أدب الرعب
أدب الرعب


«أدب الرعب».. بدأ من «قلعة أوترانتو» وتحول إلى رغبة في اقتحام المجهول

نادية البنا

الإثنين، 15 فبراير 2021 - 03:40 م

«قال الدكتور هانيبال ليكتر، الطبيب النفسي غريب الأطوار، وآكل لحوم البشر، هذه الجملة لأحد ضحاياه بنبرة هادئة قبل أن يفرغ أحشاءه ويعلقه مثل الذبيحة على حائط أحد متاحف مدينة فلورنسا، وكأنه أحد إبداعاته التي لا تقل قيمتها عن إبداعات الفنانين العظماء الذين تذخر المدينة بمنحوتاتهم ورسومهم» .



يبدو هذا الأمر مرعبًا ومستحيل الحدوث في الواقع، أليس كذلك؟ لكننا ربما نجد إجابة هذا السؤال عندما نلقي نظرة على عناوين الأخبار في الصحف وفي التلفاز، حينها سنعرف أن الرعب يعتبر حدثًا يوميًا، مثل: الحروب، وجرائم القتل، وحالات التعذيب اليومية، لذلك فالقراءة في أدب الرعب أحيانًا ما تكون وسيلة لمواجهة مخاوفنا المجهولة التي نخشاها، ولكن السؤال الذي نحاول الإجابة عليه من خلال هذا التقرير هو متى ظهر أدب الرعب؟ .



بداية أدب الرعب



وفقًا لموسوعة المعارف البريطانية، لا يُعد أدب الرعب فنًا حديثًا؛ فتاريخه يرجع إلى الفلكلور والحكايات الشعبية القديمة التي كانت تذخر بالسحرة، والجنيات، ومصاصي الدماء.

أما في العصر الحديث فيرجع أول ظهور لحكاية رعب مكتوبة في شكل روائي إلى القرن الثامن عشر الذي شهد أول ظهور لما يُسمى بالأدب القوطي، وهو نوع أدبي يتبع أسلوب الفن القوطي، الذي كان نوعًا من فنون العصور الوسطى، وتطور في فرنسا أواسط القرن الثاني عشر الميلادي.

حملت أول رواية في أدب الرعب اسم «قلعة أوترانتو»، وكتبها الأديب الإنجليزي هوراس والبول في عام 1764، كان والبول غريبًا غامضًا كروايته التي تغلفها اللعنات، وتعج قلاعها بالسحر، وغاباتها وسهولها بالسحرة والعرافين؛ إذ كان يعيش وحده في قصر قوطي الطراز تحيط به القلاع والأسوار العالية، وكانت حوائط هذا القصر تمتلئ باللوحات الغريبة التي فُتن والبول بجمعها.

ألهمت رواية «والبول» هذه أدباء عدة من بعده، برعوا في توظيف العناصر الخارقة للطبيعة، وحلقوا بخيالهم في عوالم غامضة، وخرجوا لنا بروائع أدبية جمعت بين جمال الفن وغموض النفس البشرية، وتجولت أيضًا في عوالم أخرى لم يكن يجرؤ البشر على الكتابة عنها من قبل، بالرغم من إحساسهم بها ومعرفتهم بوجودها.

في عام 1818 كتبت ماري شيلي رائعتها الأدبية «فرانكنشتاين»، عن عالِم مجنون يخلق مسخًا، ثم يخافه فيهجره، وتبعها عدد كبير من الأدباء، كان أشهرهم على الإطلاق الأديبين الأمريكيين إدجار آلان بو، وهوارد فيليبس لوفكرافت.

يروى أنه في إحدى الأمسيات توجه أحد الكُتاب نحو صديق له وأهداه رواية أخبره أنه قد كتبها إليه خصيصًا، فرحًا بمكانته عند صديقه الكاتب عاد هذا الصديق إلى منزله مسرعًا ليقرأ الرواية المكتوبة لأجله، وفي المنزل كانت الصدمة؛ إذ اكتشف الرجل أن البطل في الرواية يحمل نفس اسمه، ويعيش أسلوب حياة مشابه تمام الشبه لأسلوبه، كما أن هذا البطل يلقى ميتة بشعة في نهاية الرواية، وعندما ذعر هذا الصديق، وأبلغ الكاتب بمدى خوفه من هذا الرواية فوجئ به يغرق في ضحك هستيري وتبدو عليه السعادة.

كان هذا الكاتب هو الأديب الأمريكي هوارد فيليبس لوفكرافت، أحد رواد أدب الرعب، الذي قال عنه أحد النقاد: «إنه كاتب يهدف إلى أن يجعلك ترتعد فزعًا، وكذلك إلى زرع الشك والفزع في ذهن قارئه.. ولو قيل له إن أحد قرائه مات من الرعب، أو أنه قد ذهب إلى مستشفى المجانين.. فإن ذلك كان سيسره بلا شك».

وُلد لوفكرافت في 20 أغسطس عام 1890 بالولايات المتحدة الأمريكية، وقد كان منذ طفولته مولعًا بالقصص المرعبة، التي تنتمي للأدب القوطي، للأديبين الأمريكيين الشهيرين: إدجار آلان بو، وروبرت تشامبرز، وكان حلمه أن يكتب قصصًا مرعبة مثل قصصهما، وحين بدأ لوفكرافت مسيرته الأدبية في عام 1917 كانت الحرب العالمية الأولى تلقي بظلالها الكئيبة على البشرية كلها؛ فأصبح الناس لا يهابون الموت، ولا يفزعون لمنظر الجثث الملقاة على قارعة الطريق.

وقد لاحظ لوفكرافت هذا الأمر؛ فكتب عن رعب آخر لم يختبره الناس بعد، خلق هذا الأديب عالمه الخاص الذي تأثر بالتقدم العلمي الذي شهده القرن العشرين فاكتسبت أعماله معقولية غريبة، وجعلت القراء يرتعدون خوفًا من ذلك العلم الذي لا يتوقف تطوره، والذي – وفقًا لتعبير لوفكرافت – يمكن أن يؤدي إلى تدمير النوع البشري في النهاية؛ لأن ما يكمن فيه من أصناف الرعب التي لم نعرفها بعد قد لا يحتمله عقل من عقولنا الفانية.

اعتمد لوفكرافت في روايات أدب الرعب التي ألفها على الأساطير الإغريقية، وكذلك حكايات ألف ليلة وليلة العربية، التي فتنته لدرجة أنه قد استخدم اسم عبد الله الحظرد لفترة طويلة اسمًا مستعارًا له، وهو نفس الاسم الذي استخدمه في روايته المرعبة العزيف.

وبلغت شدة إقناع وإتقان لوفكرافت مبلغًا شديدًا، لدرجة أن الكثير من القراء صدقوا وجود شخص يُدعى عبد الله الحظرد بالفعل، وحاولوا، ومازال البعض يحاول حتى يومنا هذا، العثور على أية وثائق تثبت وجوده، ويبذلون جهودًا مضنية في العثور على كتابه (العزيف)، والذي يُصرح لوفكرافت بأن كل من يقرأه حتمًا سوف يصيبه الجنون.

وعلى الرغم من براعة هذا الأديب وقدرته الهائلة على الإقناع ورحابة خياله، إلا أن أعماله لم تحقق نجاحًا يُذكر في حياته؛ إذ لم تحقق المجلة التي نشر فيها قصصه الرواج المطلوب، وحُظرت بعض المجلات الأخرى، وسحبت نسخها التي كانت تحتوي على قصصه من السوق؛ فمات مفلسًا في سن مبكرة.

وعلى الرغم من عدم شهرته أثناء حياته ذاعت شهرة لوفكرافت بعد مماته، إذ إن أعماله أصبحت مرجعًا لأهم كتّاب الرعب من بعده، ومن بينهم الكاتب الأمريكي الشهير «ستيفن كينج».

شعبية أدب الرعب

يُقال إن أشد ما يخشاه الإنسان هو ما يجهله، وأنه بمجرد أن يفهم ذلك المجهول فلن يكون هناك ما يخيفه على الإطلاق، لعل هذه المقولة تعد تفسيرًا منطقيًا للشعبية الساحقة التي حققها ولا زال يحققها أدب الرعب على مر العصور.

فهوس الناس الذي لا ينتهي بالحكايات التي تعج بالقتلة، والوحوش، والمختلين إنما ينبع في الأساس من رغبتهم في الكشف عما وراء ذلك الحاجز الذي يفصل عالمهم الواقعي عن عوالم أخرى غامضة يجهلونها، ولكنها ليست منهم ببعيد، فكلنا – بغض النظر عمن نكون – نعلم يقينًا أننا قد نكون على بعد خطوة واحدة من أشد مخاوفنا، كالوحدة، والمرض، بل حتى الموت.

ولذلك فإن هذا الافتتان الذي لا ينتهي بتلك الحكايات التي يلعب فيها الأشرار دور البطولة قد لا يكون سببه في الأساس استمتاع القراء بتعذيب أنفسهم أو الآخرين، ولكن قد يكمن السبب في رغبتهم باقتحام المجهول، أن يكونوا كهؤلاء الأبطال، أقوياء بما فيه الكفاية حتى لا يؤذيهم الناس، وأن يكونوا مستعدين لمواجهة أكبر مخاوفهم. 

 

اقرأ ايضا|صالون بالأعلى للثقافة يناقش «تجديد الفكر الاقتصادي»


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة