محمود الوردانى
محمود الوردانى


كتابة

دفتر أحوال جيل الستينيات (5) نبلاء وأوباش

أخبار الأدب

الإثنين، 08 فبراير 2021 - 12:23 م

أختتم هنا ماسبق أن كتبته عن  الراحل الكبير سليمان فياض الذى ترك للأجيال التالية له إرثا مهما عبر أعماله القصصية والروائية، وسيرة حياة خلال ثمانية عقود أثمرت من بين ما أثمرت «كتاب النميمة» الذى أصدرت منه دار ميريت طبعة جديدة كاملة أخيرا.
وإذا كان الكتاب سالف الذكر يضم بوتريهات عديدة لنبلاء من جيل الستينيات وبعض آبائهم المباشرين، فإنه يضم أيضا العديد من «الأوباش» الذين أورد الكاتب بورتريهاتهم مغفلا أسماءهم، وإن كان من الممكن التعرف على شخصياتهم الحقيقية مثل الأقنعة السبعة وقوس قزح  والنزهى والفأر والتفاكشى وعازف الفلوت وغيرهم.
وسواء كان سليمان فياض يكتب عن هؤلاء أو أولئك، أى النبلاء أو الأوباش، فهو حريص على أن يذكر الوقائع التى كان طرفا فيها، وهو ما أسهم بشدة فى إحياء واستعادة المشهد الأدبى خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى. فصاحب الأقنعة السبعة مثلا، ليس من الصعب معرفة أنه يوسف السباعى حتى لو أغفل اسمه، وقوس قزح هو غالى شكرى، والفأر هو سيد خميس.. وهكذا.
ولأنه كتاب نميمة فعلا فهو سليط اللسان وعنيف وحاد، لكنه فى الوقت نفسه بالغ الصدق والتجرد، إلا أن هناك شخصيات مثل «المغترب الأبدى» غالب هلسا، يجمع بين النبل والصفات الأخرى التى تضعه فى خانة الأوباش.
لايخفى سليمان حبه لغالب، وفى الوقت نفسه يكيل له اللكمات بين الحين والأخر. كان غالب أردنى الجنسية أرسله أهله للدراسة فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة فى مطلع ستينيات القرن الماضى وهو مايزال شابا فى مقتبل عمره. وسرعان ما عشق مصر، ولم يخرج منها، بل بات أحد كتابها المهمين، وانخرط فى الحركة اليسارية، وتعرّض للاعتقال عدة مرات.. وكانت شقته فى حى الدقى مكانا مفتوحا لأصدقائه من كتاب الستينيات. وعلى مدى العقود التى عاشها فى مصر، ظل سيف الإقامة بوصفه غير مصرى مسلطا عليه، ومع ذلك لم يحل هذا دونه ودون الانخراط فى الحركة الأدبية والسياسية الموارة، وكتب عددا كبيرا من الأعمال الروائية التى تدور جميعها فى حوارى وشوارع القاهرة مثل الخماسين والضحك والسؤال والبكاء على الأطلال، وحتى بعد أن أجبر على مغادرة مصر وتم ترحيله إلى بغداد التى لم يطق الاستمرار فيها، وغادرها إلى سلسلة من المنافى انتهت فى بيروت عندما تم ترحيله مع المقاومة الفلسطينية التى توزع مقاتلوها فى المنافى ..حتى عندما حدث هذا ظل غالب مرتبطا بالبلد التى عشقها، وكان آخر أعماله» الروائيون» عن مصر أيضا.
مرة أخرى .. لأنه كتاب نميمة فعلا، يسرف فى الاتهامات التى وجهت للراحل غالى شكرى بتعدد ولاءاته، ويعرض عن قيمة الأعمال التى أصدرها أو المستوى الذى حققه فى المجلات التى ترأس تحريرها. وعندما يكتب عن ثروت أباظة مثلا يذكر الدور المخزى الذى لعبه فى انتخابات اتحاد الكتاب، وفى الوقت نفسه يغفل اسمه تماما مما يتيح له أن يرفع السقف كما يشاء.
وفى النهاية يظل أحد أهم مايكشف عنه كتاب النميمة هو العالم السرى لكتاب الستينيات والجو الأدبى والتجمعات والشلل والمقاهى والملتقيات والأكاذيب الرائجة والشائعات، وهو تاريخ مسكوت عنه ولن يجده القارئ إلا فى هذا الكتاب تحديدا.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة