نوال مصطفي
نوال مصطفي


حبر علي ورق

ما لم يفعله رئيس من قبل

نوال مصطفى

الأربعاء، 10 فبراير 2021 - 10:29 م

بدا المشهد مؤثرا، صادقا، محركا للضمائر والهمم. الناس فى مثل هذه المناطق المنسية، التى نطلق عليها أحيانا "العشوائية" وأحيانا "غير الآمنة"، وأحيانا "غير المخططة" فقدوا الثقة فى أن أحدا سوف يهتم بهم، أو يشعر بمأساتهم. ربما تزورهم بعض الجمعيات الأهلية لتنفيذ مشروعات تنموية لا يتجاوز عدد المستفيدين منها العشرات وربما المئات. أو يقوم صحفى بعمل تقرير عن الواقع الأليم الذى يعيشونه هناك. ثم يمضى الجميع مثلما جاءوا، ويبقى الوضع على ما هو عليه.

حكايات الناس فى هذه المنطقة التى تقع فى الكيلو "أربعة ونص" على طريق القاهرة السويس تدمى القلوب. مليون شخص بينهم رجال، نساء، شباب فى عمر الزهور، أطفال يتفتحون كبراعم خضراء يعيشون فى تلك البقعة البائسة من أرض مصر. يئنون تحت وطأة محطات الضغط العالى، انعدام المرافق والخدمات، محاصرتهم بجبال القمامة، وضيق الشوارع بين الأبراج العالية على جانبيه بصورة تعوق إمكانية عبور سيارات الإطفاء أو الإسعاف أو النقل.

هؤلاء المنسيون فوجئوا قبل أيام بسرب من السيارات الفارهة تخترق المنطقة، ولدهشتهم رأوا الرئيس عبد الفتاح السيسى، ومعه رئيس وأعضاء الحكومة، ورئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة. بالتأكيد شعروا أنهم فى حلم، ولم يصدقوا أن ما يحدث حقيقى.

لم نر رئيسا من قبل ينزل للناس فى العشوائيات بنفسه، ليس هذا فحسب بل يصطحب معه أكبر مسئول فى الوزارة، وكل أعضائها.

"يعنى إحنا حنسيبهم كده؟" قال الرئيس لمرافقيه من كبار رجال ونساء الدولة أثناء الجولة التفقدية لعزبة الهجانة. مناقشة الرئيس مع رئيس الوزراء دكتور مصطفى مدبولى أوضحت أن تلك المبانى شيدت على مدى عشرات السنين، وأصبح يقطنها مليون شخص، من المستحيل أن نزيل المنطقة، لكن المطلوب تطوير خدماتها ومرافقها، وتحسين جودة الحياة. وهذا تكلفته على الدولة باهظة، لكن لا بديل عن ذلك كما قال الرئيس.

ما فعله الرئيس ملهم، مؤثر، يريد أن يقول لنا جميعا حكومة وشعبا: انتبهوا أيها السادة، فنصف سكان مصر يعيشون فى مناطق شبيهة بعزبة الهجانة، ولم يعد مقبولا أبدا أن يتخاذل أى مواطن مهما كان موقعه عن القيام بدوره تجاه هؤلاء.

الوزراء يجب أن يتركوا مكاتبهم، وينزلوا لهؤلاء، يستمعوا إليهم، ويعرفوا مشاكلهم، نواب الشعب المنتخبون والمعينون لابد أن يكون هذا هو شغلهم الشاغل، فهم صوت الشعب الذى أعطاهم الأصوات ثقة منهم فى أنه سيكون المدافع الأول عن حقوقهم فى الحياة الكريمة.

بقى بعض النقاط المهمة التى يجب أن يراعيها المنفذون لمشروع الرئيس الجديد "تطوير المناطق غير المخططة" أولا: يجب التحاور مع الناس، ومعرفة آرائهم فى كيفية تطوير حياتهم وعلاج مشاكلهم. فقد استمعت من بعض المواطنين هناك أن موظفى الكهرباء يحررون محاضر ضدهم بسبب عدم وجود عدادات. بالطبع ليس هناك الكثير من الأساسيات لأن وجودهم أساسا أنتج حزمة من المشاكل. حتى الذين يقدمون لتركيب عداد يواجهون برد الموظفين "مفيش تعليمات جاتلنا بكده"!

هذه واحدة من مشاكل كثيرة شبيهة يجب إيجاد حلول مرنة لها. كذلك فإن سكان عزبة الهجانة وغيرها من العشوائيات يحتاجون إلى استراتيجية ثقافية مدروسة توجه للأطفال والشباب بشكل أساسى. التطوير فى رأيى لابد أن يبدأ ببناء منظومة الفكر والقيم التى نزرعها فى أولادنا هناك حتى نخلصهم من ثقافة العشوائيات وقيم الفوضى وتدمير الذات. وليس خافيا أن الآثار التى تحفرها العشوائية فى تركيبة الشخصية خطيرة، وعلينا أن ننتبه إليها.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة