وحيد حامد
التراث الشعبى فى «مدرسة وحيد حامد»
الإثنين، 08 فبراير 2021 - 02:33 م
كتب:مصطفى كامل
تناول وحيد حامد موضوعات التراث الشعبى بكل دقة واحترافية وكأنه خبير أنثروبولوجيا، من أول فيلم له، وكان ذلك واضحا وجليا، واستخدم وسائل الجمع الميدانى لمادته مثل جمع المادة عن طريق الملاحظة، إلى كل ما يدور أثناء ممارسة الناس لحياتهم اليومية، فقد كان يسير فى شوارع مصر كل يوم لملاحظة الناس فى الميادين ورصد وقائع بعينها مثل أعياد الميلاد والزواج وعلاقات الناس ببعضهم البعض، وسلوك الناس فى حياتهم اليومية، وكان شديد الانتباه لكل التفاصيل التى تقع أمام عينه، استطاع من خلال سيره اليومى أن يقف على كثير من تفاصيل الحياة اليومية بنفسه وجعل له مدرسة، فقد كان على علم بالظروف التى يعيش فيها جمهوره، واستطاع أن يحدد هدفه، ويفهم طبيعة جمهوره، فى معالجة كتابة النص ويتطلب كل من هذين العنصرين زيارات واستكشافات واطلاعات ومحادثات مع أفراد الجمهور ويعد هذا من أقوى وسائل جمع المادة الفولكلورية لدارسى الفولكلور والانثروبولوجيا.
كما أجاد عملية اختبار المأثورات الشعبية لإظهار الموضوع وجعله مفهوما ومقبولا لدى المتلقين، والتركيز على عناصر تظل عالقة فى أذهان المشاهدين من استخدامه للأدب الشعبى ومنها الأمثال الشعبية، وقد اختار شخصيات أفلامه بمهارة وأبرزها فى قصته السينمائية مما ساعد فى اجتذاب تعاطف الجماهير معها، فالجمهور يحب الإنصات إلى القصص التى تعبر عن علاقات الشبه بينه وبين شخصيات القصة فيتصوروا أنفسهم كأبطال للسيناريو.
لقد حقق وحيد حامد الانسجام مع الواقع بتقديمه مفردات التراث المصرى واستخدم الأدب الشعبى الذى هو قسم مهم من ضمن الأقسام الأربعة للتراث الشعبى وهى المعتقدات والمعارف الشعبية، والأدب الشعبى، والعادات والتقاليد الشعبية، والثقافة المادية والفنون الشعبية، واستخدم من الأدب الشعبى الأمثال التى هى أكثر ألوان التعبير الشعبى إيجازا، ومع قصر العبارات فيها إلا أنها تحمل خلاصة تجربة الإنسان بأوجز الكلام وعمق الرمز.
لقد رصد وحيد حامد الفلسفة الشعبية وحكمتها وأبعادها المكانية والزمانية والنفسية والاجتماعية، وتناول الحكمة الشعبية والتعابير والأقوال السائرة كما فى فيلم االإنسان يعيش مرة واحدةب فى قول االدنيا يا ولدى لها وشين أبيض وأسود لما تبقى بيضاء قدامك افتكر الأسود علشان تسلم، ولما تبقى سوداء افتكر الأبيض علشان تعيش لبكرةب. وكذلك فى فيلم ارجل لهذا الزمانب يقول عادل أدهم اأحيانا الإنسان يضطر يضحى بأغلى شئ فى حياته، والمبادئ والقيم بتبقى أغلى من حياة الإنسان، والبلد من غير قانون تبقى غابة كبيرة جداب وأيضا فيلم احد السيفب عندما قال على لسان محمود مرسى عن الفن.
وكذا استخدم نداءات الباعة مثل فيلم فتوات بولاق اخاتم سليمان اللى تلبسة تلاقى قدامها كوم عرسان، وعندى عقد اللى تشترية منى على طول حبيبها يظهر ويبانب. كما تناول العادات والتقاليد الشعبية من ميلاد وزواج ووفاة، وتناول دور الفرد فى المجتمع المحلى وعلاقاته الأسرية والمراسيم الاجتماعية، والعلاقات بين الغنى والفقير والذكر والأنثى.
أما عن الثقافة المادية والفنون الشعبية فى مدرسة وحيد حامد الفنية فقد أظهر لنا الحرف التراثية بفيلم فتوات بولاق حرفة مبيض النحاس وتناول لغتها الخاصة بها، واستخدم الآلات الموسيقية بفيلم امحامى خلعب خاصة آلات النفخ، وفى هذا الفيلم الأخير ناقش الأستاذ وحيد حامد فكرة المتصل الريفى والحضرى التى عبر عنها عالم الانثروبولوجيا أوسكار لويس ومن قبله أستاذه ردفيلد، حيث قدم طرازا وضع على أحد طرفيه نموذجا مثاليا للجماعة الشعبية وفى الطرف الآخر نموذجا مثاليا حضريا.
لقد ترك لنا الأستاذ وحيد حامد مدرسته العريقة فى السينما المصرية لينهل منها دارسو الفلكلور والانثروبولوجيا ونقاد السينما المصرية ومتأملى الثقافة الشعبية وحركتها بين الزمان والمكان وأبعادها النفسية والاجتماعية، إنها مدرسته الخاصة التى استخدم فيها العناصر التراثية والممارسات الثقافية للناس بوظائف ومعان جديدة.
-------------------------
باحث في التراث المصري