عبدالهادي عباس

السبت، 20 فبراير 2021 - 07:09 م

الإخوان‭ ‬هددوا‭ ‬أسرتنا‭ ‬بالخطف‭ ‬لابتزاز‭ ‬الحكومة‭ ‬وتخفيف‭ ‬الاستجوابات‭ ‬عن‭ ‬عملائهم 

ذكاء‭ ‬الشعب‭ ‬المصرى‭ ‬فى‭ ‬30‭ ‬يونيو‭ ‬فضح‭ ‬إخفاقات‭ ‬الجماعة‭ ‬الإرهابية 

لن‭ ‬ينسى‭ ‬العالم‭ ‬مقولة‭ ‬أبى‭ ‬للإنجليز‭ ‬بالأمم‭ ‬المتحدة‭:‬ ‮«‬اخرجوا‭ ‬من‭ ‬بلادنا‭ ‬أيها‭ ‬القراصنة‮»‬

لدينا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ .. ‬والحكومة‭ ‬تملك‭ ‬خطة‭ ‬لاكتشاف‭ ‬المواهب 

طارق‭ ‬شوقى‭ ‬ورث‭ ‬تركة‭ ‬ثقيلة‭. ‬ والوزارة‭ ‬تضع‭ ‬الأساس‭ ‬للتعليم

عملت‭ ‬فى‭ ‬‮«‬المناخل‭ ‬الهزازة‮»‬‭ ‬أربعين‭ ‬عامًا‭.. ‬ومشروعات‭ ‬الكهرباء‭ ‬محدودة 

 

لأن التاريخ هو البوصلة الحقيقية في السعي نحو المستقبل، ولأننى دائم التنقيب عن أضغاث الأفكار التى تجمَّعت خيوطها لتأسيس جماعة الشر الإرهابية، بعيدًا عن البرق الخُلب والقشرة الزائفة التى اجتهدت الجماعة فى تصديرها إلينا دون كللٍ طوال تاريخنا الحديث حتى استطاعت التأثير فى قطاعات كبيرة من الناس؛ فإن أهمية هذا الحوار تأتى كاشفة للحظة تاريخية مهمة من عُمر الوطن وصراعه مع قُوى الشر، كما أنه يأتى مع أحد عقول مصر النابهة بألمانيا: د. هاني محمود فهمي النقراشي، خبير الطاقة العالمي، وهو ما يكشف أن النور هو المنتصر فى النهاية، وأن الجرائم فى حق الوطن لا تسقط بالتقادم بل لا بد لها من نهاية بائسة.

 

صحيح أن اغتيال النقراشى باشا قد أتى ضمن سلسلة اغتيالات أخرى لرموز وطنية، ولكنه يظل الاغتيال الوحيد الذى تم فيه تكثيف الادعاءات "الجوبلزية" التى تعلمها الإخوان من النازية لتبرير جرائمهم وتضليل الجمهور للتعمية على الحقيقة.. ورغم أن حسن البنا نفسه قد وصف القاتل عبد المجيد أحمد حسن ومن معه بأنهم: "ليسوا إخوانًا وليسوا مُسلمين"، فإن محمود الصباغ، أحد مُنظرى الجماعة، قد وصفهم بالأبطال الفدائيين الذين قتلوا الخائن!!.. وحتى نفهم  تلك اللعبة الإخوانية فإن علينا أن نُدرك نقطة الاتصال بين لحظتين فارقتين فى حياة النقراشى باشا: اللحظة الأولى تأتى مع قرار سُلطات الاحتلال الإنجليزى إعدامه بعد اشتراكه فى التنظيم السرى لحزب الوفد ومشاركته فى ثورة 1919م؛ واللحظة الثانية تأتى فى التنفيذ الفعلى على أيدى جماعة الإخوان الإرهابية فى 28 ديسمبر 1948م، بعدما اتهم الإنجليزَ علنًا بالقرصنة فى مقر الأمم المُتحدة... وإلى الكثير من الأسرار الكاشفة فى هذا الحوار:

 

- مثّل اغتيال والدك محمود فهمى النقراشى باشا حالة كاشفة ومبكرة لإرهاب جماعة الإخوان.. ما أهم التفاصيل التى تتذكرها حول هذا الإجرام الإخواني؟

كان عمرى آنذاك 13 سنة، وكنت فى المدرسة مثل باقى الصبيان فى هذه السن جالسًا فى الفصل أستمع للدرس، فدخل أحد موظفى المدرسة وقال للمدرس: هانئ النقراشى مطلوب للناظر. فأمرنى المدرس بالخروج من الفصل والذهاب إلى الناظر. وفى غرفة الناظر وجدت ضابط شرطة بملبسه الرسمى الذى وضح منه أنه برتبة عالية. قال لى الناظر: يا هانئ اذهب مع حضرة الضابط فهو أتى ليأخذك معه. أطعت الناظر دون مناقشة وذهبت مع الضابط إلى سيارته التى كانت تنتظر أمام المدرسة وانطلقت السيارة ونحن صامتان. بعد فترة سألنى الضابط: لابد أنك تريد أن تعرف سبب ذهابنا بالسيارة؟ وعندما أجبته بالإيجاب قال: بابا تعبان شوية، عشان كده إحنا رايحين البيت.. فى هذه اللحظة عرفت أن شيئا خطيرًا قد حدث لأبي، شيئًا أخطر بكثير من وعكة أو مرض أيا كان، لأنى كنت أعرف أنه حريص جدا على التعليم وأن المرض لا يمكن أن يكون سببًا فى أن يطلب خروجى من المدرسة. جعلت أفكر: ما هو السبب؟ هل توفى ؟ وكيف يتوفى وأنا رأيته اليوم صباحا وهو يستعد للذهاب إلى مكتبه؟ خيم الصمت علينا فى السيارة، وكان فى إمكانى أن أسأل الضابط عن مدى خطورة الوعكة التى زعم أن والدى يشعر بها، ولكنى لم أسأله، ربما لأنى خشيت عليه أن يضطر للكذب... أو لأنى كنت أخشى مواجهة اليقين الذى كنت أشعر به وهو أنى لن أرى أبى بعد ذلك أبدًا.. هذا اليقين تغلب على بقايا الأمل الذى كنت أتعلق به طوال سير السيارة لأقل بقليل من الساعة، عندما توقفت السيارة أمام المنزل وقابلت أختى صفية (12سنة) باكية فسألتها: ماذا حدث؟ وكأنى لا أصدق ما أراه حولى فردت: أبونا مات!

محمود فهمى النقراشى يحمل أبنه هاني فى عام ١٩٣٦

 

تهديد بالخطف!

- هل تعرضت أسرتك للتهديد من الجماعة الإرهابية عقب هذا الاغتيال الإرهابي؟

نعم، أخبرتنا وزارة الداخلية أن عندهم معلومات بتخطيط لخطفى وأختى لابتزاز الحكومة التى كانت بدأت فى التحقيق فى الحادث والقبض على المشبوهين. فطلبت وزارة الداخلية من والدتى ألا نذهب أنا وأختى إلى مدرستينا ونلتزم المنزل الذى حوطته الشرطة بالحراسة. فكان المدرسون يأتوننا إلى المنزل لإعطائنا الدروس، ولم يكن مسموحًا لنا بزيارة أصدقائنا ولكن الأصدقاء كانوا يزوروننا كلما سمحت الظروف وكان هذا هو التخفيف الوحيد الذى سمحت به ظروف هذا السجن فى المنزل.

 

اغتيال بأمر البنا

- هل جاءتكم معلومات عن أن حسن البنا بنفسه كان متورطا فى حادث الاغتيال؟

كان عمرى أثناء هذا الحادث 13 سنة فلم يخبرنى أحد عن مجرى التحقيقات ولكنى سمعت بعدها بفترة أنه بعد أن ثبت أن القاتل كان منضما للتنظيم السرى للإخوان سئل فى التحقيق عمن كلفه بعملية الاغتيال وهل هو حسن البنا فأنكر أن حسن البنا كلفه. ومن ناحية أخرى صرح حسن البنا بأن الذين قاموا بالتخطيط والاغتيال: "ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين". أما جهات التحقيق فكانت تعرف أن مثل هذه المناورات ليس المقصود منها إلا إخفاء أبعاد المؤامرة، ليتمكنوا من تنفيذ عمليات أخرى. فسألوا، وهذا ما سمعته من صديق، سألوا حسن البنا عن رأيه فى القاتل فقال: "له جهنم وبئس المصير"، فطلبوا منه كتابة رأيه هذا فى ورقة عرضوها على القاتل فاعترف فورًا بأن حسن البنا هو الذى أمر بالاغتيال..هذه التفصيلات عن مجرى التحقيق لا أعرفها بالمستندات، ولكن تصرّف الجماعة وطريقة تنظيمها لا تترك شكا فى أن يكون رئيسها هو المدبر الأساسى خاصة للعمليات الكبيرة.

 

- جاء اغتيال والدك بعد عشرين يومًا فقط من قراره بحل الجماعة الإرهابية فى 8 ديسمبر 1948م.. هل تعتقد أن ذلك كان الدافع الوحيد للاغتيال أم أن هناك دوافع أخرى؟

قطعًا كانت هناك دوافع أخرى، ولكن قرار الحل كان يُعطى فى صفوفهم مبررًا لهذا العمل على قول: "هو قتل جماعتنا لذلك قتلناه"، وطبعًا كان من الضرورى أن يحدث رد الفعل فى زمن قريب من الفعل، فالقول بأنه انتقام لحادث كوبرى عباس الذى حدث فى 9 فبراير 1946 أى قبل اغتيال النقراشى بأكثر من سنتين غير منطقي. الإخوان كانوا على علم بنية الحكومة حل جماعتهم بسبب الأعمال الإرهابية التى قاموا بها مثل تفجير دور السينما أثناء وجود المتفرجين داخلها− بعد أن أخذوا الفكرة من جواسيس إسرائيل الذين نفذوا عدة تفجيرات− وكانت أبرز أعمال الإخوان المسلمين هى اغتيال رئيس الوزراء أحمد ماهر فى فبراير 1945 والمستشار أحمد الخازندار القاضى بمحكمة الاستئناف فى مارس 1948. وفى هذا المجال تبدو عشرون يومًا فترة قصيرة لتدبير مثل هذا العمل، ولكن يفسرها أنهم كانوا يتوقعون حل جماعتهم قبلها بمدة بدليل كتاب حسن البنا للملك فاروق يشكو فيه النقراشى لأنه ينوى حل الجماعة. هذا الكتاب سلمه الملك فاروق لوالدى ووجدناه مع مخلفاته وسلمناه مع الوثائق الأخرى لدار الكتب والوثائق القومية يوم 4 أكتوبر 2017.

 

أحداث كوبرى عباس

- ولكن هناك عددا من المؤرخين يربطون بين النقراشى باشا وأحداث كوبرى عباس 1946م.. كيف ترد على هؤلاء؟

الذى يربط بين الحادثين لم يتحقق من الوقائع بالقدر العلمى الذى يحتمه البحث فى التاريخ.. والبحث العلمى فى التاريخ قامت به الدكتورة هدى أباظة فى كتابها "النقراشي" من صفحة 123 إلى 131 ومنه يظهر أن كوبرى عباس كان مفتوحا للمراكب النيلية وقت وصول المظاهرة إليه. ومن يعرف كثافة مرور السيارات الآن يتعجب أن يفتح الكوبرى أثناء النهار. ولكن فى 1946 كانت الظروف مختلفة والأولوية للمراكب النيلية الشراعية التى كانت تنقل كمًّا كبيرًا من البضائع وبذلك تشكل قطاعا مهمًّا من الاقتصاد المصري، أما السيارات فكان عددها أقل بكثير من اليوم، وأذكر عندما أتأخر أحيانًا فى النزول من المنزل للذهاب إلى كلية الهندسة فى جامعة القاهرة وذلك فى السنوات 1952 إلى 1956، أن أجد أحد الكبارى مفتوحا فيزيد تأخرى عن المحاضرة مما يسبب لى ضيقا شديدا مازلت أذكره إلى اليوم.

 

- إذن هل تقول إن روايات هذا الحادث حملت الكثير من التهويل والتدليس الإخواني؟

بالطبع، فقصة هذه الحادثة مثال للتهويل وترديد الشائعة حتى يصدقها البعض، ومن يتأمل فيما قيل يكتشف أنه لا يتفق مع المنطق، لأن الكوبرى به جزء أوسط يدور أفقيا ليسمح للمراكب ذات الشراع الطويل بالمرور؛ وهذا الدوران يتم ببطء شديد يسمح لأى شخص يكون على الجزء الأوسط الذى بدأ فى الدوران بالسير منه إلى الجزء الثابت على أحد طرفى الكوبري. ولكن لم يحدث أن فتح الكوبرى والمظاهرة فوقه، بل توقفت المظاهرة عندما وجدت الكوبرى مفتوحًا وانتظرت إلى أن أخذ بعض الطلبة قاربا وجدفوا إلى القاعدة الوسطية للكوبرى وهى التى فيها آلات التحكم فى الفتح والإغلاق وأجبروا المهندس المختص على إقفال الكوبرى وبعد أن تم الإقفال تحركت المظاهرة فوقه للمرور إلى القاهرة وهناك كانت قوات من شرطة القاهرة تحت إمرة حكمدار القاهرة آنذاك وهو إنجليزى إسمه "راسل باشا" فى انتظارهم لتفريقهم وعندما بدأت معركة المتظاهرين مع شرطة القاهرة على الطرف الشرقى للكوبرى جاءت قوات شرطة الجيزة وكانت تحت إمرة حكمدار الجيزة آنذاك وهو إنجليزى أيضا اسمه "فيتزباتريك باشا" وأخذت فى ضرب الطلبة بالعصي.ومن هنا نعرف أنه كان ثمة تنسيق من ناحية الإنجليز لمحاصرة الطلبة فوق الكوبرى وضربهم "لتأديبهم". وحدثت طبعا إصابات بين الطلبة وأفراد الشرطة ولكن لم تحدث وفيات بسبب اعتداء الشرطة على المتظاهرين.ويكتب المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعى فى كتابه "فى أعقاب الثورة المصرية 1919 صفحة 187 − 188 الجزء الثالث": "بالغ الرواة فى تصوير (هذه الحادثة)، إذ جعلوا منها فيما بعد دعاية سياسية ضد وزارة النقراشي، وزعموا أن بعض الطلبة قتلوا فيها، وأن بعضهم غرقوا فى النيل من أعلى الكوبري، وقد تحققنا أنه لم يقتل أحد فى هذه الواقعة بالذات"..

وهنا يجب لفت النظر إلى أنه فى 14 نوفمبر 1935 فى عهد وزارة توفيق نسيم الثالثة حدثت أحداث مشابهة على نفس المسرح مما جعل بعض المعلقين يخلط بين الحادثين.

 

القراصنة الإنجليز

- منذ صباه الباكر كان النقراشى باشا عضوا فى التنظيم السرى لحزب الوفد الذى قاوم الإنجليز كثيرًا ومع هذا يُتهم بأنه كان ممالئًا لهم.. ما تقييمك لمواقف والدك السياسية؟

كان والدى وطنيا بالدرجة الأولى وأمضى جزءًا كبيرًا من شبابه فى سجون الإنجليز، وعندما كان رئيسًا للوزراء فاوضهم ليجلوا عن أرضنا وعانى من مماطلتهم الأمرَّين− وهذا التصرف الإنجليزى تجلى فى السنتين الماضيتين عند مفاوضتهم الاتحاد الأوروبى لانفصالهم عنه− وعندما لم يجد طائلا من المفاوضات معهم قرر اللجوء إلى مجلس الأمن الذى كان حديث الإنشاء وعُقدت كثيرٌ من الآمال عليه. وهناك قال مقولته الشهيرة: "اخرجوا من بلادنا أيها القراصنة" التى دوت فى أنحاء العالم وزادت من الآمال عند كثير من الدول المحتلة آنذاك− مثل إندونيسيا− فى الحصول على استقلالها، ولم لا إذا كان رئيس دولة مثل مصر يتجرأ أن يصف أمام العالم كله دولة إنجلترا بالقرصنة لأنها مستمرة فى احتلال أراض مصرية، فيجب أن يهبوا هم أيضًا للمطالبة باستقلالهم. لقد كان لصيحته هذه فى مجلس الأمن دوى الرعد وعرف منها الإنجليز أنهم لن يستطيعوا كسر شوكته لذلك كلفوا عملاءهم باغتياله لأنهم لا يستطيعون التغلب على وطنيته،ومَن يدَّعى غير ذلك فهو جاهل بالتاريخ أو يُضمر شيئًا فى نفسه مثلما يفعل الإخوان.

 

- أيضًا هناك علاقات ممتدة لوالدك بكبار الكُتاب والأدباء فى ذلك الوقت ومنهم عباس محمود العقاد.. كيف أثر ذلك على تكوينك العلمي؟

للأسف لم أتعرف على عباس محمود العقاد. ولكنى أذكر بفخر واعتزاز الدكتور زكى إبراهيم الذى تطوع بتدريسى مادة الفيزياءعندما كنت حبيس البيت ولا أذهب للمدرسة، فعلمنى الكثير الذى ساعدنى فيما بعد فى فهم الهندسة الميكانيكية خاصة تحويل الطاقة الحرارية إلى طاقة حركية لدفع المركبات أو لتدوير مولدات الكهرباء.

 

صورة زائفة

- إذن، لماذا لم يلتفت الشعب العربى إلى هذا الإجرام الإخوانى حتى ثورة 30 يونيو.. أى بعد مرور أكثر من ستين عامًا كاملة؟

الشعب العربى كان مشغولا بالصراعات بين زعمائه الذين لم يجدوا الوقت للاهتمام بالتعليم والتنمية مما فتح المجال للإخوان لإظهار أنفسهم بصورة الذين يرعون المهمشين فى المجتمع. وكانت فترة وصولهم إلى السلطة بعد ثورة 2011 وحكمهم البلاد من 30 يونيو 2012 إلى 30 يونيو 2013 كفيلة بإظهار إخفاقهم فى السياسة الداخلية وكذلك فى السياسة الخارجية، كما قال أحد زملائي: "الشعب المصرى ذكى وسيكشفهم فى ظرف شهور قليلة".

 

مشروعات محدودة!

- بحكم تخصصك فى مجالات الطاقة والذبذبات الميكانيكية.. ما رؤيتك للمشروعات التى تقوم بها مصر فى مجالات الطاقة الشمسية؟

هذا يرجع إلى عملى فى مجال المناخل الهزازة لمدة 40 عاما، وهذا النوع من الماكينات يستعمل لفصل الحبيبات عن بعضها البعض فى الصناعة، مثل تصنيف الحبيبات فى المحاجر. وهى ماكينات كبيرة ولكنها حساسة لأنها عرضة لقوى كبيرة تغير اتجاهها باستمرار يجعل الماكينة عرضة للشروخ التى تبدأ صغيرة وتمتد إلى أن تتسبب فى كسر خطير لبعض قطع الماكينة لو كان تصميمها قاصرًا..المشروعات التى تقوم بها وزارة الكهرباء فى مجال الطاقة الشمسية محدودة فى تشجيع استعمال الخلايا الضوئية ولم تنظر الوزارة نظرة شمولية لما يمكن استخدامه من الطاقات المتجددة مثل الفضلات الزراعية التى يمكن تحويلها إلى وقود يُحرق أو إلى غاز الميثان وكلاهما يفتح مجالا كبيرا للمزارعين الصغار. ولكن سياسة وزارة الكهرباء فضلت أن تشجع الأغنياء، فمن يملك فيلا ويضع لوحات خلايا شمسية على السطح تفتح له الوزارة المجال لأن يبيع الكهرباء المنتجة نهارا إلى شبكة الوزارة أما المستأجر لشقة فليس له هذا الحق بل عليه عبء دفع فاتورة الكهرباء التى يدخل فيها الثمن المرتفع الذى تدفعه الوزارة لكل من يستورد خلايا شمسية ويغذى كهرباءها لشبكة الوزارة.

 د. هاني النقراشى فى المؤتمر الرابع للطاقات المتجددة بدمشق ٢٠٠٤

 

 

- ولكن الوزارة أكدت كثيرا فى تعليل هذا التصرف بأنه يأتى تشجيعًا للطاقات المتجددة!

كان من الأجدى وضع آلية لتشجيع تركيب السخانات الشمسية على الأسطح لأنها تحتاج لمساحة أصغر وفائدتها ترجع مباشرة لمستخدمها إذ يوفر الفرد تسخين المياه لمسكنه، فضلا عن أن تصنيعها فى مصر متاح.ولنا فى تونس مثال لنجاح هذه التجربة بالذات..ولكن الوزارة فضلت الأخذ بمشورة الجهات الأجنبية− كما يقول وزير الكهرباء فى كل مناسبة تتاح له − بدلا عن إعمال العقل الذى يرى طبيعة الشمس المصرية والإمكانيات الهائلة لاستخدامها لجميع فئات الشعب بدلا من تفضيل الأغنياء على الفقراء.

 

- كيف ترى مستقبل الطاقة فى مصر فى ظل اللهاث العالمى لتوفير مصادر جديدة للطاقة النظيفة؟

مصر هى الدولة الوحيدة فى العالم التى حباها الله بالنيل فى وسطها والصحراء على جانبى الوادي. فى رحاب الوادي− على ضيقه− تدب الحياة بكل ما فيها من نشاط وحركة وإنتاج، وفى الصحارى التى تحف الوادى من ناحيتين تسطع الشمس بدفئها وحنانها تدعونا لننهل من هذا الدفء قبسًا ضئيلا يكفى أكثر من أعظم احتياجاتنا من الطاقة لأن كل كيلومتر مربع من هذه الصحراء يستقبل من طاقة الشمس ما يعادل مليون برميل من النفط سنويا،لا تفنى إلا يوم تفنى الشمس نفسها. إن هذا القرب بين مصادر إنتاج الطاقة وأماكن الطلب عليها لا يوجد فى أى مكان آخر على الأرض.. وبدلا عن استغلال هذا الكنز فى جوارنا سعت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة− تنفيذًا لنصائح الخبراء الأجانب− إلى التعاقد لبناء محطتين كبيرتين لإنتاج الكهرباء من الفحم المستورد. ونحمد الله أن هذا المخطط الشيطانى انتهى بإلغاء العقود مع إخفاء ما ترتب على هذا الإلغاء من غرامات سيدفعها مستهلكو الكهرباء مع كل فاتورة كهرباء. مهما كانت هذه الغرامات فهى أقل وطأة عن تكلفة استيراد الفحم والرعاية الصحية لكل المصابين بالأمراض الناتجة عن حرق الفحم.

د. هاني محمود فهمى النقراشي 

 

اختيار موفق

- هل تحمل آمالا ترجو تحقيقها فى التعليم المصرى لإخراج أجيال من المخترعين فى المستقبل؟

نعم، فإن اختيار الدكتور طارق شوقى وزيرا للتعليم اختيار موفق جدا والطريقة التى يتبعها تتوافق مع قدرات الجيل المستهدف وميوله وهى طبعا تختلف عن قدرات وميول الجيل الذى أنتمى أنا إليه.. الدكتور طارق شوقى تسلم تركة مثقلة بالإهمال وعدم المبالاة وهى كذلك مثقلة بالأفكار القديمة فى التربية لذلك يواجه الكثير من الانتقادات. والحقيقة أن وزارته تضع الآن أساس التعليم قبل الجامعى فى المستقبل وهو فى غاية الأهمية لأنه يعد التلميذ للتعليم فى المجالات الأخرى بعد ذلك ومنها التعليم المهني. ولا شك أن طرق استقبال الطلبة للعلم الآن مختلفة عن الطرق التى كانت ناجحة أيام زرت أنا المدرسة بسبب وجود وسائل جديدة لاستقبال العلم مثل الإنترنت وهذه لها عيوب بجانب مزاياها العديدة إذ إنها تتيح نشر الأكاذيب لمن يريد البلبلة ولذلك يجب أن يتعلم الفرد منذ صغره التفريق بين الصالح والطالح.

 

- تشتكى المؤسسات البحثية من عدم التعويل على البحوث فى حل مشاكل المجتمع.. ما تفسيرك لذلك؟

هذا من بواقى الماضى الذى كان يكافئ من يتملق رئيسه وليس المتفوق، وأعتقد أننا تجاوزنا هذه المرحلة، ونحن الآن فى أول الطريق للانطلاق؛ وأستعير مقولة أحد حكماء اليونان القدامى إذ قال: "لا نعرف ما سيأتى به المستقبل... ولكننا يجب أن نكون مستعدين له".. وعند التأمل فيما لاقته الإنسانية من متاعب بسبب جائحة كورونا التى فاجأت الجميع نجد أن أوروبا اجتاحتها الفوضى بجانب الجائحة، فلم أجد فى ألمانيا مطهرًا للأيدى ولا كمامات فى الصيدليات بينما قرأت فى الصحف المصرية عن انتشار وحدات الحرب الكيمائية من الجيش لتعقيم المدارس والأماكن العامة.