوقع خطواته القادمة بعد قرار الاتحاد الأوروبى بتشديد العقوبات عليه، وتهديد بايدن بدعم المعارضة التركية ضده ؟

أردوغان شخص متلون ومرن ويستطيع بالفعل أن يفلت من كل هذه الضغوطات، فهو رجل بلا مبادئ وليس له موقف ثابت.هو لن يصر على سياسته لأنه يتعامل مع الموقف بطريقة رد الفعل، وبرغم كل ما يقال عن أردوغان، لكنه لاعب سياسى ماهر، وهذا ليس مدحاً فيه، ولكنه يستطيع أن يفلت من أى ضغوطات أو عقوبات من خلال التراجع،هو يحاول إطالة أمد مكوثه فى الحكم إلى أطول وقت.

- ما رؤيتك لمستقبل أردوغان ؟

أردوغان شأنه كشأن الإخوان بالضبط، هو إستغل فترة كان فيها نوع من السيولة وهى الفترة التى كانت تشهد فيها تركيا حالة من التفتح وقفز على السلطة وبدأ يوزع الاتهامات ما بين القضاء والإعلام وغيرها، ولأنه جاء فى وقت ممكن أن نسميه بالديمقراطى غير الدستور وتحول من رئيس وزراء إلى رئيس تركيا.

إذن الساحة السياسية فى تركيا ساحة جافة بعض الشىء،هذا بالإضافة إلى أن انقلاب 2016الفاشل وجه رسالة تخويف إلى بعض قادة الجيش، لذلك التوقعات بأن تكون هناك حركة أخرى من الجيش ضد أردوغان لن تحدث فى الأمد القريب إلا إذا كان هناك ضغوط أوروبية ضد أردوغان.

- إلى أى الطرق يمكن أن يفضى إليها التقارب الأردوغانى الإسرائيلى ؟

التقارب الأردوغانى الإسرائيلى لم يدشنه أردوغان فى واقع الأمر فهذا التقارب بين تركيا وإسرائيل منذ أن أنشىء هذا الكيان الإجرامى الصهيونى.تركيا من أوائل الدول التى اعترفت بقيام إسرائيل فى 1947، وهذه كانت أزمة مصر مع تركيا فى حقبة الرئيس عبد الناصر، فتركيا منذ حلف بغداد عام 1955 وهى خنجر فى ظهر العرب، وبالتالى فإن العلاقات التركية الإسرائيلية هى موجودة سواء فى عهد أردوغان أو عهد من سبقه ولن تنتهى وعلينا أن ننظر إلى تركيا هذه النظرة وهى أنها دولة مصالح.

- هل تتوقع أن يسفر الحديث داخل الكونجرس حول تصنيف جماعة الإخوان على قائمة الإرهاب عن شئ ؟

بالتأكيد لأن فى الأساس هذه الجماعات هى جماعات سياسية بالنسبة للغرب أما بالنسبة للعرب فهى جماعات إرهابية، فى النهاية هى لا تفكر فى تفجير برج فى مانهاتن، لكنها تفجره فى مصر. الغرب يعلم جيدا كيف يشغلون تلك الجماعات وبالتالى لن يتخلى الغرب عنها سواء كانت بريطانيا أو ألمانيا الموجود بها مركز كبير للإخوان ولا الولايات المتحدة، فالغرب هو الملاذ الآمن لتلك الجماعات بعد أن طردت من دول الخليج عقب 2013.

- وما رؤيتك لسياسة جو بايدن فيما يخص الشرق الأوسط، وهل ستختلف عما كانت عليه فى عهد أوباما ؟

بالنسبة للشرق الأوسط أتوقع أنه لن يكون هناك تأثير حاسم بالنسبة لقضايا معينة مثل القضية الفلسطينية، لأنه ما الذى يمكن أن تعطيه لإسرائيل ولم تحصل عليه فى عهد ترامب. أوباما حاول أن يفعل تشكيلات مثل تشكيل اللجنة الرباعية، لكى يوحى بأن هناك اهتماما أمريكيا بالقضية الفلسطينية وقال بضرورة حل الدولتين وكل هذه الأمور ولكن لم يحدث شىء على أرض الواقع، ليس فقط فى عهد أوباما، ولكن منذ الثمانينيات. القضية الوحيدة التى ممكن أن يثيرها بايدن فى الشرق الأوسط هى قضية إعادة فتح ملف الإتفاق النووى هذا فى حالة إذا أراد أن يحصل على بعض المال من الخليج فقط، وإيران فى كلا الحالتين سعيدة بذهاب ترامب وترى أن بايدن لن يكون أسوأ من سابقه وتأمل فى إعادة نظر الولايات المتحدة فى قرار الاتفاق النووى.

واقع جديد

- وفيما يخص مصر؟

إذا قارنا سياسة أوباما بسياسة بايدن المرتقبة فالوضع مختلف فحتى إن كان بايدن تلميذاً أو كان يسير على نهج أوباما أو جزءا من إدارته، فمصر اليوم تتحرك على أرضية صلبة، فى 2013 لم يكن أحد فى العالم يعترف بنا ولا يتعامل معنا، اليوم الرئيس يذهب إلى فرنسا ويقابل بمنتهى الحفاوة، لأن هناك انعكاسا بأن الرئيس السيسى يستطيع أن يفرض الأمن والاستقرار على حدود بلده.

فالقوة تخلق الشرعية، وكل قوة جديدة تزيح القوة السابقة مهما كانت هذه القوة، وأقصد هنا القوة بمفهومها الشامل المادى مثل قدرة السيسى على فرض الأمن والنظام داخل حدود بلاده، ثم تحركه خارجياً حيث يمتد الأمن القومى فيما وراء الحدود على سبيل المثال ليبيا، أما المفهوم المعنوى فهو التأييد الشعبى الذى يحظى به الرئيس السيسى.

- إذن جو بايدن يتعامل مع مصر بناء على هذا الواقع الجديد؟

بالقطع، فنحن دولة لها رئيس قائد، ونظام سياسى مستقر، ولها قدرات عسكرية، وتحالفات دولية سواء كنا نتحدث عن روسيا أوالصين، أعتقد أن بايدن سيعى ذلك جيداً، أضيف إلى ذلك أن بايدن ليس متفرغاً لنا فهو لديه إرث ترامبى كبير جداً فهو لديه مشاكل داخلية مثل إستهتار المواطن الأمريكى نفسه بالدولة والنظام، وهذا يمكن أن يؤثر على بقاء الولايات المتحدة بشكل تدريجى.. كما أن ترامب ضرب فكرة الديمقراطية الأمريكية فى الانتخابات الأخيرة، وبالتالى أحدث شرخا على المستوى الثقافى والفكرى بالنسبة للمواطن الأمريكى تجاه دولته، كما أن من قناعات الديمقراطيين أن بايدن الذى يبلغ من العمر 78 عاماً لن يحكم إلا فترة واحدة هذا إذا طال به العمر، وبالتالى بايدن خلال الـ 4 سنوات القادمة سيحاول أن يحقق إنجازاً داخل أمريكا سواء على المستوى الاقتصادى أو على المستوى الاجتماعى وسيحاول تحسين صورة الحزب الديمقراطى، إذن اهتمام بايدن سيكون منصبا على الداخل والقضايا الكبرى ولن يكون معنياً بحقوق إنسان فى مصر.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة