«كنز المخطوطات الـ13» بنجع حمادي
«كنز المخطوطات الـ13» بنجع حمادي


حكايات| زلعة عمرها 15 قرنا.. تقود لاكتشاف «كنز المخطوطات الـ13»

أبو المعارف الحفناوي

الخميس، 18 فبراير 2021 - 04:41 م

في عام 1945،  اكتشف محمد علي السمّان مزارع بالأقصر ، جرّة من الفخار «زلعة»، على ارتفاع 1 م أسفل «جبل الطارف» بالقرب من دير القديس "باخوميوس"، على الضفة الشرقية للنيل شمال قريته «حُمرة دوم»، في شمال شرقي نجع حمادي محافظة قنا بصعيد مصر، على مسافة 100 كيلو شمالي الأقصر.


سارع، محمد علي السمّان، بكسر الجرة «الزلعة» بفأسه، آمِلاً عثوره بداخلها على كنزٍ ما يُساعده على إتمام عُرسهِ ويُغيّر حالته المادية والاقتصادية وحياته الاجتماعية، لكن سرعان أيضاً ما اعترته خيبة الأمل عندما لم يجد بداخلها الذهب الذي كان يَنشدهُ ويتمنّاه، بل وَجَدَ عِوضاً عنه مجموعة من المُجلّدات القديمة "13 مخطوطة مُجلّدة من البردي القبطي"،  عُرِفَت لاحقاً بمخطوطات نجع حمادي وقد أُرِّخَ لها -في مجملها- بحوالي عام 350.

اكتشاف قيمة الكنز


حَمَلَ محمد علي السمّان، مع أخيه خليفة، المخطوطات الـ13 على ظهر دابّتيهما، عائدين إلى حُمرة دوم، واضعيّن إياها بجانب الفرن حتى تتمكن والدتيهما من استخدامها في إحماء نار الفرن لخبز العيش؛ حيث كانت أُمّيتهم سبباً في عدم إدراكهما أهمية تلك المخطوطات التي ظلت سليمة، تقريباً، ومحفوظة طيلة حوالي خمسة عشر قرناً من الزمان.

وبسبب بحث الشرطة عنهما لثأرهما بعد مقتل والدهما، وخوفاً من عثور الشرطة على المُجلّدات في المنزل، اضطر الأخوان لترك القرية بعد شهر من العثور على المخطوطات وإيداعها لدى كاهن قريتهم القبطي الذي يثقون به، فأدرك راغب أندراوس، مدرس القرية وشقيق زوجة هذا الكاهن، فوراً أهمية المخطوطات وأن لها قيمة أثرية عندما تبيّن له أنها مكتوبة بلغة قبطية قديمة.

سافر راغب إلى القاهرة مُحضراً معه واحدة من تلك المخطوطات لصديقه الدكتور ﭽورﭺ صبحي، لأنه كان متخصصاً في اللغة القبطية، وأخذ هذا الأخير بدوره تلك المخطوطة إلى المتحف المصري بالقاهرة، من أجل عرضها على مديره وقتذاك، عالم المصريات الفرنسي Étienne Drioton إيتين دريتون، وعندما أدرك أهميتها اشترى "دريتون" المخطوطة لصالح المتحف المصري بـ " 250 جنيهاً مصرياً" .

أما باقي المخطوطات الأخرى (12 مخطوطة) سرعان ما بدأت تصل إلى أيدي تجار العاديات (الآثار) طمعاً في الحصول على أكبر سعر ممكن، لكن مصلحة الآثار تنبّهت إلى الأمر فنظّمت عملية استعادتهم جميعاً. 

عميد الأدب


وعندما سمع الدكتور طه حسين، بعدما أصبح وزيراً للمعارف، وهي وزارة التعليم والثقافة وقتذاك، قصة تلك المخطوطات، أَمَرَ برصد ميزانية ومبلغاً مالياً معقولاً لشرائها والصرف على المتخصصين من أجل فحصها ومعرفة بعض المعلومات عنها.
ومنذ ذاك أصبحت مخطوطات نجع حمادي ملكية قومية، وتم إيداعها بالكامل في المتحف القبطي، فيما عدا مخطوطاً واحداً كان قد اشتراه "في مايو عام 1952 م" معهد يونج (C. G. Jung Institute) بمدينة "زيورخ" Zürich الألمانية ليُقدّمه لعالم النفس Carl Justav Jung كارل ﭽوستاف يونج – زميل سيجموند فرويد- بمناسبة عيد مولده، لكن بعد وفاة يونج (يونيو عام 1961 م)، عاد المخطوط لمصر، وأصبح ضمن ملكية المتحف القبطي ليحوي ذلك المتحف كل مخطوطات نجع حمادي الثلاثة عشر.

دراسة المخطوطات


ويقول أيمن ابو الوفا، مفتش آثار بمنطقة آثار نجع حمادي،  في حديثه لبوابة أخبار اليوم، إنه في عام 1956 ، دعت مصر متخصصين من جميع أنحاء العالم لعقد مؤتمر في القاهرة، لدراسة خطوات قراءة وترجمة ونشر تلك المخطوطات، ولكن لسوء الحظ تم إلغاء المؤتمر بسب العدوان الثلاثي " بريطانيا، فرنسا، وإسرائيل" ، على مصر في نفس العام،  بينما في 1961، دعت اليونسكو UNESCO منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة،  إلى عقد مؤتمر آخر، توصّل إلى تشكيل لجنة علمية لتصوير جميع مخطوطات نجع حمادي، تم نشرها فيما بعد في مدينة ليدن (هولندا)، مما مكّن الباحثين من التعامل معها ودراستها.

اقرأ أيضا|حكايات| قصاص الأثر.. أسرار شق الليل بحثا عن المفقدوين بالصحراء

وتابع :  رغم أن وثائق نجع حمادي في غاية الأهمية لدراسة الكتاب المقدس، إلا أن نشرها كان يسير ببطء شديد،، إلى أن تم لاحقاً في الولايات المتحدة، وتحت إشراف العالم James M. Robinson ﭽيمس م. روبنسون بدأت عملية ترجمة نصوص تلك المخطوطات إلى اللغة الإنجليزية، تلك الترجمة التي انتُهيَ منها عام 1975 م، ثم تمت ترجمتها فيما بعد إلى الفرنسية والألمانية، كما يرجع الفضل إلى الدكتور باهور لبيب في نشر 158 ورقة منها، وذلك في سنة 1976.

ويوضح مفتش الآثار،  أن محتويات مخطوطات مكتبة نجع حمادي، تشتمل مخطوطات مكتبة نجع حمادي الثلاثة عشر على (52 نصاً أو كتاباً)،في مجملها (1125 صفحة) ، من بينها (794 صفحة) حُفِظت كاملة، واللغة المستخدمة هي القبطية، حيث نجد اللهجة الصعيدية في (10 مجلدات)، والباقي (3 مجلدات) باللهجة الأخميميـة الجنوبية. 

محتوى المخطوطات


وتمتد مجموعة نجع حمادي زمنياً من نهاية القرن الثالث إلى بداية القرن الرابع الميلادي، وتحتوي هذه المخطوطات على الأناجيل والكتابات الغنوصية، مما كان لها شأن عظيم في معرفة الغنوصية التي كانت آدابها مجهولة حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. 

ويستطرد قائلا : وقد وجد الدارسون أن مخطوطات نجع حمادي تُمثّل -تقريباً- مكتبة أو مجموعة متكاملة كانت ضمن مكتبة جماعة مسيحية غنوصية بصعيد مصر، حيث تمدنا بالكثير من المعلومات عن الفترة المبكرة جداً من المسيحية بوجه عام، وفي مصر بوجه خاص. وجديرٌ بالملاحظة أن اسم المسيح (أو: يسوع) لم يُذكر في هذه المخطوطات صراحةً، على الرغم من أن مُدوّني تلك الوثائق كانوا مسيحيين، لكنهم كانوا أكثر ارتباطاً بالمجتمع اليهودي وأفكاره أكثر من أي فكر أو معتقد آخر. 

أهمية كنز المخطوطات


كما تنبع أهمية مخطوطات نجع حمادي، أيضاً، مما نعرفه عن أن كنيسة روما منذ أن تحققت لها السيادة السياسية -بعد ما أُثير عن اعتناق الإمبراطور قسطنطين الكبير (285 م ؟ ؛ وحُكمه المنفرد: 323-337 م) للمسيحية- قامت بحرق بعض الوثائق والكتابات الهامة عن المسيحية الأولى التي رأت أنها متعارضة مع تعاليمها وسيادتها، ومنذ ذاك الوقت فُقِدت الكثير من المعلومات عن تاريخ المجموعات المسيحية الأولى.

 وعلى الرغم من اضطهاد الرومان لمسيحيي مصر، إلا أن بعض الرهبان المصريين نجحوا في إخفاء العديد من المخطوطات المسيحية القبطية في كهوف صعيد مصر. 

ويشير إلى أن  طبيعة مخطوطات نجع حمادي، وإشكالية ترجماتها، وما تحتويه من فكرٍ مُخالف للفكر المسيحي التقليدي الذي اعتنقته الكنسية القبطية الأرثوذكسية في مصر منذ القرن الرابع الميلادي وحتى الآن، وجذبها لكل المتخصصين والمهتمين بها؛ يستحضر للذهن المخطوطات Scrolls العبرية والآرامية التي اكتشفت بكهوف خربة قمران على البحر الميت في الفترة (1947-1954 م)، أي بعد سنتين من اكتشاف مخطوطات نجع حمادي بمصر. 


وبعد دراسة متفحّصة، تم التأكد من أن نصوص تلك المخطوطات هي كتابات مسيحية لإحدى المجموعات الدينية التي ظهرت في القرن الأول الميلادي، وعُرِفَ تابعيها باسم العارفون (بالله) The Knowers والتي يُمكن مقانتهم بالصوفيين Sufi (= mystic) حالياً.


ولقد قامت لجنة علمية تحت رعاية هيئة الآثار المصرية (Department of Antiquities of the Arab Republic of Egypt) بالتعاون مع منظمة اليونسكو (UNESCO)، بنشر جميع مخطوطات نجع حمادي الثلاثة عشر، كتب "ﭽيمس م. روبنسون" (محرر مخطوطات تجع حمادي) مقدمة لكل جزء باللغتين الإنجليزية والعربية، روى فيها قصة اكتشاف كل مخطوط وتاريخه وما يحتويه. وجدير بالذكر أنه في الفترة (1945-1984 م)، أي منذ اكتشاف المخطوطات وحتى عام آخر صدور نشر علمي لها، بلغ عدد المراجع المتخصصة التي تناولتها بالنشر والدراسة (52 مرجعاً) باللغات الإنجليزية والألمانية والفرنسية.


ويشير مفتش الآثار بنجع حمادي،  إلى أن بعثة ألمانية زارت القرية في سبعينيات القرن الماضي، للوقوف أيضا على ما وراء هذه المخطوطات وقوبلت بترحاب شديد من الأهالي.

زلعة عمرها 15 قرنا

زلعة عمرها 15 قرنا

زلعة عمرها 15 قرنا

زلعة عمرها 15 قرنا

زلعة عمرها 15 قرنا

زلعة عمرها 15 قرنا

زلعة عمرها 15 قرنا

زلعة عمرها 15 قرنا

زلعة عمرها 15 قرنا

زلعة عمرها 15 قرنا

زلعة عمرها 15 قرنا

زلعة عمرها 15 قرنا

زلعة عمرها 15 قرنا

زلعة عمرها 15 قرنا

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة