إيهاب الحضرى
إيهاب الحضرى


يوميات الأخبار

عوالم إلكترونية

إيهاب الحضري

الخميس، 18 فبراير 2021 - 07:24 م

 

قلتُ له متهكما: «كنت فاكر إنى الوحيد اللى مالوش فى الكورة.. ده مش ميدو يا ناصح.. ده أحمد حسام».. انفجر الزميل الشاب ضاحكا، وعلمتُ بعدها أن ميدو وأحمد حسام شخص واحد!!

آراء فى سلة مُهملات!

الجمعة:

بضغطة زر تتلاشى حواجز الزمان والمكان. تتغيّر مفاهيم التقارب المادي، ونجد جيرانا شديدى القُرب رغم آلاف الأميال التى تفصلنا عنهم. نعرف تفاصيل حياتهم بينما قد نجهل كل شيء عمن يسكنون معنا فى البناية نفسها. إنه عالم تتطوّر منظومة قيمه وعلاقاته بوتيرة مُتسارعة. حققت علاقاته الاجتماعية فى أعوام قليلة ما وصلتْ له البشرية فى قرون.

فى الفضاء الإلكترونى يكتسب التاريخ معنى آخر، والحاضر يأخذ من سماتنا الشخصية، لكن وفق معايير مُختلفة، توقيته لا يعترف بالمسارات اليومية المعتادة، واللقاءات يمكن أن تتم فى أى وقت. قواعد اللياقة التقليدية غير معمول بها، فمنتصف الليل لدينا يمكن أن يكون إحدى ساعات الظهيرة لمن يجلس فى الطرف الآخر.

 

أتصفح المنشورات على «فيس بوك»، أرى أن غالبيتها تتسم بالسذاجة، وربما يرى آخرون أن منشوراتى تتميز بالسماجة. فوارق شاسعة بين البشر تُصبح أكثر وضوحا لأن المتناقضين يجتمعون فى بؤرة واحدة. الغريب أننا مجموعة من الأصدقاء، هكذا يُسمّيهم موقع التواصل الشهير بمجرد قبول طلب إضافة، ربما لأنه يعتبر أن علاقة الصداقة تعتمد أساسا على القبول المتبادل، غير أن لصداقات «فيس بوك» معايير أخرى.. عندما أتلقى طلب إضافة جديدا أرهن الموافقة عليه بالأصدقاء المُشتركين، هناك من يُمثّل اسمه علامة جودة، تجعلنى أوافق على الطلب، وآخرون يحفزّنى وجودهم على الرفض التلقائي. الأخيرون غالبا يرتبطون بإضافات من حسناوات أتعجب من رغبتهن فى التعرّف بي.

 

أعلم أن الصور الشخصية فى مثل هذه الحالات لا تكون حقيقية، بل مجرد حلم يقظة لفتاة كانت تتمنى أن تتمتع بهذا القدر الكبير من الجمال، وبدأتْ تعيش جاذبيتها الافتراضية بحشد معجبين يتزاحمون حول خيالها.. بخيالاتهم!، غير أنه وسط كل هذا الحرص يتسرب البعض من أصحاب الأفكار الضحلة، أكتشف ذلك من منشورات منحها الموقع حق الظهور والانتشار، رغم أن مثواها الوحيد سلة مهملات!.

أعصر ذهنى فى محاولة لاكتشاف ملابسات الصداقة، وهل تعتمد على أرضية واقعية، غالبا أعجز لكنى لا ألجأ للحذف، فالإطاحة بصديق «فيسبوكي» تعنى التخلى عن ضغطة إعجاب مُحتملة، تظل حلما للفقراء من أمثالى وغالبا لا تأتي.

مفهوم الفقر نفسه تغيّر، فالمال هنا مرفوع من الخدمة، والثراء يتحقق بارتفاع عدد التعليقات والإعجابات، وهو حلم صعب المنال بالنسبة لي، حتى من أصدقاء وزملاء أعرفهم معرفة شخصية. ولأن الأمل مطلوب، أظل ألاحق الجميع بمنشورات قد يراها البعض ثقيلة الظل، تماما مثلما أحكم على غيرى بالسطحية. لا يصارح كل منا الآخرين بوجهة نظره، فالصراحة قد تزيد الفجوة، فى عالم يعيش أجواء انتخابات مستمرة، كل منا «مرشّح» يتملق المحيطين به طمعا فى الحصول على صوته، والنتيجة فورية لا تنتظر فرز الأصوات.. مجرد نظرة عابرة لمنشوراتى تؤكد أننى خسرت المعركة بجدارة، لكنى عادة لا أتعلم الدرس!!

مشجع بالإكراه

الأحد:

أتابع مناوشات مشجعى كرة القدم على «فيس بوك».. ابتسم لـ«القفشة» الحلوة، وأحتجّ على التعصب.. فى سرّي. لستُ من المهتمين بهذه اللعبة، وعادة ما أتابع مبارياتها بالإكراه. أحمد الله أننى لا أشجع إحدى الفرق. لو انجذبتُ لكرة القدم منذ صغري، لأصبتُ بشلل رباعى قبل سنوات طويلة، ففى المرات القليلة التى أضطر فيها لمتابعة مباراة، أجدنى منفعلا ومتعصبا أكثر من ابنى الأهلاوي، الذى يفرضها علىّ بالقوة الجبرية. لم أحاول ولو مرة أن أطلب تغيير القناة خلال إحدى المباريات، لأننى أعرف النتيجة مُسبقا، لكن لا بأس من ابتكار حيلة لشغله عنها بحكاية، تُثبت له أن أباه يحتفظ بقصص شيقة، يمكن أن تجذب انتباهه، نجحت الحيلة فى المرة الأولى وانفجر ضاحكا، وفى الثانية ابتسم مجاملا، وبعد تكرارها مرات، أصبح يفتعل هتافا مع أى هجمة ضعيفة فى مباراة يتابعها، ليُلمّح لى بأدب أنه «مش وقته»! فما هى هذه الحكاية؟

كابتن ميدو

فى 2005 انتقلتُ للعمل بمجلة أخبار النجوم، بعدها بفترة شعرتُ بالسعادة لأن مصر تستضيف البطولة الإفريقية.. بالتأكيد لم تكن فرحتى نابعة من أننى سأشاهد مباريات مهمة عن قُرْب، بل لأنه إنجاز لبلادى وأنا أحتفى عادة بالإنجازات.

كانت الكاتبة الصحفية آمال عثمان رئيسة تحرير المجلة ترى أن الاهتمام لا يجب أن يقتصر على نجوم الفن، وهكذا كلّفتنى مع زميل أصغر سنا بالتوجه إلى الفندق الذى يقيم فيه المُنتخب، وطلبتْ إجراء حوارين مع لاعبيْن شهيريْن، هما ميدو وآخر لا أذكره. اتجهنا إلى الفندق ووقفنا فى الاستقبال ننتظر وصول لاعبى المنتخب، وبعد دقائق استقبلناهم. عرفتُ أنهم المقصودون من زميلى الذى سارع للاحتفاء بهم، والتقط اللاعب الذى سيجرى معه الحوار واصطحبه لركن بعيد نسبيا. تركنى وحيدا فى ورطة، فأنا لا أعرف شكل ميدو أو غيره. المهم أننى وقفت مع لاعبيْن آخريْن، عرفتُ اسميهما عندما خاطب كل منهما الآخر.

شاركتُهما الحديث بتحفظ كى لا أكشف جهلي، ابتسمتُ حينا وضحكتُ أحيانا رغم عدم إلمامى بموضوع الحوار، لكننى كنتُ أستمد رد فعلى من تعبيرات وجهيهما وأسلوب حديثهما، اعتبرا أننى أحد المتخصصين فى هذا المجال، ربما أقنعتُهما بأدائى فضلا عن معرفتهما بأنى صحفي.

لهذا استبعدتُ تصرفا أحمق فكرتُ فى ارتكابه، وهو أن أسألهما عن كابتن ميدو، بالإضافة إلى أننى لم أرغب فى إحراجهما، فكيف أقف مع نجمين بالمُنتخب ولا أفكّر فى محاورتهما، وكل ما أهتم به لاعب ثالث لمجرد أنه يحظى بشعبية أكبر؟ بعد فترة عاد زميلى فرحا بالحوار الذى أجراه، وبصوت منخفض سألني: "خلصت حوار ميدو؟"، ببراءة أخبرتُه أنه لم يظهر. نظر لى بدهشة واعتقد أننى أمزح، لكن وجهى الجاد أقنعه أننى أتحدث بصدق، فقال لي: "أنت واقف معاه بقالك نص ساعة".

على الفور اهتزتْ ثقتى به، فكيف يكون صحفيا مهتما بالرياضة ولا يعرف شخصيات اللاعبين، أشار لى إلى واحد ممن كنتُ أقف معهما، فقلتُ له متهكما: «كنت فاكر إنى الوحيد اللى مالوش فى الكورة.. ده مش ميدو يا ناصح.. ده أحمد حسام».. انفجر الزميل الشاب ضاحكا، وعلمتُ بعدها أن ميدو وأحمد حسام شخص واحد!!

فرعون موسى

الثلاثاء:

أخوض رحلة بحث على مُحرك جوجل

أفاجأ بفيديو عمره شهور، لبرنامج يقدّمه التليفزيون المصري. ضيفه الأساسى عالم دين شهير، أعتبره منذ سنوات طويلة أحد المُستنيرين فى هذا المجال، ومع ذلك أشعر بانفعال شديد عندما يحاول تحديد أسماء ملوك مصر القديمة الذين أشارت لهم القصص الدينية. فعل القرآن ذلك فى قصة النبى موسى عليه السلام، وربطه بفرعون كرمز للطغيان، دون أن يُحدد اسمه ولو أراد الله سبحانه وتعالى أن يكشفه لفعل. المشكلة أن هناك من يرى أن محاولة كشف حقيقة فرعون المذكور ستجذب متابعين أكبر.

 

فى سياق حديثه، كان لابد أن يتطرق الشيخ الجليل لواقعة الغرق الشهيرة، لم يكتف بالقصة الدينية، بل أفتى فى الشأن التاريخي! وأكد بثقة أن المصريين القدماء أخذوا جسد فرعون وحنّطوه، ثم تحدث بتلقائية عن رمسيس الثانى باعتباره فرعون موسى، وأشار إلى أن الاختبارات التى تم إجراؤها على جُثة هذا الملك أثبتتْ أنه مات بإسفيكيسيا الخنق الناتج عن الغرق! وأضاف أنهم وجدوا بها بعض الأعشاب الدقيقة، وقال: «ربنا أبقاها علشان يقول إنه هو!»

 

الحديث بهذه السلاسة يفجّر قنبلة موقوتة، حيث يرد فى سياق قصة دينية جذابة، يتابعها مشاهدون أسلموا رؤوسهم للمتحدث ذى الثقة، وتنساب المعلومات والمزاعم على حد سواء داخل عقولهم، ويبدأون إعادة تدويرها كمُسلمّات فى جلسات الأصدقاء وعلى مواقع التواصل. بعدها تبدو أية محاولة للنقاش شبه فاشلة، فمصدر المعلومة صاحب حظوة لديهم، وليس مهما عدم تخصصه فى الآثار والتاريخ. فى هذه الحالة تكون النتيجة تحويل أحد الفراعنة العظام إلى طاغية، اعتمادا على تكهُنّات لم تثبُت، رغم أن رمسيس الثانى كان مُغرما بالدعاية، وفى مئات المواقع داخل مصر وخارجها تنتشر مقتنياته ونقوشه، التى ترصد أدق تفاصيل حياته، ولا تتضمن أى ذكر للأحداث المهمة التى تضمنتها القصص الدينية. فضلا عن أنه لا يوجد أى دليل على موته غرقا، حتى بعد الفحوص الدقيقة التى تعرض لها فى سبعينيات القرن الماضي، عندما سافرتْ مومياؤه إلى باريس لشهور، رغم أنف علماء آثار كبار تمت الإطاحة بهم لمعارضتهم الرحلة، وهى قصة لا مجال لذكرها فى هذا السياق. انتبهوا أيها السادة، فالنوايا الحسنة قد تساهم فى تشويه رموز تاريخنا وحضارتنا.

متهم برىء تتم إدانته!

الأربعاء:

الشمس تُلاعبنا! تظهر لحظات وتمنحنا دفئا مؤقتا، ثم تغيب لتنهمر الأمطار بكل قوتها. الشتاء يرى أنه منحنا قدرا كبيرا من الحر، فيحاول أن يُذكّرنا بخصائصه الأصلية كى لا ننساه. تتوالى الرسائل والمنشورات عن تساقط ثلوج فى بعض المناطق، وأشجار أنهت حياة سيارات فخمة. أحمد الله أن سيارتى تعانى فقط من البلل اللا إرادي. أستعيد ذكريات عمرها عاما، تحولّتْ فيها السيارة إلى مركبة برمائية، غاص نصفها فى أعماق الماء، بعد أن حوّل شارع صلاح سالم إلى منطقة بحيرات عظمى. الأمر أهون هذه المرة، مما منحنى بعض الطمأنينة. كنتُ أحب المطر ورائحته، تنتابنى انتعاشة كل هطول له، لكن بعد أن زاده إهمالنا شراسة صرتُ أخشاه، فقد تزايد عدد ضحاياه. المياه وحدها لا تقتل، غير أنها قد تُحرض عمود إنارة متهالك، على الانتقام منا بكهربائه لمجرد أننا لم نشمله بالرعاية، أو تدفع شجرة واهنة لإلقاء نفسها فى أحضاننا! للموت إذن أكثر من احتمال، والمطر مُتهم برىء تتم إدانته، بينما الفاعل فى كل الأحوال معلوم!

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة