الثلاثاء، 16 فبراير 2021 - 06:12 م

كتبت: عبير عبدالمطلب 

يشق الليل نصفين، تحت سماء تسخر نجومها كمصابيح له، ووسط صحراء ودروب تراوغه أحيانًا بتضاريسها، لكن الهدف الأسمى من نجدة التائهين وإسقاط المهربين تجعل من قصاص الأثر في الوادي الجديد مطلب جماعي في كل لحظة.

قصاص الأثر مهنة لا يستهان بها، وخصوصا في محافظة الوادي الجديد والمناطق الصحراوية القريبة منها فالبحث عن التائهين يستلزم خبرة طويلة لا تتوافر إلا لدى أبناء مدينة الخارجة، والتي لا لا تزال تحظى بأهمية كبيرة.

الشيخ محمد أحمد مبارك، أكبر وأشهر قصاص أثر، يرجع نسبه إلى قبيلة بيلى بالوادي الجديد يروي تفاصيل مهنة العذاب بين دروب وكهوف الصحراء الواعرة: "هذه المهنة تضعنا تحت ضغط عصبي في ظل رحلة البحث عن المفقودات، سواء كان إنسانا أو حيوانا.. ببساطة لأننا نشعر بلهفة أصحاب وأهالي المفقودين".

لا يجد أهالي المفقودين أملا سوى الشيخ مبارك بحثا عن أبنائهم في الأماكن الرملية، وهنا يتحدث بقوله: "تعلمت المهنة من أبي وجدي منذ الصغر، وقصاص الأثر مهنة ثانية بجانب تربية الإبل وكذلك تجارة العطرونة وهذه المادة تستخدم في الدباغة وصناعة الصابون".

أما بداية تعلمهم قص الأثر فارتبط بعملهم في تجارة العطرونة وهي عبارة عن صوداء كاوية تشبه الملح كانوا يذهبوا لجلبلها من صحراء تشاد والسودان على ظهور الجمال، ومن هنا كان تعلم قص الأثر، لكن يظل فن معقد.

والتعرف على الطريق فكان يتم من خلال النجوم ولكن من السهل معرفة الأثر أو الجرة سواء كان إنسان أو حيوان؛ بل ويمكن معرفة إذا كان رجلا أم سيدة وإن كان يحمل شيئًا أو لا، وإن كان بمفرده أو مع أحد.

ويروي مبارك: "كنت في أغلب الأحيان أسير لوحدي أو معي صاحب المفقود وكل هذا لوجه الله لا أتقاضى منه أجر، وعن الأثر أو الجرة تختلف من رمال ناعمة عن خرشة ففي الرمال متحركة يظل الأثر لمده تتراوح ما بين 10 دقائق أو لـ15 دقيقة أما عن الأثر في الرمال المتحركة تظل مدة تصل لسنة كاملة.. والحمدلله من خلال مهنتي تعلمت خبرة كبيرة في كشف أسرار الصحراء والوديان".

ويمضي في حديثه: "سيري على الأقدام في قارة إفريقيا علمني الكثير فمن خلال خبرتي أستطيع معرفة نوع السيارة التي تسير على الرمال من خلال إطارات السيارة خفيفة أم ثقيلة وممتلئة أم فارغة".

ويحكي: "أعرف أيضا اتجاه السيارة، وسواء دخلت الصحراء أم خرجت منها وأقص أثرها وأحدد جهتها من معاينة الأتربة واتجاه الرياح لأن عوامل الجو له تأثيره في معرفة الأثر يستكمل من أول لحظة دخولي الصحراء مع أول ضوء للشمس".

والأكثر من ذلك يستطيع الشيخ مبارك معرفة عدد الأيام التي قضاها مجموعة من الأشخاص في معسكرهم، من خلال آثار وفضلات الطعام.. ببساطة مهنتنا هي الأمانة والذكاء والدقة وعدم تكوين عداوة مع أحد".