مشاهد أتوبيس محور 30 يونيو
مشاهد أتوبيس محور 30 يونيو


أشلاء مخضبة بالدماء وأمتعة وحطام.. مشاهد من حادث أتوبيس محور 30 يونيو

حسام صالح

السبت، 20 فبراير 2021 - 10:46 م

ثوانٍ معدودات وتغير كل شيء، انقسم ركاب الأتوبيس بين مصابين أغلبهم أطفال في المقاعد اليمني، شاء الله أن يكتب لهم النجاة، وبين ضحايا تحولت أجساد أغلبهم إلى أشلاء اختاروا الجلوس على مقاعد الجانب الأيسر خلف السائق رغم أن نصف مقاعد الأتوبيس كان خالية. 
 
الرحلة التي بدأت من شرم الشيخ، قصد ركابها مدينة دمنهور في البحيرة، مسقط رأسهم تغير مسارها من منتصف الطريق إلى مستشفى السويس العام وثلاجة حفظ الموتى، بعدما اصطدمت الحافلة التي يستقلونها بسيارة نقل بمقطورة محملة بمواد محجرية، على طريق محور 30 يونيو شمال محافظة السويس. 
 
ما بين بداية التصادم ومكان توقف الأتوبيس مسار يزيد طوله عن 50 مترا، حددت معالمه متعلقات الركاب الغارقة في الدماء، وأشلاء الضحايا المعلقة في القطع الحديدية وأجزاء الأتوبيس المعدنية، تلك التي مرت بأجساد من اختاروا قدرا المقاعد اليسرى، وملابس امتزجت فيها الدماء و زيوت المحرك والوقود المتسرب من التنك.


ووسط كل هذا قطع غيار سيارة نقل متناثرة أراد صاحبها إصلاحها ومغادرة الطريق بحمولتها من الظلط، لكنها حملت نصيبها من الدم والاشلاء ورائحة الموت.
 
بداية الرحلة 
 
في العاشرة من مساء أمس الجمعة، انطلق أتوبيس أزرق اللون رقم "8217 ط ي ر" من موقف شرم الشيخ بجنوب سيناء، يستقله 14 راكبا رجال وأطفال ونساء، كانت أكثر من نصف مقاعد الأتوبيس خالية فلم يلتزم أغلب الركاب بمقاعدهم، ومنهم من فضل الرجوع للمقاعد الخلفية أو الاستلقاء على المقعد الأخير "الكنبة" وقضاء ساعات الرحلة في النوم، هذا ما أخبرتنا عنه لون المقاعد المخضبة بالدماء وآثار الضحايا.
 
خط السير
 
يتبع سائق الأتوبيس التابع لشركة وادي النيل خط سير الرحلة، يصل إلى نفق الشهيد أحمد حمدي، وقرب الواحدة والنصف صباحا يغادر النفق بعد التفتيش ويستكمل الرحلة قاصدا دلتا مصر فهناك على جانبيها محطات الوصول بداية من طنطا مرورا بزفتي ثم إيتاي البارود وصولا إلى دمنهور المحطة الأخيرة. 


يقطع السائق ميدان النفق، يستكمل رحلته غربا عبر طريق النفق - الكيلو 109 طريق القاهرة السويس، أو وصلة الوردة البيضاء كما يعرفها السائقين.


عند منتصف طريق الوردة البيضاء قرب كوبري يجري بناؤه حديثا، يعرج السائق يمينا في طريق ويسلك حارة النقل، قاصدا محور 30 يونيو، هنا أول طريق العودة وصولا إلى مدينة دمنهور محطة الوصول الأخيرة في رحلة العودة.
 
شاحنة معطلة 


لا يعلم سائق الحافلة، أنه على مسافة 25 كيلو تقريبا من مدخل محور 30 يونيو تتوقف سيارة نقل بمقطورة رقم 2299 نقل سويس/ جرار 458- 28، تعطلت بعد كسر آلة الجر الخلفي، ما أعاق الشاحنة عن التحرك، يقرر سائق الشاحنة الذي لا يعرف أيضا بأمر الاتوبيس أن يتوقف يسار الطريق في المنطقة الترابية ويشعل النار في إطار سيارة قديم كإشارة تنبيه وتحذير السائقين القادمين على الطريق.


في الظلام الدامس على المحور ذلك الذي يشق صحراء السويس، ويفتقد للخدمات والإنارة وشبكات المحمول قاد السائق الحافلة تحمل ركابها النائمين، مضي 20 دقيقة تقريبا قبل أن يشاهد عن كثب عمود دخان اسود كثيف ينبعث من الإطار المحترق ويخفي الطريق عن عينيه.
 
دخان أسود 


أعاقت الادخنة السوداء في الظلام الرؤية أمام السائق، فزع لم يتمالك اعصابه في تلك اللحظة انحرفت عجلة القيادة في يديه، فاصطدم بسرعته في مؤخرة المقطورة دون أن يدرك استخدام المكابح.


بضع ثوانٍ استغرقها ربما أقل، حتى التصق جسده بمؤخرة المقطورة بعد تهشم مقدمة الأتوبيس والزجاج، تحول و8 ركاب خلفه إلى جثث بعضها خرجت قطعة واحدة وأخرى مزقها التصادم.


في الثانية والربع صباحا، وجه الدكتور محمد طنطاوي مدير مرفق الإسعاف 15 سيارة لموقع الحادث، بعد بلاغ ورد إلى شرطة النجدة من المارين بمحور 30 يونيو، ولحقت بالإسعاف سيارات الدفاع المدني بقيادة العميد سامح بسيم مدير ادارة الحماية المدنية.


اليمين أكثر أمنا 
 
على أضواء المصابيح، استطاع رجال الإسعاف نقل 6 مصابين بينهم 4 أطفال 3 منهم أشقاء، أصغرهم رضيعة بعمر 9 أشهر كانوا يجلسون في مقاعد الجانب الأيمن، لحقت بهم إصابات بين كسور وجروح سطحية وما بعد الارتجاج، كان إخراجهم مهمة سهلة على رجال الإسعاف مقارنة بما يجدوه في مقاعد الجانب الأيسر.
 
جثامين ممزقة
 
شرع المسعفون في نقل جثامين المتوفين، نقلوا 3 منهم فقط، من داخل الأتوبيس إلى أكياس سوداء ومنها إلى سيارات الإسعاف، بينما هناك 6 آخرين كان الاصطدام أشد وطأة عليهم إذ تسبب في تطاير بعض المقاعد وحُشروا بين الأجزاء المعدنية وما تبقى من مقاعد بفعل الضغط، وأشلائهم ودمائهم تخضب حواف المقاعد والأجزاء المعدنية المتطايرة.
 
ما زاد الموقف سوءا وجود مسعف من جنوب سيناء بين الضحايا، كان عائدا الى أهله في البحيرة، يعرفه الرجال القائمين على نقل الجثامين حين رأوه فقد عمل معهم عدة سنوات في السويس، شخصت أبصارهم ينكرون حقيقة ما شاهدته أعينهم، لكنها إرادة الله وقدره، ورباطة جأش تظهر في المواقف الصعبة لا يقوى عليها إلا الرجال. 


استعان رجال الحماية المدنية بقواطع ومعدات لفصل أجزاء الاتوبيس المتداخلة في بعضها، من قوة التصادم، فأخرجوا والمسعفون جثامين بعضها فقدت أطرافها، وتركت أجزاء الأتوبيس أثارها فيها وهي تمر بأجسادهم قبل أن تطير في الهواء.


في الصباح بزغت الشمس، أضحى واضحا للناظرين والمارين بالطريق أين وقعت نقطة التصادم، هنا في تلك البقعة التي تناثر فيها زجاج الأتوبيس كالرمل والحصى، وعلى مسافة زاد طولها مع عدم استخدام المكابح، خط رسمته الحطام ومتعلقات الركاب تفوح منها رائحة الدم والموت والرعب الذي مسته الأنفس وهي ترى بقايا بشرية على قطع الحطام. 


تحكي متعلقات الركاب عنهم، زجاجات دواء للأطفال، وملابس ضاع لونها في الدم والتراب، وجبه دجاج وأرز لم ينالها صاحبها، فرشاة شعر أحذية مختلفة الأنواع والأحجام أطاح بها الاصطدام فخرجت من أقدام أصحابها، ولافتة مكسورة عليها نصف خط السير "طنطا – دمنهور "الذي لم تصل إليه الرحلة.

اقرأ أيضا| بالصور.. وصول جثمان شهيد حادث اللنش البحري الي بورسعيد

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة