الشارونى وزوجته إيزيس المتخصصة فى تدريس اللغة الانجليزية 1956
الشارونى.. شاب فى التسعين
الإثنين، 08 فبراير 2021 - 02:15 م
كتب: أحمد عبدالنعيم
تبقى دائما جدلية هل قياس العمر بسنين نعيشها أم بلحظات نسعد فيها أنفسنا ومن حولنا بلحظات نرفع فيها مساحات البراح ليحمل إلينا الونس والدفء الإنسانى.. يعيش معنا الشارونى كما أراد، يشكل وجداننا البرئ بحكايات وقصص ويبحث عن تراثنا الشعبى يغزل منه بنول خاص يحمل هو فقط مفاتيحه.. نقرأ الشارونى صغارا ويعيد تشكيل وعينا ونحن كبار.. نتاج إنسانى خاص يسكن محراب الخيال ولا ينفصل عن حاضره أبداً.
يتذكر معنا الشارونى، ونحن نضئ اليوم شمعة التسعين من عمر الإبداع: امنذ سنوات حياتى الأولى أحب السفر وزيارة الأماكن الجديدة، والتعرف على البشر قبل الحجر. ومنذ كنت فى المدرسة الابتدائية وأنا فى التاسعة أو العاشرة من عمرى، كنت شغوفًا بكتابة القصص القصيرة المستمدة من زياراتى لمختلف الأماكن وتعرفى على نماذج متعددة من البشر، مستعينًا بما أسجله كل ليلة فى اكراس يومياتىب أو مذكراتى. وكان من الطبيعى أن تدور أولى رواياتى القصيرة للأطفال واليافعين حول خبراتى التى عايشتها أثناء زياراتى فى العطلات الصيفية لبيت جدى لوالدتى فى قرية اجزيرة شارونةب، بمحافظة المنيا بصعيد مصر.
وشيئًا فشيئًا بدأت أهتم بقراءة المجلات الأدبية والثقافية، وروايات ومسرحيات كبار الكُـتَّاب، وقراءة كتب علم النفس والفلسفة التى كان يدرسها أخى الأكبر فى كلية الآداب بالجامعة.ب.
تلك كانت البداية لشاب صغير يحلم بتغيير الواقع بكلمة، لم يدخل معارك تبعده عن عالمة الخاص، دائماً ما يسكن فى بيت التسامح لا تشغله معارك المثقفين وبارونات قهاوى وسط البلد، له فقط مساحة من الناس يحافظ عليها ويسمع منهم. الشارونى وبعد تسعين عاما من الإبداع لا يخجل أبدا أن يناقش معك عمله قبل النشر، لا يتمسك برأيه أمام حجة الإقناع. كلما اقتربت من عالم الشارونى تأخذك حالة الشباب الدائم فهو دائما صاحب مشروع خاص لا يتوقف أبدا عن التفكير فى الغد، يحمل شنطة جلد وكلما مر علينا ترك لنا من إبداعه.. كتاباً، دراسة، مقالاً، جزءاً من ونسه المعتاد .. تسير بجانبه وهو فى التسعين تجده يجرى كشاب ثلاثينى على ميعاد لحضور ندوة أو مناقشة كتاب، لا يؤمن أبدا بصومعة المبدع.. يشعر بالطفل همه الأول.. ترك منصة القضاء ويتذكر معنا الحكاية..
اوفى عام 1967، أعلـن الدكتور اثروت عكاشةب، وزير الثقافة، أنه فى حاجة إلى عدد من الشباب الموهوبين فى الأدب والفن، ليقودوا العمل الثقافى خارج القاهرة، كمشرفين على قصور وبيوت الثقافة المنتشرة فى محافظات مصر.
وكانت تلك هى بداية االثقافة الجماهيريةب، (التى أصبحت الآن االهيئة العامة لقصور الثقافةب)، والتى حلت محل ما كان يُسمَّى قبل عام 1967 ابالجامعة الشعبيةب.
اوعندما طلب وزير الثقافة من وزير العدل انتدابى للعمل فى وزارة الثقافة، لم توافق وزارة العدل إلا على الانتداب لمدة ثلاثة أشهر.
وبعد كل ثلاثة أشهر، تبدأ معركة الموافقة على مد الانتداب، إلى أن انتهى الأمر فى 68 بنقلى نهائيًّا إلى وزارة الثقافة، فى ضوء نجاح تجربة عملى الثقافى فى بنى سويف، اختارنى عضوًا فى بعثة طويلة إلى فرنسا، لمعايشة الحياة الأدبية والثقافية هناك. وبعد عودتى من بعثة فرنسا، ومن سنة 1970 حتى 1973، أشرفت على الإدارة العامة لثقافة لثقافة.ب.
ترك الشارونى منصة القضاء ولكنه عاش بيننا ينشر كل قيم الحق والخير والعدل، يحكم بيننا، ويعيش واقعنا، ويتركنا ويعود إلى منصة المبدع يتألق بعمل يجعلنا نقف على باب محراب ذلك القديس الخاص ننتظر كل صباح حكاية أعجبتى بصحيفة االأهرامب على مدار ثلاثين عاماً، كنز يومى خاص لم يترك شيئاً فى حياتنا ونحن نبدأ أولى خطواتنا نحو القيم الإنسانية إلا وكان حاضرا بقوة يشكل معنا وجداننا البرئ فى صبر خاص يحمل بصمة شارونية اإن التفاعل مع البشر، والاستماع المباشر إلى خبرات الآخرين، ومعايشة البيئات التى يعيشون فيها، والتعرف على التجارب الحية التى يعبرون عنها، كل هذه روافد أساسية لالتقاط عناصر الشخصيات والأماكن التى أرسمها فى أعمالى الأدبية. كما أنها تمنحنى كثيرًا من الخبرات التى تثرى اختياراتى، عندما أجد نفسى قد وصلت فى عمل روائى إلى موقف يعبر عن الخبرة الإنسانية فى مواجهة الحيرة أو التردد أو أسئلة الحياة الكبرى. بل إن حضورى بعض المؤتمرات قادنى أحيانًا إلى العثور على االمفتاحب أو العقدة التى كنت أبحث عنها لأتناول- فى قصة أو رواية- موضوعًا معينًا.ب.
يصنع الشارونى من أدب الطفل فناً خاصاً به عناصره المتعة والقيمة التربوية، هنا لا ينصب نفسه أبدا مدرس الفصل الذى يحمل العصا ونرضى منه بالمسلمات التى استقر هو عليها، ولكن الشارونى يدرك العلاقة بين الفن والقيمة التربوية اكاتب الأطفال فنان قبل أن يكون رجل تربية. والفن يقوم أساسًا على إمتاع القارئ بما فى العمل الأدبى من تشويق وجاذبية، وشخصيات حَـيَّة يُعايشها الطفل، وحبكة أو عُقدة تُثير اهتمام العُمر الذى تتوجّه إليه القصة أو الرواية.
لكن كُـلّما كان كاتب الأطفال معايشـًا وعلى دراية بواقع الأطفال
- الاجتماعى والنفسى والبيئى واليومى- كُـلّما وجد نفسه يختار موضوع أعماله الإبداعية حول ما يُعايشه الأطفال فى واقعهم أو خيالهم.
فإذا كان الفن يأتى أولاً فى مجال إبداع أدب الأطفال، فلا يُمكن فصل الفنان الذى يكتب للأطفال عن المُرَبِّى الذى يُدرك أثر كل كلمة يكتبها على القارئ الصغير.
إن الأدب، بوجه عام، نافذة يستطيع القارئ من خلالها أن يفهم نفسه على نحو أفضل، وأن يفهم الآخرين أيضًا على نحو أفضلب.
وفى دراسة بالجامعات الإيطالية تشير مارليا البانو أستاذ الأدب العربى بالجامعات الإيطالية افى الأدب العربى الحديث المُوَجَّه للأطفال، نجد أن مصر هى الدولة التى تحتل مركز الصدارة لثراء إنتاجها فى هذا المجال، وعظمة وقيمة كُتــَّـابها، فقد كانت دائمًا دولة رائدة فيما يتعلّق بميلاد التيارات الأدبية والفكرية الجديدةب.
ويُعَدُّ الكاتب المصرى يعقوب الشارونى عميدًا لكُتّاب أدب الأطفال والصغار وهو واحد من أهم فنانى أدب الطفولة والأطفال، ويرجع له الفضل الأكيد فى دفع أدب الطفولة بقوّة فى العالم العربى.
إن أعمال الشارونى - فى جانب منها - تُركّز بشكل كبير على إعادة النظر إلى التُّراث الكلاسيكى، وإعادة عرضه بأسلوب جديد مُناسب لتحفيز اهتمام الشباب.
يختم الناقد اللبنانى عبد المجيد زراقط دراسته عن الشارونى قائلا اإن يعقوب الشارونى يمتلك ريادة الإبداع، بامتلاكه أسرار إبداع التعامل الإنسانى مع الاَخر، أيِّ اَخر، وأسرار الإبداع الأدبى، والبصيرة النافذة إلى جواهر الأمور والعقل الراجحت والمعرفة والخبرة بما يكتب عنه، فكأنَّه النَّحلة التى تجمع الرحيق من ثلاثة اَلاف زهرة، أو أكثر، لتصنع جراما ً واحداً من العسل.ب.
فى 10 فبراير يدخل الشارونى عامه التسعين ( مواليد 1931 ) بنفس الروح الشبابية يتحدث عن مشاريعة القادمة.. اجهز لرواية جديدة.. انتهيت من قراءة كتاب.. أراجع رسالة ماجستير من الصين عن أعمالى.. بدأت التجهيز لمؤتمر الطفل بورقة بحث. أضع سماعة الهاتف وأنهى الحوار واسأل نفسى هل كنت أتحدث مع شاب تسعينى؟