كامل الشناوى
كامل الشناوى


ثائر على النقاد!

الأخبار

الأربعاء، 17 فبراير 2021 - 08:42 م

رأيت إحسان عبد القدوس وهو يغلى من الغضب، وعندما يغضب إحسان تتقلص عضلات وجهه، وتتناثر الألفاظ من فمه كما لو كانت شظايا، وتصاب حروف الكلمات بانتفاخٍ شديد، فإذا الذال كالظاء، والسين كالصاد، والدال كالضاد وحرف الراء كحرف الغين!
قال إن النقاد يتعقبونه بالهجوم والتجريح، فهم يتهمونه بأنه يعمد فى قصصه إلى الإثارة الجنسية، وأنه بهذه الطريقة استطاع أن يجمع حوله كل القراء المراهقين، وهؤلاء النقاد يكيلون له الاتهامات جزافًا، فكثيرون منهم لم يقرأوا له عملًا كاملًا، ومع ذلك استباحوا لأنفسهم أن يرموه بشر التهم!
وقلت لإحسان: لا ينبغى للمفكِّر أن يضيق بالنقد، مهما يكن قاسيًا، قال : إننى لا أبالى بالقسوة، ولكنى أكره الظلم، والنقاد الذين تصدوا لأعمالى بالهدم لم يكونوا قساة، ولكنهم كانوا ظالمين!
وضرب مثلًا على هذا الظلم بما كتبه عنه الدكتور مندور، وقال : لقد سبق للدكتور مندور أن اتهمنى بأنى اقتبستُ قصتى القصيرة "دعنى لولدي" من الكاتب العالمى ستيفان زفايج، وقد رددتُ على نقده بأسلوبٍ اعتمدتُ فيه على المنطق، وكل الذين اطَّلَعوا على ردِّى اقتنعوا بأنى لم أقتبس القصةَ من أحدٍ، وأن فكرة غيرة الطفل على أمه من عشيقها، وهى الفكرة التى عالجتها فى قصتى، بعيدة فى سياقها، وتفصيلاتها، وجَوِّها، عن الفكرة التى عالجها زفايج، وقد اعترف مندور بأنى تناولتُ الفكرةَ بأسلوبى الخاص، وطابعى الذى تميَّزْتُ به ؛ وما هو الفن؟ إنه أسلوب وطابع، والقصة الجديرة بالبقاء هى القصة القائمة على أساسٍ فنيٍّ صحيح، ولو تشابهت مع غيرها، والقصة التى لا تبقى هى القصة القائمة على أساسٍ زائف، ولو احتوت على أشياءَ لم تخطر ببال أحد.
وقال إحسان إنه تحمَّسَ للردِّ على مندور، واعتزم أن يطالب الجريدة بنشر قصته وقصة زفايج فى صفحتين متقابلتين ؛ ليستطيع القراء أن يحكموا له، أو يحكموا لمندور، ولكنه وجد أن نقد مندور وإنْ كان ينطوى على تجنٍّ وتحامُل، فهو أيضًا ينطوى على تراجعٍ وتأنيب ضمير؛ فقد أصرَّ على اتهامه فى صخبٍ وضجة، ثم لم يلبث أن تراجع فى هدوء وتحصَّنَ أمام قرَّائه بالعبارات التقليدية، مثل الإطار العام والطابع الخاص !
إن الدكتور مندور قد اقتنع بأنه ظلمنى فى الاتهام الذى وجَّهَه لى، وكل ما فى الأمر أنه عزَّ عليه أن ينفى الاتهام أو يسحبه.
والشعور الذى ينتاب إحسان عبد القدوس من النقد، هو شعور أكثر المفكِّرين والفنانين ؛ فهناك عداء طبيعى بين الناقد وبين المفكِّر والفنان، المفكرون والفنانون يرون أنهم لو لم يكونوا لما كان النقاد ؛ فهم لا يخلقون الأثر الفنى وحده، ولكن يخلقون الناقد أيضًا ! وإلا فكيف يوجد الناقد إذا لم يجد ما ينقده ؟ ولهذا يؤلمهم أن يتعالى النقاد عليهم ؛ لأنهم خالقون، والنقاد مخلوقون !
أما النقاد فهم يرون أنهم العلماء والمثقفون، وأن المفكِّرين والفنانين ليسوا إلا مواهب تحتاج إلى تبصيرٍ بالعلم والثقافة والتوجيه، وهى أشياء تفرَّغَ لها النقاد، ولا يستطيع المفكِّرون والفنانون أن يجاروهم فى العلم والثقافة ؛ لأن هذه المجاراة لا تدع لهم وقتًا للخلق والإنتاج !
ولا أنكر أن النقاد كثيرًا ما يجنحون فى نقدهم إلى القسوة والظلم والتجنِّى، ولكن هذا الجنوح يفيد العمل الفنى الأصيل، وكم نسمع من فنانٍ أن النقاد تآمروا عليه وهاجموه، وعندى أن التآمُرَ بالكلمة أهون من التآمُرِ بالصمت !
وما تعانيه نهضة المسرح والسينما والشعر فى بلادنا، ليس مبعثه هجوم النقاد عليها، ولكن مبعثه تجاهلهم لهذه النهضة، ومواجهتهم لها بالصمت العميق ! وكيف يتكلَّمون وقد بلغَتِ الحساسيةُ بممثِّلينا وشعرائنا، حدَّ البكاء والعويل من أى نقد، لا ينتهى بتضفير أكاليل الغار على كل مسرحية وكل فيلم، وكل ديوان شعر جديد!
وقلتُ لإحسان : لتكن لك أسوة فى أستاذنا سقراط ؛ لقد اتهمه حكام أثينا بإفساد الشباب بآرائه، وسقوه السم! وقال إحسان : لقد كان سقراط فيلسوفًا، وأنا لستُ بفيلسوف، إننى فنان أعيش بأعصابى، فدعوا لى أعصابى كى أعيش وأعمل، إننى أحِبُّ الفنَّ وأكره الفلسفةَ، وعندما أصبح فليسوفًا اشنقونى !
 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة