جمال فهمى
جمال فهمى


هل نحن الجحيم حقا؟!

جمال فهمي

الخميس، 18 فبراير 2021 - 07:38 م

احتفظ في مكتبتي في مكان قريب من عينى بمسرحية للفيلسوف والمسرحى الفرنسى جان بول سارتر اسمها "الأبواب المغلقة"، وقد تذكرتها مؤخرا لاعتقادى بأن ثمة شبها كبيرا، من عدة نواحٍ، بين الحال التى نعايشها فى مجتمعنا، والحال التى ظهر عليها أبطال هذا النص المسرحي.

عدت من أيام لهذه المسرحية التى سبق أن قرأتها من سنوات بعيدة مترجمة إلى العربية، وأعدت مطالعتها بعدما عَبرت بسرعة على مقدمة صافية شرح فيها المترجم إشكالية العنوان الملتبس لغويا الذى اختاره سارتر )عمدا( للنص الأصلى المكتوب بالفرنسية "huis clos" إذ إن ترجمته الحرفية قد تكون بمعنى "اجتماع مغلق" أو "خلف أبواب مغلقة" أو "بعيدا عن العلن"، لكن الترجمات الإنجليزية لهذا النص تنوعت بين "لا مخرج" أو "لا مهرب" no exit أو "الأبواب المغلقة" وهذا الأخير هو العنوان المشهور لدى القراء العرب.

المسرحية تبدأ بخادم لن نعرف له اسما قط وإنما نفهم فقط من السياق أنه يعمل لدى "جارسين" ذاك الذى سيسبق باقى الأبطال فى الظهور عندما نرى عامله يدخل به إلى حجرة تبدو أقرب لزنزانة بغير نوافذ ولامخارج لها سوى الباب الذى سرعان ما يخرج منه الخادم تاركا سيده وحده فى الحجرة قبل أن يعود إليها بعد فترة مصطحبا الآنسة "أينس" ثم بعدها يفتح الباب لمدام "إيستل" فيكتمل عقد شخصيات المسرحية الثلاث الذين هم من الآن وحتى نهاية المسرحية سيكونون رفاق تلك الحجرة أو "الزنزانة"، إن شئت.

يظن الأشخاص الثلاثة فى البداية أنهم موجودون هنا ليتم تعذيبهم والتنكيل بهم، ولكن رويدا رويدا يكتشفون أن لا أحد غريبا سيعذبهم بل عليهم هم أنفسهم أن يعذبوا بعضهم بعضا.. كيف؟

سيدخلون معا فى حوارات أشبه بعملية "تحقيق" جنائى حول الذنوب والخطايا التى ارتكبها كل منهم فى حياته، وفى بداية العملية ستبدو اعترافاتهم وثرثراتهم لها علاقة بما يجرى فى الواقع خارج تلك الحجرة المحشورين فيها، غير أنهم بالتدريج ومع الغوص العميق فى أوحال ذكريات أفعالهم السيئة المشينة تتآكل روابط اتصالهم بالعالم المتمدد خلف باب زنزانتهم التى تتحول إلى "سجن" نفسى ومعنوى لكل واحد منهم ويغرق ثلاثتهم فى عزلة تامة عن "الآخرين".

هذه العزلة يرسمها جان بول سارتر فى نهاية وقائع مسرحية "الأبواب المغلقة"رسما متقنا عندما يحاول "جارسين" أن يكون أول الخارجين من الحجرة كما كان أول الداخلين إليها، لكنه حين يفتح الباب لا يكاد يخطو خطوة واحدة بعد عتبته حتى ينكص ويعود إلى السجن متحججا بأن الجو فى الخارج "شديد الحرارة".. وهكذا يفعل الباقون )متوسلين بتعللات مختلفة( ويفشل الواحد تلو الآخر فى الخروج من باب الحجرة أو "العزلة" التى بناها كل منهم حول نفسه بذنوبه وارتكاباته، وفى الختام يتفق الجميع على حجة واحدة يصوغها الفيلسوف الفرنسى فى تلك العبارة ذائعة الصيت التى صكها ووضعها على ألسنة أبطاله: "الجحيم هم الآخرون".

أخشى أن "الآخرين" عند أبطال مسرحيتنا نحن العبثية، هم "المصريون" الغلابة ونخبهم العاقلة التى لايريد أحد من سكان "الزنزانة" الفخمة المشعلقة فى العلالى أن يسمعوا منهم شيئا يفيدهم ويفيد البلد الذى يكابد صنوف شتى من التحديات والهموم!!

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة