جلالة الملك فاروق / صورة ضوئية من المقال /  محمد حسنين هيكل
جلالة الملك فاروق / صورة ضوئية من المقال / محمد حسنين هيكل


فى الذكرى الـ 101 لميلاد الملك فاروق المختلف عليه

مقال نادر لـ «هيكل».. فى العيد الثامن لجلوس الملك الفاروق على العرش

عاطف النمر

الأربعاء، 17 فبراير 2021 - 08:25 م

 

فى الحادى عشر من فبراير الجارى حلت علينا الذكرى (101) لميلاد الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان ودارفور، المختلف عليه فى كتابات كثيرة ظهرت بعد رحيله عن مصر تلبية لطلب ضباط ثورة 23 يوليو 1952 بالتنازل عن العرش لنجله القاصر الأمير أحمد فؤاد الثانى.

وبعيدًا عن كل ما كتب عن الملك على طريقة مع.. وضد، وله ما له، وعليه ما عليه، فلابد أن يوثق التاريخ بموضوعية ودقة وأمانة، لأن تاريخ مصر حلقات متصلة غير منفصلة، ولهذا تعيد "كنوز" نشر مقال نادر للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل نشر بمجلة "روزاليوسف" عام 1944 بمناسبة العيد الثامن لجلوس الملك على العرش بعنوان "فى يوم عيدك يا مولاى".

قال فيه: 

هذه هى الذكرى الثامنة لجلوسك يا مولاى على عرش مصر.. ثمانى سنوات وأنت تحمل مسئولية هذا الوطن وهذا الشعب، كنت فيها نعم الملك الدستورى فى ظروف لعلها أدق ما مر بها فى تاريخ حياتها، أوليس الفاروق هو الذى قال ذات مرة : "إننى أحب قيادة السفينة أثناء العاصفة ".

ثمانى سنوات وأنت تعمل لهذا الشعب وتخلص له وهو يعمل معك ويخلص لك وستظلان معًا إلى الأبد.. وهذه مصر كلها تحتفل بعيد ملكك.. مصر من أقصاها إلى أقصاها، أفرادًا وجماعات، أحزابًا وهيئات، ولم تجد مصر ما تحيى به هذا العيد سوى الهتاف باسمك والدعاء لك..

فى نادى سعد زغلول طلب الحاضرون إلى ماهر باشا أن يقول لهم شيئًا، فقال:

إن أحسن ما أقوله ليعبر عن كل ما نحس به هو أن أهتف من القلب: "يعيش جلالة الملك"، وردد الجميع هتافه، وفى احتفال الأحرار قام الأعضاء وراء هيكل باشا يهتفون باسمك ويدعون الله أن يسدد خطاك، وفى احتفال "الكتلة" كان الهتاف لجلالتك يشق عنان السماء بين كل دقيقة وأخرى.

لقد علمت مصر كيف تحبك من يوم أن تفتحت عيناك على نور الدنيا، فلم تكن وأنت أمير طفل تترك فرصة لتُظهر فيها عطفك على بنيها واعتزازك بها إلا أظهرتها، وكنت دائمًا فى كل مكان تشعر بأنك المصرى الديمقراطى الأول، فكنت فى كل مكان خير رمز لمصر وأحسن عنوان لها.. ولقد أخذ التفكير فى مصر كل وقتك، وأخذت تعمل.

فى عيد ميلادك تركت قصرك وعاصمة ملكك وذهبت إلى الصعيد لتزور جزءًا من شعبك حلت به نكبة المرض، وقلت : "إن أحسن احتفال بالعيد هو أن ترى هؤلاء البؤساء ويروك ".  ومنذ أشهر قابلت الكولونيل بون رئيس جمعية الصليب الأحمر فكانت آخر كلماتك له :" لا تدع أحدًا يسيء إلى مصر".

وهكذا أخذت عليك مصر كل تفكيرك، لأنك تحبها، ومصر يا مولاى تحبك، ولقد قال لى ذات مرة أحد كبار الأجانب وهو المستر إيرل رئيس تحرير الإجبشيان جازيت ـ وكان فى صحبة جلالتك إلى بورسعيد ـ قال إنه دهش لما رأى عشرات الألوف من الفلاحين ينتظرون الساعات الطويلة تحت وهج الشمس ينتظرون مرور الملك فى قطاره، وربما لم يروه وحتى لو أتيحت لهم هذه الفرصة فلن يدوم ذلك لأكثر من جزء من الثانية، ثم قال إنه يتساءل عن قوة العاطفة التى تدفعهم إلى ذلك..

وقلت له : "إنه الحب"..

وقال: "يا له من حب قوى".

ولم يكن المستر إيرل هو أول أجنبى دهش لروعة مظاهر الحب بينك وبين شعبك، وإنما كثيرون شاركوه هذه الدهشة، ولم يترك أحدهم فرصة للإعراب عن ذلك إلا أبداها.

وقد قال لى المسيو ليجول رئيس تحرير البورص : إن مصر محقة أن تحب مليكها كل هذا الحب فهو جنتلمان حقيقى.

وقال مراسل مجلة "لايف" إنه شاهد ملوكاً ورؤساءً كثيرين تستقبلهم شعوبهم، فلم ير أروع ولا أعظم من استقبال شعب مصر لمليكها.

وأذكر أننى سألت السناتور "ميد" أحد الشيوخ الأمريكان الذين زاروا مصر منذ عدة أشهر، وكان قد تشرف بمقابلة جلالتكم ظهر اليوم نفسه ـ عن رأيه فيكم فقال:

صدقنى يا بنى لقد رأيت ملوكا كثيرين قبل ملككم، وقابلت عظماء كثيرين قبل أن أقابله ولكنى لم أجد من أحدهم هذا الحب لبلاده الذى يبدو واضحاً خلال حديثه عنها كما هو الحال مع فاروق، ولن أنسى أن أحد الضباط الأمريكان رآك يا مولاى فى إحدى الحفلات فلم يملك نفسه وهتف : " فليحفظ الله الملك "، وبعدها قال لى هذا الضابط إنه لم يكن يتصور أن سيأتى عليه يوم يهتف لأحد الملوك وهو الذى ولد جمهوريا متعصبا، وقال لى:

"إننى لم أهتف حتى لروزفلت نفسه.. ولكن ملككم هذا رجل عظيم".

يا مولاى.. هذه ثمانى سنوات، وأنت وهذا الشعب تتقاسمان السراء والضراء وتسيران فى طريق الحياة بأزهارها وأشواكها، وستبقيان معا إلى الأبد، لأن هناك رباطًا من الحب يوثق بينكما، رباطاً من الحب الخالد.

بقلم‭ :‬‭ ‬محمد‭ ‬حسنين‭ ‬هيكل

‭ ‬روزاليوسف‭ - ‬11‭ ‬مايو‭ ‬1944

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة